الاثنين، 2 فبراير 2015

مدى دستورية الحكم بعدم دستورية
قانون تحديد الولايات
                                                                                            القاضي
                                                                                           رحيم حسن العكيلي
اتفق هذه المرة مؤيدو ( قانون تحديد ولايات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ) مع مناوئي القانون على توقع قيام المحكمة الاتحادية الموقرة بالغاء القانون بحجة مخالفته للدستور منذ اقرار القانون . ولكنهم اختلفوا في سبب ظنهم ، فمؤيدوا القانون يظن معظمهم بان المحكمة الاتحادية العليا خاضعة لرغبات الجهة السياسية الوحيدة التي كانت ضد القانون وانها مسلوبة الارادة في مواجهة ما تطلبه منها ، اما مناوئي القانون فبني ظنهم على قرب المحكمة الاتحادية الدائم من الاستجابة لما يريدونها منها ، كما بني على سبق استقرار المحكمة في العديد من قراراتها على عدم جواز اصدار القوانين بناء على  (مقترح قانون ) من مجلس النواب .
وهو فعلا ما اعتمدت عليه المحكمة الاتحادية العليا في الحكم بعدم دستورية قانون تحديد الولايات ، اذ ترى ان القانون المذكور مشوب بعيب عدم دستورية اجراءات اصداره لانه صدر بمقترح قانون من مجلس النواب دون ان يذهب للسلطة التنفيذية لاعداده بمشروع قانون وهو ما اعتمدت عليه في الحكم بعدم دستورية قوانين كثيرة اخرى منها قانون رواتب مجلس الوزراء وقانون هيئة النزاهة وقانون ديوان الرقابة المالية وقانون الغاء وزارة البلديات وقانون فك ارتباط دوائر الشؤون الاجتماعية من وزارة العمل .
فما مدى دستورية رأي المحكمة الاتحادية الموقرة ؟ وهل يصح رهن ارادة السلطة التشريعية بارادة السلطة التنفيذية بهذه الطريقة ؟ وهل يتفق ذلك مع مبدأ الفصل بين السلطات - الذي يتبناه الدستور - ما دامت السلطة التشريعة عاجزة عن اصدار اي قانون الا عن طريق السلطة التنفيذية ؟
ان اجتهاد المحكمة الاتحادية هذا يتمخض باختصار عن نتيجتين في غاية الخطورة :-
الاولى :- لا يجوز تشريع القوانين الا بناء على ( مشروع قانون ) تقدمه السلطة التنفيذية.
 الثانية :- ان مصير ( مقترحات القوانين ) التي تقدمها السلطة التشريعية مرهون برأي وارادة السلطة التنفيذيـــــــة .
وهذه النتيجتان تجتمعان لننتهي الى نتيجة خطيرة واحدة هي ان السلطة التشريعية لا تمارس مهامها في تشريع القوانين الا بواسطة السلطة التنفيذية . فالعملية التشريعية – اذن - كلها لا يمكن تحريكها الا  بواسطتها ، وذلك يعني ان اهم وظائف السلطة التشريعية وهي سن القوانين مرهون بيد سلطة اخرى ، وفي ذلك تعطيل كامل لمبدأ الفصل بين السلطات ، اذ ان ذلك يرهن دور السلطة التشريعية الرئيسي وهو تشريع القوانين بيد السلطة التنفيذية ، فاين نحن هنا من فصل السلطات وممارسات النظام البرلماني الذي اخذ دستورنا به كأطار عام ، ما دامت اهم السلطات في الانظمة البرلمانية ( السلطة التشريعية ) لا تستطيع ممارسة دورها في التشريع الا عن طريق السلطة التنفيذية .
والحقيقية ان الوضع الدستوري الذي استقر بتفسير المحكمة الاتحادية العليا في الحكمين المعلق عليهما انما يشكل وضعا دستوريا وسياسيا وقانونيا شاذا للاسباب الاتية :-
1-   ان الوضع المذكور يهدم الاساس الاول الذي بني عليه الدستور ، والمبدأ الرئيسي الذي بنيت عليه الانظمة الديمقراطية وهو ( مبدأ الفصل بين السلطات ) ، اذ تصبح العملية التشريعية بموجبه مرهونة بيد السلطة التنفيذية ، على خلاف ما يقتضيه ذلك المبدأ - كاصل عام - وهو انفراد السلطة التشريعية بالوظيفية التشريعية من خلال وضع القواعد القانونية المنظمة للنشاطات والسلوكيات في الدولة والمجتمع دون تدخل السلطتين التنفيذية والقضائية . فالراجح فقها بان اقتراح القوانين هو ليس الا جزء من العملية التشريعية ، لانه العمل الذي يشكل جوهر القانون ويؤسس لبنته الاولى ، بل انه القانون جنينا ، لذلك فانه من صميم الوظيفية الاصلية للسلطة التشريعية ، لذلك من غير المقبول القول بانه صلاحية اقتراحه تنحصر بالسلطة التنفيذية ، لان ذلك يعني رهن العمل التشريعي كله بيدها وتكون السلطة التشريعية سلطة عاجزة او سلطة تابعة وخاضعة للسلطة التنفيذية في احسن احوالها .
وبما ان ( اقتراح القوانين ) هو عمل تشريعي – وفقا للقول الراحج عند معظم الفقهاء الدستوريين - فانه من الاعمال الحصرية للسلطة التشريعية وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات ، وانما تعطي الدساتير - بضمنها دستور جمهورية العراق النافذ - سلطة اقتراح القوانين الى السلطة التنفيذية استثناءا ، لكن ذلك لا يمكن ان يقبل بالطريقة التي جاء بها تفسير المحكمة الاتحادية العليا الموقرة لانه يعني انتزاع عمل تشريعي محض ( هو اقتراح القوانين ) من السلطة التشريعية بالكامل وايداعه الى سلطة اخرى غير مختصة به اصلا . اذ ان منح سلطة اقتراح القوانين للسلطة التنفيذية انما يقبل من باب الفصل المرن بين السلطات مع ابقاء السلطة الاصلية في اقتراح القوانين للسلطة التشريعية ، اما ان ينتزع الحق باقتراح القوانين من السلطة التشريعية بالكامل ليودع الى السلطة التنفيذية لتمارسه لوحدها فذلك يهدم النظام السياسي بالكامل ، حينما يغل يد ممثلي الشعب عن وظيفتهم الاساسية في تشريع القوانين الا عن طريق السلطة التنفيذية .    
2-   ان تحريك العملية التشريعية متوقفا على ارادة السلطة التنفيذية ، فلا يستطيع مجلس النواب التحرك لاقرار أي تشريع الا اذا قدمت السلطة التنفيذية مشروعا ، واذا لم تقدم السلطة المذكورة مشروعا ما ، تعطل بالكامل عمل مجلس النواب في ميدان تشريع القوانين 
3-   لا تستطيع السلطة التشريعية اصدار أي قانون الا وفقا لرغبات السلطة التنفيذية ولو بعد رفع مشاريع القوانين اليها ، لان مشاريع القوانين اذا ما قدمت من السلطة التنفيذية الى السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) للنظر في تشريعها ، فأنها تبقى تحت سيطرة السلطة التنفيذية عن طريق سلطاتها في سحب مشاريع القوانين وقتما تشاء ، فأذا وجدت بأن السلطة التشريعية اثناء النظر في مشروع القانون اخذت تعدل باحكامه بطريقة لا تتناسب مع ما تريد السلطة التنفيذية فانها ستقوم بسحب مشروع القانون ، ويتوقف بالتالي تشريعه ، وذلك يعني ان السلطة التنفيذية هي صاحبة القول الفصل في التشريعات وليس ممثلي الشعب في مجلس النواب ، فصوتها هو الذي يمرر القانون قبل التصويت عليه من ممثلي الشعب ، ولا يمكن لممثلي الشعب ان يصوتوا على مشروع قانون الا اذا شاءت السلطة التنفيذية .
4-     تصبح السلطة التنفيذية هي المتحكم في السلطتين التشريعية والقضائية والهيئات المستقلة  ، لانها هي الجهة الوحيدة القادرة على اقتراح القوانين المتعلقة بتنظيمهما .
5-   ان الوضع المبحوث يجعل السلطة التنفيذية اقوى السلطات والمسيطر الحقيقي على الدولة والمجتمع ، من خلال انفرادها بسلطة اقتراح القوانين ، اذ انها بواسطته تتحكم في جوانب العمل والتنظيم والمؤسسات بضمنها المؤسسات التشريعية والقضائية والمستقلة ، وقد ذهب الفقيه الدستوري ( روبيير كولار ) الى القول ( ان من يملك حق الاقتراح هو الذي يحكم ) للخطورة البالغة لحق اقترح القوانين باعتباره النواة التي يصنع بها القانون وتوضع بها اسسه وقواعده التي - نادرا جدا - ما تتغير بالكامل .
وما نريده قوله من كل ذلك هو ان غير الدستوري هو قرار المحكمة الاتحادية العليا وليس قانون تحديد الولايات .
        
                                                                                                              القاضي

                                                                                                         رحيم حسن العكيلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق