الاثنين، 2 فبراير 2015

واقع القضاء وافاق اصلاحه ( 3 )
تراجع الثقة بالقضاء
                                                                    القاضي
                                                                      رحيم حسن العكيلي
زارني يوما رجل مثقف يبدو عليه الغنى والثراء صاحب شركة لها فروع في اكثر من ( 16 ) دولة حول العالم ، لديه تزاع قضائي في احد محاكمنا العتيدة ، استشارني ثم طلب مني ان اتكلم مع  زميلي  الذي ينظر في الدعوى (((( لكي يحكم بالحق فقط )))) يقول لا اريد ان اتوسطه ليحكم لي ، فقط اريده ان يحكم الحق .
شعرت ان الرجل يظن بان الحكم بالحق يحتاج لوساطة ، رغم انني اكدت له بان القاضي الذي ينظر دعواه من القضاة الجيدين القليلين جدا في هذا الزمن ، لكنه ظل مصرا على انه لن ينال الحق في دعواه بغير وساطة مؤثرة .
وحدثني احد المدعين العامين بان احد معارفه عاني كثيرا بسبب دعوى مدنية ، لان القضاء اصدر فيها عدة قرارات متناقضة ، ولم تستقر على شئ  لاكثر من خمس سنوات ، فاضطر للجوء اليه اخيرا لكي يتوسط لدى زملائه من الهيئة التمييزية  الذين ينظرون في الطعن على الحكم الخامس الذي صدر في الدعوى بعد اربع مرات تنقض القرارات الصادرة فيها ... ويطلب منهم – فقط - قراءة الدعوى ، لانه متأكد بانهم يصدرون قراراتهم فيها دون قراءة كافية  .
فاتصل المدعي العام باحد زملائه بالهيئة التمييزية واخبره بان قرببه رجل منصف يخاف الله ويرفض ان يأخذ حق غيره ، ويطلب – فقط - قراءة الدعوى ، والحكم بالحق والقانون ، ولو كان ضده ، فوعده القاضي المختص بانه سوف يأخذه الدعوى معه لبيته - لانها متورمة - ليتفرغ لقراءاتها ليلا في المنزل .
اما المصيبة الكبرى فهو انعدام ثقة القضاة - هم انفسهم - بنظام العدالة الذي يطبقونه على الناس ، فقد اوقفت القوات الامنية شقيق احد قضاة محكمة الجنايات في محافظة ساخنة بتهمة الارهاب ، فلم يكن من القاضي الشقيق الا ان ذهب الى زميله( قاضي التحقيق ) المختص بالنظر في قضية اخيه ، لا لكي يتوسط لاطلاق سراحه ، بل ليطلب منه تطبيق القانون على شقيقه المتهم ولا يريد اكثر من ذلك .
القاضي الشقيق يعرف تماما بان القانون لا يطبق على الناس ، وانه لابد ان يتوسط ليطبق القانون لضمان عدم ظلم شقيقه في ظل الفوضى الجزائية والامنية التي كانت ولا زالت تحكم – بالحديد والنار - بعض مناطق العراق وفق المادتين ( 4 ارهاب للرجال ) و ( 4 بغاء للنساء ) .
اذن اضحى الناس يعتقدون بان دعواهم لن يحكم بها بالحق الا اذا توسطوا ، او ضغطوا ، او دفعوا ، او ... الخ .
هذا هو حال من لا يملك ( نفوذا اوتأثيرا او حماية او قوة ) يستطيع من خلالها الضغط على القضاء لنيل ما يريد ، فهذا لا يحتاج لان يتوسط لقراءة دعواه او يتوسط ليتوسل القاضي ان يحكم بالحق ، او يطلب منه تطبيق القانون عليه  ، لان الامر سيكون مثلما يريد النافذ او صاحب السلطة والقوة دون قراءة ولا قانون ولا حق ، وهناك عشرات الامثلة على دعاوى ارهاب وفساد مفضوحة لكل العراقيين فصل فيها في دقائق قليلة دون ان يرجف ( شارب ) رئيس الادعاء العام ( حامي القانون والاموال العامة ) .
اذن ايها العراقيون لن تقرأ شكاواكم ودعاواكم ومظالمكم الا اذا كان لديكم فيتامين ( واو ) ، كما ان عليكم ان تتوسطوا للحكم لكم بالحق ، وان تتوسطوا لتطبيق القانون عليكم ، والا فأن الفوضى والاابالية وعدم الاكثرات والاهمال والمزاجية هو ما سوف تنالوه من قضاء انهكه القهر والطغيان والظلم ونخرته الامية  وانعدمت فيه الشفافية ، والتبس فيه الحق بالباطل  ، وانعدامت فيه المساءلة الا للقضاة الجيدين والشرفاء عندما يخرجوا عن بيت الطاعة  .
هذا هو مستوى الثقة بالقضاء العراقي اليوم ، فما هي اسباب تراجع ثقة الناس – بضمنهم القضاة انفسهم – في القضاء  ؟؟؟؟؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق