الاثنين، 2 فبراير 2015

واقع القضاء وافاق اصلاحه (  1 )
انعدام الشفافية في القضاء ظلم ، تآمر ، امية ، او فساد
                                                                                                                 القاضي
                                                                                                                 رحيم حسن العكيلي
ينظر الكثير من القضاة في العراق بتوجس وشك وريبة الى منح المتهم او محاميه صورة من الاوراق التحقيقية الخاصة به ، رغم انه حق بديهي له ، واحد اركان محاكمة عادلة .. فلماذا يتعمد القضاة السرية والتعتيم ومنع الخصوم من اخذ نسخ من الدعاوى والاجراءات والادلة ؟
حصل ان قدم ضابط تحقيق مطالعة لقاضي تحقيق الارهاب  بان مخبرا سريا يدعي بان  مئات الاشخاص ارهابيون ، وارفق قائمة بهم وبما يفعلون ، فاصدر القاضي امر بالقبض ضد الاشخاص الواردة اسمائهم في القئمة المرفقة التي تبدا بـ ( فلان الفلاني ) وتنتهي بـ ( فلان الفلاني ) وفق المادة ( 4 ارهاب ) ، رغم ان المخبر يدعي بان تهمة اخرهم كانت انه ( كلب ابن  كلب ) ... ولا شك ان ( الكلب ابن الكلب ) اربعة ارهاب من الدرجة الاولى حالما يعتقل ويتم ادخال عصا في مؤخرته !!!
وفي قضية اخرى يعترف متهم – تحت التعذيب - بانه قتل اثنين من اقاربه ، لكن اقاربه ياتون لاحقا احياء ، الا ان قاضي التحقيق يحيل المتهم موقوفا الى محكمة الجنايات ، فيساله زميله العضو في محكمة الجنايات لماذا لم تفرج عن هذا المسكين وهو منذ ستة اشهر بالتوقيف ، فرد القاضي بانه يخشى ان يساءل اذا افرج عنه ، وفضل ابقاءه موقوفا واحالته للجنايات لتتولى هي الافراج عنه لانه لا يتحمل مسؤوليته .
تلك الواقعتين تعطي صورة عن اسباب انعدام شفافية القضاء ، فهل يتصور بان قاض متورط بمثل تلك الكوارث ان يزود المتهم بصور من الاوراق التحقيقية ؟؟
وهل يسمح قاضي متورط بمؤامرة  مفبركة ضد متهم  بتزويده او محاميه بنسخ منها ؟ وهل يتصور من قاضي اخذ رشوة وانحرف بالحق لمصلحة الراشي ان يسمح بفضح امره ؟ وهل يمكن لقاضي لا يعرف بديهيات القانون ان يطلع الاخرين على مقدار جهله واميته ؟
لقد بالغ الكثير من قضاء التحقيق في العراق في السنوات الاخيرة في تبني السرية في اجراءات التحقيق الى حد انعدمت الشفافية فيه بشكل كامل  ، حتى اضحى العراق هو البلد الوحيد الذي يخفي عن المتهم اجراءات التحقيق ويمنعه من الوصول للادلة التي ترتب ضده ، وذلك نابع عن الوهم عند الكثير من القضاة بامكانية منع المتهم من الاطلاع على اجراءات وسير التحقيق .
وغالبا ما يرفض قضاة التحقيق ومحاكم الجنايات والجنح منح صور من الاوراق التحقيقية لاطراف القضية بضمنهم المتهم ، وهو امر يمارس فيه بعض القضاة مزاجية عالية وتعالي وتحكم غير مبرر وجهل مطبق بابسط مبادئ القانون وبالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة ، اذ لا حق لهم مطلقا في رفض منح صور من الاوراق التحقيقية  للمتهم ، لان بديهيات حق الدفاع المقدس تفرض منح صور من الادلة الجرمية  له ولمحاميه من اجل تمكينهما من اعداد دفاعه عن نفسه ، والا اختلت واحدة من اهم معايير المحاكمة العادلة .
ان من اهم معايير سلامة وعدالة المؤسسات القضائية في العالم هو مقدار الشفافية فيها ، خصوصا شفافية الاجراءات  الجزائية ، الا ان القضاء العراقي فقد شفافيته الجزائية  بالكامل  ، ويقف خلف ذلك اربعة اسباب رئيسية هي :-
1-      التآمر :- اذ مارس بعض القضاء ادارة ملفات جزائية مفبركة لتصفية الخصوم لمصلحة جهات سياسية ، او لاغراض شخصية ، او استجابة لاوامر الادارة القضائية العليا ، والتي تعقبها محاكمات سرية زائفة لاصدر احكام ليس فيها من القانون الا صدورها باسم الشعب زيفا وافتراءا . لذلك يرفض القضاة اعطاء صور من تلك الدعاوى لانها ليست دعاوى بل مؤمرات .. والمؤمرات لا تعطى نسخ منها .
2-      الظلم :- فحينما ينحرف القضاء ويصبح اداة ظلم وقهر ، فانه سيتجه الى التعتيم ومنع الاطلاع ، لابقاء قراراته واجراءاته الظالمة طي السرية .
3-      الفساد :- لان الفساد يضطر القاضي الفساد الى حرف القانون لمصلحة الجهة التي يبغي خدمتها ، فيحرص – بالتالي - الى اخفاء انحرافه بالقانون لمصلحتها ، فيمنع اعطاء صورة من الاوراق التحقيقية لمنع انكشاف فساده وانحرافه .
4-      الامية :- فجهل بعض القضاة وعدم معرفتهم بابسط احكام ومبادئ القانون يجعلهم مرعوبين من كشف الاخطاء والكوارث القانونية التي يرتكبونها , مما يجعل حريصين على منع خروج اوراقهم الى العلن .
ولذلك اسباب اخرى غير تلك الاسباب الرئيسية الاربعة ، الا ان الامر اصبح ظاهرة لا يمكن السكوت عنها ، بعد ان انتشر التحكم والمزاجية والتعالي والامية والجهل والفساد والمظالم في اروقة القضاء والمحاكم بسبب سياسة ادارة قضائية ظلمت القضاة واهملتهم وافقدتهم هيبتهم وصادرت استقلالهم و حريتهم في التعبير والرأي وحولتهم الى ادوات لحسم عشوائى مستعجل لمنازعات الناس ، حتى تحول القضاء من اداة للعدل الى اداة للظلم ومن حامي للحريات الى معتد عليها .

ان فرض الشفافية الكاملة في المؤسسة القضائية واطلاق حريات التعبير والرأي للقضاة ومنحهم استقلالهم الكامل خصوصا عن الادارة القضائية العليا وقطع يدها من التدخل في شؤون حسمهم للمنازعات التي ينظرونها ، تعد واحدة من اهم متطلبات اصلاح القضاء العراقي الذي يمر باكبر نكبة تعرض اليها منذ فجر البشرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق