الاثنين، 2 فبراير 2015

مقارنة مختلة بين الدستور العراقي والدستور المصري الجديد
الحلقة الثانية :- حرية الصحافة والاعلام والطباعة
                                                                                                               القاضي
                                                                                                               رحيم حسن العكيلي
اكتفى المشرع العراقي ( بفقرة واحدة  في مادة واحدة ) في الاشارة الى حرية الصحافة والاعلام والطباعة بقوله فــــــــــي المادة ( 38 ) :- ( تكفل الدولة ، بما لايخل بالنظام العام والاداب :- اولا :- حرية التعبير عن الــــرأي بكل الوسائل . ثانيا :- حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر . ثالثا ...  . وتنظم بقانون . ) .
اما الدستور المصري الجديد فأنه عالج ذلك في مادتين بطريقة اكثر تفصيلا مع الاخذ بضمانات هامة جدا لها ، اضافة الى افراد حق الاطلاع على المعلومات بمادة ثالثة  .
فنصت المادة ( 48 ) منه :- ( حرية الصحافة والطباعة وسائر وسائل الاعلام مكفولة ، وتؤدي رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والاسهام في تكوينه وتوجيهه ، في اطار المقومات الاساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة ، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الامن القومي ، ويحظر وقفها او غلقها او مصادرتها الا بحكم قضائي . والرقابة على ما تنشره وسائل الاعلام محظورة ، ويجوز استثناءا ان تفرض عليها رقابة محددة في زمن الحرب او التعبئة العامة . )
وافرد ( اصدار الصحف وتملكها )  في  مادة مستقلة هي المادة ( 49 ) التي نصت  :- ( حرية اصدار الصحف وتملكها ، بجميع انواعها ، مكفولة ، بمجرد الاخطار لكل شخص مصري طبيعي او اعتباري . وينظم القانون انشاء محطات البث الاذاعي والتلفزيوني ووسائط الاعلام الرقمي وغيرها ).
وسنحاول تلمس الفرق بين الدستورين في معالجة ( حريات الصحافة والاعلام والطباعة ) فيما يأتي :-
1-      ان الدستور العراقي ذكر تلك الحريات باختصار مخل ، في ست كلمات فقط ، بطريقة اسقاط الفرض ، فنص على حرية الصحافة والطباعة والاعلام باسمائها ، ولاشئ غير ذلك ، دون ان يضع لها اية ضمانات ، في حين ذكرها الدستور المصري بطريقة اكثر تفصيلا واكثر اهتماما ، ووضع لها ضمانات هامة .
2-      قيد الدستور العراقي حرية الصحافة والاعلام والطباعة بقيدين هما ( النظام العام والاداب ) وهما قيدان فضفاضان واسعان ، لم يستطيع احد  - لحد الان - من وضع مفهوم محدد لهما ، مما يعرض تلك الحريات الهامة لخطر مصادرتها باسم النظام العام والاداب ، اما الدستور المصري فانه وضع – هو الاخر - قيودا على تلك الحريات هي :- ان تؤدي رسالتها :- 1- في اطار المقومات الاساسية للدولة والمجتمع .  2- وفي اطار الحفاظ على الحريات والواجبات العامة . 3- وفي اطار احترام الحياة الخاصة للمواطنين . 4- وفي اطار مقتضيات الامن القومي .  ويبدو واضحا ان الدستورين وضعا قيودا فضفاضة على تلك الحريات ، لكن الدستور المصري كان اكثر وضوحا وتفصيلا لتلك القيود مما يخفف من وطئتها ، ويجعلها تحدي اقل حدة وخطورة على تلك الحريات ، من القيدين الفضفاضين العائمين اللذين تبناهما الدستور العراقي .
3-      ورغم ان الدستور المصري وضع قيودا على حرية الصحافة والاعلام والطباعة لكنه ضمنها - من استعمال تلك القيود ضدها من السلطة التشريعية او التنفيذية او غيرها من مؤسسات الدولة - عن طريق منع وقفها او غلقها او مصادرتها الا بحكم قضائي . في حين لم يكلف المشرع الدستوري العراقي نفسه وضع اية ضمانة لحماية تلك الحريات البالغة الاهمية فتركها عرضة لاستعمال القيدين الفضفاضين ( النظام العام والاداب ) ضدها ، من اي سلطة او مؤسسة عامة عسكرية او مدنية  .
4-      ولم يكتف الدستور المصري بضمانة ( منع وقف او غلق او مصادرة وسائل الاعلام والصحافة والطباعة  الا عن طريق حكم قضائي ) ولكنه اضاف ضمانة اخرى بالغة الاهمية هي ( منعه الرقابة على ما تنشره وسائل الاعلام )، فذلك محظور على الجميع ، فليس للحكومة ولا للسلطة التشريعية ولا لرئيس الجمهورية ولا للقضاء ولا لاي مؤسسة عامة ولا للجماعات المختلفة سواء اكانت دينية اوعرقية او سياسية .. الخ ان تضع رقابة على ما تنشره وسائل الاعلام والصحافة مطلقا . ولم ينص الدستور العراقي على مثل ذلك ، فترك حرية النشر والطباعة والاعلام في مهب الريح ولامزحة الكتل السياسية في مجلس النواب ، التي لا يستبعد ان تجيز وضع رقابات على ما ينشر ، او تترك هذا الامر سائبا ، فتستغله السلطة التنفيذية فتضع رقابات على النشر .
5-      ورغم ان المشرع الدستوري العراقي – لا خلف الله عليه – لم يضع اية ضمانة لحريات الصحافة والاعلام والنشر ، وقيدها بقيدين فضفاضين ، ولكنه لم يكتف بذلك ، فاصر على النص بوجوب تنظيمها بقانون ، وهذا ( اي القانون المنظم ) لا يستبعد ان ينقلب الى ( قانون مقيد ) فيضع قيودا كثيرة على تلك الحريات فيفرغها من محتواها ، ما دام الدستور تركها كحريات سائبة بلا ضمانات دستورية  . اما الدستور المصري فكان اكثر توفيقا فلم ينص على ان تنظم تلك الحريات بقانون ، لكنه نص على تنظيم ( انشاء ) محطات البث الاذاعي والتلفزيوني ووسائط الاعلام الرقمي وغيرها بقانون ، فهو يريد تنظيم ( انشائها ) فقط  ، وقت الانشاء ، ولكنه لم ينص على ان ينظم غير ( الانشاء ) بقانون ، اي ان القانون الذي يدعو اليه الدستور المصري هو قانون ينظم ( انشاء ) محطات البث ووسائط الاعلام الرقمي ، ولا شأن له بغير تنظيم ( الانشاء ) ، فلا يضع رقابات على ما تنشره او تذيعه تلك الوسائل الاعلامية ولا حق له في التدخل في شؤونها  ولا علاقة له بما بعد الانشاء مطلقا . وتلك واحدة من مظاهر الدقة البالغة في صياغة الدستور المصري ، بخلاف الصياغات الركيكة والمتهالكة للدستور العراقي .
6-      ولم يقف تميز ورجاحة الدستور المصري على دستورنا العراقي عند هذا الحد بل تعداه الى ان الدستور المصري نص على ضمانتين هامتين اخريين هما وصفه لوسائل الاعلام والصحافة والطباعة بانها ( حرة ومستقلة ) فهي تؤدي رسالتها ( بحرية ثم باستقلال ) ، ولا يخفى كم هو رائع ومهم اضفاء وصف الاستقلال على وسائل الاعلام والصحافة والطباعة  ، والتي لم يلتفت اليها الدستور العراقي مطلقا  .
7-      لم يكلف الدستور العراقي نفسه التعرض لحق او حرية اصدار الصحف او تملكها ، فاهمل الموضوع بالكامل ، فترك الامر سائبا في مهب الريح ، و خاضعا لاجتهاد السادة المشرعين ، ولارادات الكتل السياسية ، اما الدستور المصري فأنه – فيما يبدو - يدرك جيدا اهمية اصدار الصحف لبناء دولة القانون والمؤسسات - لذا عالجها  وافرد لها مادة مستقلة ، ونظمها بطريقة رائعة ، فاطلق الحق في اصدار الصحف وتملكها ، بكل انواعها ، ولم يكتف بذلك بل قال ان اصدار الصحف وتملكها للمصريين لا يتطلب اذن من احد نهائيا ، بل ان للمصري – سواء كان شخص طبيعي او شخص اعتباري كمنظمات المجتمع المدني والشركات – ان يصدر صحفا او يتملك الصحف ، بمجرد اخطار او اشعار الجهة الرسمية المختصة ، التي ليس لها على الصحفية سوى تأشيرها في سجلاتها فقط ، ولا حق لها عليها بعد ذلك باي شئ ، فلا رقابة لها عليها ، ولا تستطيع وقفها او غلقها او مصادرتها باي حال من الاحوال ، ولا يستطيع البرلمان ولا اي جهة كانت وضع مثل تلك القيود على اصدار الصحف وتملكها .
8-      وفي النهاية فأن الدستور المصري اسند حريات الصحافة والاعلام والطباعة باهم مقوم ومقوي لها هو ( حرية الاطلاع على المعلومات ) الذي نص عليه بطريقة محكمة ، وصياغة دقيقة متميزة ، في المادة ( 47 ) منه ([1]) ، آخذا به وفق افضل المعايير والممارسات الدولية ،  اما الدستور العراقي فلم ينص على هذا الحق وتركه لارادة ورأي اخوتنا ممثلي الشعب الذين لم ينتخب الشعب منهم سوى ( 14 ) فقط  ، والذين اصبحوا غير قادرين على التشريع الا بأذن من الحكومة ، ولا اظن ان حكومتنا الحالية ولا الحكومات التي ستليها ستسمح باعطائنا حق الاطلاع على فشلها و فضائحها وفسادها ، لانها حكومات طوائف ومؤامرات وهذه لا تؤمن عادة لا بالشفافية ولا بالمكاشفة ولا بالمشاركة السياسية للمواطنين في صنع القرار السياسي وبالتالي فليس له شأن ولا حق في الاطلاع على اوراق ووثائق ومستندات الحكومة .
هنيئا لكم ايها المصريون مواضع التميز والرقي في دستوركم الجديد ، الذي لا اشك في انكم قادرون على اصلاح العيوب فيه ليكون منارا تهتدي به كل بلدان الشرق الاوسط ، واني اغبطكم فانتم دائما تسبقوننا في كل مواضع العلم والخير لانكم شعب طيب وشجاع ، وتعسا وخزي لكل من يريد الرجوع بالعراقيين الى عهود تقييد الحريات وانتهاكات حقوق الانسان والاعتداء على حريات الصحافة والاعلام والطباعة .

                                                                                                القاضي
                                                                                         رحيم حسن العكيلي
                                                                                           9 / 1 / 2013



[1] - نصت المادة ( 47 ) من الدستور المصري الجديد:- ( الحصول على المعلومات والبيانات والاحصاءات والارقام والوثائق والافصاح عنها وتداولها حق تكفله الدولة لكل مواطن ، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة ، وحقوق الاخرين ، ولا يتعارض مع الامن القومي . وينظم القانون قواعد ايداع الوثائق العامة وحفظها ، وطريقة الحصول المعلومات ، والتظلم من رفض اعطائها ، وما قد يترتب على هذا الرفض مـــن مساءلة . )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق