الاثنين، 2 فبراير 2015

توزيع الاختصاصات
بين السطات الاتحادية والاقاليم والمحافظات واصول ممارستها
                                                                              القاضي
                                                                               رحيم حسن العكيلي
عالج الدستور موضوع توزيع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية والقضائية على طبقات الحكم الثنائية التي اعتمدها في عدة مواد منه ، في موقف فريد من نوعه بين دول العالم الفدرالية من حيث زيادة مساحة الاختصاص المتلازم والتي يسود فيها القانون الاقليمي على جميع مجالات الاختصاص المتلازم ([1]).
وقد قسم الدستور العراقي الدائم لعام 2005 الاختصاصات الى اختصاصات حصرية واختصاصات مشتركة مع السلطات الاتحادية واختصاصات مشتركة مع الحكومة ، واختصاصات الاقاليم والمحافظات وهي الاختصاصات المتلازمة التي يمكن للطرفين القيام بها الا ان كفة الاقليم والمحافظات بشأنها راجحة .
وسوف نتناول الموضوع في مبحثين وفق الاتي :-
المبحث الاول :- توزيع الاختصاصات بين السلطات الاتحادية والاقاليم والمحافظات .
المبحث الثاني :- احكام ممارسات الاختصاصات .








المبحث الاول
توزيع لاختصاصات
بين السلطات الاتحادية والاقاليم والمحافظات
نقسم هذا المبحث الى اربعة مطالب وفق الاتي :-
المطلب الاول :- الاختصاصات الحصرية .
المطلب الثاني :- الاختصاصات المشتركة مع السلطات الاتحادية .
المطلب الثالث :- الاختصاصات المشتركة مع الحكومة الاتحادية .
المطلب الرابع :- اختصاصات الاقاليم والمحافظات .
المطلب الاول
الاختصاصات الحصرية
تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية المنصوص عليها في المادة ( 110 ) من الدستور , وهي  :-
اولا :- رسم السياسة الخاجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، وسياسة الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسية الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية .
ثانيا :- وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها ، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق والدفاع عنه .
ثالثا :- رسم السياسة المالية ، والكمركية ، واصدار العملة ، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقليم والمحافظات في العراق ، ووضع الميزانية العامة للدولة ، ورسم السياسة النقدية ، وانشاء بنك مركزي وادارته .
رابعا :- تنظيم امور المقاييس والمكاييل والاوزران .
خامسا :- تنظيم امور الجنسية ، والتجنس ، والاقامة ، وحق الجوء السياسي .
سادسا :- تنظيم سياسة التردادات البثية والبريد .
سابعا :- وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية  .
ثامنا :- تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياة وتوزيعها العادل داخل العراق وفقا لللقوانين والاعراف الدولية .
تاسعا :- الاحصاء والتعداد العام للسكان .
ومن تحليل تلك الاختصاصات يظهر انها عشرين اختصاصا وفق الاتي :-
1-   رسم السياسة الخارجية .
2-   التمثيل الدبلوماسي .
3-   التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها .
4-   رسم السياسة الاقتصادية
5-   رسم السياسة التجارية الخارجية السيادية .
6-   وضع سياسة الامن الوطني .
7-   تنفيذ سياسة الامن الوطني ، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتأمين وضمان امن حدود العراق والدفاع عنه .
8-   رسم السياسة المالية .
9-   رسم الساسة الكمركية .
10-                       اصدار العملة .
11-                       تنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق .
12-                       وضع الميزانية العامة للدولة .
13-                       رسم السياسة النقدية .
14-                       انشاء البنك المركزي وادارته .
15-                       تنظيم امور المقايييس والمكاييل والاوزران .
16-                       تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي .
17-                       تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد .
18-                       تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياة من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياة وفقا للقوانين والاعراف الدوليــــــة . .
19-                       توزيع المياة الدولية داخل العراق .
20-                       الاحصاء والتعداد العام للسكان .
وحكم هذه الاختصاصات هو انها من اختصاص السلطات الاتحادية حصرا ، تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا ، ولا يجوز لسلطات الاقاليم ولا المحافظات غير المنتظمة في اقليم اصدار تشريعات تدخل في تنظيم تلك الاختصاصات ، ولا يحق لها التدخل او القيام باجراءات تنفيذها ، ولا يحق لغير القضاء الاتحادي الفصل في المنازعات المتعلقة بها .
فتلك الاختصاصات مودعة طبقا للدستور كمهام حصرية اصلية للسلطات الاتحادية ، ويقصد بالسلطات الاتحادية السلطات التقليدية الثلاث والهيئات الاتحادية المستقلة طبقا للباب الثالث من الدستور المعنون ( السلطات الاتحادية ) الذي قسم لاربعة فصول عالج فيها السلطات التقليدية الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) في ثلاث فصول وفي الفصل الرابع عالج الهيئات المستقلة ، فيكون موقف الدستور واضحا من عد الهيئات المستقلة احد السلطات الاتحادية لانه عالجها بفصل مستقل في باب معنون بالسلطات الاتحادية ، كما ن موقفه واضحا من عدها خارج اطار السلطات الثلاث لمعالجتها في فصل مستقل عن فصول السلطات الثلاث .
فالاختصاصات العشرين الحصرية المذكورة هي من مهام السلطات التقليدية الثلاث والهيئات المستقلة ، ومن الخطأ الظن بانها من اختصاصات مجلس الوزراء لان الدستور حدد مهام مجلس الوزراء بالمادة ( 80 ) من في الامور الاتية :-
1-   تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة .
2-   الاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة .
3-   اقتراح مشروعات القوانين .
4-   اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين .
5-   اعداد مشروع الموازنة العامة
6-   اعداد الحساب الختامي .
7-   اعداد خطط التنمية .الا ان اعداد تلك الخطط يتوجب ان يكون مقيدا باعدادها وفقا لسياسات التنمية والتخطيط العام الذي يوضع بالاشتراك بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم طبقا لنص المادة ( 114 / رابعا ) . فاختصاص مجلس الوزراء في اعداد خطط التنمية مقيد بسياسات التنمية التي توضع بالتنسيق والتشاور مع سلطات الاقاليم .
8-   التوصية الى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة ورئيس اركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ورئيس جهاز المخابرات الوطني ورؤساء الاجهزة الامنية .
9-   التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها او من يخوله .
فمجلس الوزراء مختص بالمهام التسعة اعلاه ، التي يشكل بعضها الجانب التنفيذي من بعض الاختصاصات الاتحادية الحصرية العشرين ، وليس له التدخل في المهام الاخرى غير المذكورة في مهامه التسعة الا بقانون .
 ويختص مجلس النواب بتشريع القوانين في الاختصاصات الحصرية العشرين جميعا ، ويختص القضاء الاتحادية بالفصل في جميع المنازعات التي تدخل في تلك الاختصاصات الحصرية ولا يجوز لقضاء او محاكم الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقاليم النظر فيها ، وتوزع القوانين العادية خصوصا القوانين المكملة للدستور باقي الاختصاصات على السلطة التنفيذية والهيئات المستقلة ، فيودع قانون البنك المركزي مثلا اختصاصات اصدار العملة ورسم السياسة النقدية للبنك المركزي ، والاحصاء وتعداد السكان لوزارة التخطيط ، والجنسية والتجنس لوزارة الداخلية ... الخ . 
واضافت المادة ( 113 ) من الدستور اختصاصا حصريا اخر للسلطات الاتحادية هو الاثار والمواقع الاثرية والبنى التراثية والمخطوطات والمسكوكات :- اذ تنص المادة ( 113 ) من الدستور :- ( تعد الاثار والمواقع الاثرية والبنى التراثية والمخطوطات والمسكوكات من الثروات الوطنية التي هي من اختصاص السلطات الاتحادية وتدار بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات وينظم ذلك بقانون . ) .
فالاختصاص هنا حصري في الاصل للسلطات الاتحادية ، الا انه ( يدار ) بالتعاون ، ويقصد بالادارة هو الجانب التنفيذي فقط دون الجانب التشريعي ولا الجانب القضائي ، وبالتالي فأن التشريع يكون اختصاصا حصريا لمجلس النواب ، وكذلك الفصل في المنازعات يكون من اختصاص القضاء الاتحادي حصرا ، ولا يحق للاقاليم والمحافظات التشريع في هذا الاختصاص ولا لقضائهم الفصل في منازعاته ، الا انهم يشتركون مع السلطة التنفيذية في ادارة هذا الاختصاص اي في جانبه التنفيذي فقط .
المطلب الثاني
اختصاصات مشتركة مع السلطات الاتحادية
نص  الدستور في المادة ( 114 ) على اختصاصات مشتركة بين ( السلطات الاتحادية ) و ( سلطات الاقاليم ) وهي غاية في الاهمية والخطورة   :-
1-   ادارة الكمارك ( بالتنسيق )  مع حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وينظم ذلك بقانون .
2-   تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسية وتوزيعها .
3-   رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث والمحافظة على نظافتها ( بالتعاون ) مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .
4-   رسم سياسة التنمية والتخطيط العام .
5-   رسم السياسة الصحية العامة ( بالتعاون ) مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .
6-   رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة ( بالتشاور ) مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .
7-   رسم سياسة الموارد المائية الداخلية وتنظيمها بما يضمن توزيعا عادلا لها وينظم ذلك بقانون . وهذا االاختصاص الحصري يتعلق بالموارد المائية الداخلية كالمياة الجوفية والانهار الداخلية والعيون ، اما المياة الخارجية الدولية كنهري دجلة والفرات فانها اختصاص حصري للسلطات الاتحادية طبقا لنص المادة ( 111 / ثامنا ) .
تلك الاختصاصات السبعة هي اختصاصات مشتركة ، اربعة منها مشتركة بين السطات الاتحادية من جهة وبين سلطات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم وهي :- 1- ادارة الكمارك ويكون الاشتراك ( بالتنسيق ) . 2- رسم الساسية البيئية ونوع الاشتراك ( تعاون ) . رسم السياسة الصحية ونوع الاشتراك ( تعاون ) . 4- رسم السياسة التعليمية ونوع الاشتراك ( تشاور ) .
اما الاختصاصات المشركة الثلاث فانها محصورة بين السلطات الاتحادية والاقاليم فقط وهي :- تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسية وتوزيعها . 2- رسم سياسة التنمية والتخطيط العام . 3- رسم سياسة الموراد المائية الداخلية وتنظيمها بما يضمن التوزيع العادل . 
المطلب الثالث
اختصاصات مشتركة مع الحكومة الاتحادية
نص الدستور على اختصاصات مشتركة بين ( الحكومة الاتحادية ) من جهة و( الاقاليم والمحافظات ) من جهة اخرى . وهي :-
1-   ادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية :- اذ نصت الفقرة اولا من المادة ( 112 ) من الدستور :- ( تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد مع تحديد حصة لمدة محددة للاقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون . ) .
فهذا النص في الحقيقية يحدد اختصاصات مشتركا بين ( الحكومة الاتحادية ) وبين ( حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة ) ويأطره او يقيده بما يأتي :-
أ‌-      انه محصور بالادارة ( الادارة فقط ) .
ب‌-   ينحصر في ادارة النفط والغاز ، فلا يشمل غيرهما مطلقا .
ج- ان يكون النفط والغاز مستخرجا فلا تشمل الادارة استخراج النفط والغاز ، بل تظهر الادرة المشتركة على النفط والغاز بعد استخراجه  .
د- ان يستخرج من الحقول الحالية ، وبالتالي فالاختصاص المشترك هذا لا يشمل الحقول المستقبلية مطلقا .
2-   رسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثرورة النفط والغاز :- اذ نصت الفقرة ( ثانيا ) من ( 112 ) من الدستور :- ( تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار .) .
وهذا اختصاص مشترك اخر بين ( الحكومة الاتحادية ) من جهة وبين ( حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة ) ، وهو اختصاص منحصر ( برسم السياسة الاستراتيجية ) فقط .
3-   ادارة الاثار والمواقع الاثرية والبنى التراثية والمخطوطات والمسكوكات :- طبقا لنص المادة ( 113 ) من الدستور المشار اليها ، وينحصر الاشتراك هنا في الادارة فقط دون غيرها .
المطلب الرابع
اختصاصات الاقاليم والمحافظات
تختص الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في كل ما عدا ما جاء به نص خاص ، سواء في الاختصاصات الاتحادية الحصرية ، او الاختصاصات المشتركة مع السلطات الاتحادية ، و الاختصاصات المشتركة مع الحكومة الاتحادية ، طبقا لنص المادة ( 115 ) من الدستور التي نصت :- ( كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من اختصاص الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، والصلاحيات لاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما . )
فتكون اغلب الاختصاصات واقعة ضمن صلاحيات السلطات المختصة في الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، لان اختصاصاتها غير محصورة بينما حصرت اختصاصات السلطات الاتحادية .
الا ان اختصاص الاقاليم والمحافظات هو اختصاص متلازم ، ويقصد به امكانية ممارسة الاختصاص من السلطات الاتحادية ، فكون الاختصاص لسلطات الاقاليم والمحافظات لا يمنع السلطات الاتحادية من ممارسته ، لكن اعمال وقوانين سلطات الاقاليم والمحافظات تكون هي الراحجة في حالة التعارض .
وتثور مسألة وجوب التوسع ام وجوب التضييق في تفسير النصوص التي حددت اختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ، فالاصل عدم التوسع في تفسير تلك الاختصاصات ، وحصرها في اضيق نطاق نص عليه الدستور ، الا ان امكانية الاخذ بالتوسع في تفسير الاختصاصات الحصرية لللسلطات الاتحادية امر مقبول ووارد ، ولا يتعارض مع الدستور ، ولا مع مبادئ النظام الفدرالي ، وهذا ما وقع في الولايات المتحدة اذ تم التوسع في تفسر السلطات الحصرية للسلطات الاتحادية مما منحها فرصة ممارسة اختصاصات اضافية لا يسمح بها التفسير الضيق للنصوص التي تحدد اختصاصاتها ([2]).
ورغم ان الدستور اطلق بنص عام اختصاصات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم الا انه ذكر بنصوص خاصة بعض تلك الاختصاصات والصلاحيات واهمها صلاحية اتخاذ لغة رسمية ، حيث نصت المادة ( 4 / خامسا ) من الدستور بان لكل اقليم او محافظة اتخاذ اية لغة محلية اخرى لغة رسمية اضافية اذا اقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام .
المبحث الثاني
احكام ممارسات الاختصاص
نقسم هذا المبحث الى ثلاثة مطالب وفق الاتي :-
المطلب الاول :- المبادئ العامة في ممارسة الاختصاصاصات الدستورية .
المطلب الثاني :- استقلال سلطات الاقاليم والمحافظات .
المطلب الثالث :-  شراكة الاقاليم والمحافظات في الاختصاصات الحصرية .

المطلب الاول
المبادئ العامة في ممارسة الاختصاصات الدستورية
وعموما فأن المبادئ التي تحكم توزيع الاختصاص بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم والمحافظات هـــــــــــــي ما يأتي :-
1-   يلقى عبء القيام بالاختصاصات الحصرية ( العشرين + 1 ) على السلطات الاتحادية ، ويفترض ان يقاس نجاحها او فشلها في ضوء تحقيقها للغايات التي تقف خلف تلك المهام   .
2-   الاختصاص الحصري للسلطات الاتحادية اختصاص مانع ، ويقصد بالاختصاص المانع هو انه يمنع غيرها من العمل او التدخل او اتخاذ القرار في تلك الاختصاصات باي حال من الاحوال ، فأذا شرع برلمان اقليم ما داخل العراق - كاقليم كوردستان - في امر اختصاص حصري - كتنظيم الجنسية والتجنس مثلا - كان تشريعه باطلا لمخالفته للدستور طبقا لنص المادة ( 13 ) من الدستور ([3]) .
3-   تتعاون او تتشاور او تنسق السلطات الاتحادية مع الاقاليم والمحافظات او مع الاقاليم فقط في شؤون الاختصاصات المشتركة . والا عدت قراراتها واجراءاتها ونتائج اعمالها مخالفة للدستور .
4-   تتعاون او تنسق الحكومة الاتحادية مع الاقاليم والمحافظات ( غير المنتظمة في اقليم او المنتجة ) في الاختصاصات التنفيذية المشتركة ، كادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية وادارة الاثار ورسم السياسية الاستراتيجية للنفط والغاز . ولا حق لها في الانفراد باتخاذ قرار او اتخاذ اجراءات او قرارات بطريقة منفردة دون التعاون والتنسيق والتعاون واتخاذ قرارات واجراءات متفق عليها من الجهتين . وقد يكون التنسيق والتعاون جماعيا اي بين الحكومة الاتحادية وكل الاقاليم والمحافظات مجتمعة معا ، ويصح ان يكون بين الحكومة الاتحادية والاقاليم او المحافظة المعنية فقط ، حسب مقتضى الحال .
5-   حصرية اختصاصات السلطات الاتحادية لا يمنعها من التدخل او ممارسة اختصاصات لا تدخل في الاختصاصات الحصرية او المشتركة ، فلها العمل في اختصاصات لا ينص الدستور على صلاحياتها فيها ، فلمجلس النواب التشريع فيما هو خارج الاختصاصات الحصرية كقانون الاحوال الشخصية وقانون العقوبات مثلا ، ولا يعد عمله باطلا رغم انه يعمل خارج اختصاصه ، الا ان العكس لا يصح فلا يجوز للاقاليم والمحافظات العمل او التدخل في الاختصاصات الاتحادية الحصرية ، فيكون الاختصاص الاتحادي الحصري محمي من تدخل او عمل غير السلطات الاتحادية فيه ، بينما فان اختصاصات السلطات المحلية غير محمي بمنع السلطات الاتحادية من العمل او التدخل فيه .
6-   للاقاليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في داخل الاقليم في حالة وجود تناقض لو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقاليم بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية طبقا لنص المادة ( 121 / ثانيا ) من الدستور  . الا ان تلك الصلاحية للاقاليم فقط وليس للمحافظات صلاحية مثلها .
7-   تكون الاولوية لقوانين الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف في شأن الاختصاصات المشتركة ( مع الحكومة الاتحادية ) طبقا لعجز المادة ( 115 ) من الدستور ، وتنحصر الاختصاصات المشتركة مع الحكومات الاتحادية في ثلاث امور هي :- 1- ادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية .2- رسم السياسة الاستراتيجية لتطوير ثروة النفط والغاز . 3- ادارة الاثار والمواقع الاثرية والبنى التراثية والمخطوطات والمسكوكات وهذا ما نصت عليه المادة ( 2 / سادسا  ) من قانون المحافظات غير المنتظمة باقليم رقم ( 21 ) لسنة 2008 .
8-   ترجح قوانين ( الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ) في حالة تعارضها مع القوانين الاتحادية في شأن لا يدخل في الاختصاصات الحصرية والمشتركة ، على الرغم من عدم وجود نص على ذلك ، اخذا بالقاعدة العامة في رجحان كفة المختص اصلا بالاجراء على كفة غير المختص به به ( صاحب الاختصاص العرضي ) او الاحتياطي .
9-   لا ترجح اجراءات او قوانين السلطات الاتحادية على االاقليم والمحافظات ولا العكس في حالة الاختصاصات المشتركة ، ويعد باطلا كل اجراء لا يقوم على العمل المشترك فيها سواء صدر من السلطات الاتحادية او من سلطات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم . ولا يصح منها الا من اتخذ بالتعاون والتنسيق بين الجهتين المعنيتين بالاشتراك في الاختصاص المقصود .
10-                       لسلطات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ممارسة صلاحياتها واختصاصاتها بحرية كاملة دون تدخل من السلطات الاتحادية ما دامت لا تتعدى على الاختصاصات الاتحادية الحصرية ولا تنفرد بالاختصاصات المشتركة ، وهو ما نصت عليه المادة ( 2 / خامسا ) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 8 لسنة 2008 المعدل .
الا ان القواعد المذكورة في الفقرات 7 و8 و10 عطلت بما ورد في المادة ( 31 / ثانيا ) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم التي نصت :- ( يمارس المحافظ الصلاحيات الاتية :- اولا ... ثانيا :- تنفيذ القرارات التي يتخذها مجلس المحافظة بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين النافذة )
مما يعني ان للمحافظ سلطة عدم تنفيذ قرارات مجلس المحافظة متى ما تعارضت مع قانون اتحادي نافذ ، في حين ان الدستور يعطي الاولوية لقوانين المحافظة في الاختصاصات المشتركة مع الحكومة وفي الاختصاصات غير الحصرية ، وذلك خرق دستور ظاهر لانه يعطل قرارات مجلس المحافظة فيما يتوجب ترجيحها فيها .
اضافة الى انه يمنح المحافظ سلطة استنسابية غير مقبولة لتعطيل قرارات مجلس المحافظة بحجة مخالفتها للدستور او القوانين النافذة ، مما يجعله في موضع القدرة على التلاعب وكسب الوقت او على الاقل على التراخي غير المبرر في تنفيذ قرارات مجلس المحافظة .
المطلب الثاني
استقلال الحكومات المحلية عن السلطات الاتحادية
لم ينص الدستور بشكل صريح على استقلال تام للحكومات المحلية في المحافظات غير المنتظمة في اقليم عن السلطات الاتحادية ، ولكن موقفه كان واضحا جدا من ذلك في ما يستقى من المواقف الاتية :-
1-   عدم الخضوع :- نصت المادة ( 122 / خامسا ) من الدستور :- ( لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة او اشراف اية وزارة او اية جهة غير مرتبطة بوزارة ، وله مالية مستقلة ). فالنص يشير الى الاستقلال الوظيفي او المهني لمجالس المحافظات بـتعبير ( عدم الخضوع ) ، ويشير الى الاستقلال المالي لمجلس المحافظة صراحة .
2-   مبدأ اللامركزية الادارية :- اذ تنص المادة ( 122 / ثانيا ) من الدستور :- ( تمنح المحافظات التي لم تنتظم في اقليم الصلاحيات الادارية والمالية الواسعة بما يمكنها من ادارة شؤونها  وفق مبدأ اللامركزية الادارية . وينظم ذلك بقانون .
3-   حصة عادلة من الايرادات :- نصت المادة ( 121 / ثالثا ) من الدستور :- ( تخصص للاقاليم والمحافظات حصة عادلة من الايردات المحصلة اتحاديا تكفي للقيام باعبائها ومسؤولياتها مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها ونسبة السكان فيها ) . وهذا هو الاستقلال المالي الكامل .
4-   تفويض السلطات :- اذ تنص المادة ( 123 ) من الدستور على جواز تفويض السلطات بين الحكومة الاتحادية والمحافظات بموافقة الطرفين ، على ان ينظم ذلك بقانون . ومعنى المخالفة بان سلطات المحافظات مصونة في مواجهة الحكومة الاتحادية ، وبالتالي فانها مستقلة عنها ، ولا تستطيع الحكومة الاتحادية ممارسة سلطات المحافظات القانونية الا اذا حصلت على تفويض منها  بموافقتها .
5-   توزيع الاختصاصات :- حينما وزع الدستور الاختصاص في المواد ( 110 و112 و113 و114 و115 ) منه فانه رحج اختصاصات الاقليم والمحافظات على السلطات الاتحادية مما يقطع في استقلالها عنها ، بل يقطع في انها ند لها ، ويقفان على ارض واحدة .
6-   حكام منتخبون :- رئيس واعضاء مجالس المحافظات والمحافظون هو اشخاص منتخبون طبقا لنص المادة ( 122 / رابعا ) من الدستور التي نصت :- ( ينظم بقانون انتخاب مجلس المحافظة والمحافظ وصلاحياتهما ) . والاصل ان الحاكم المنتخب او ممثل الشعب لا سلطة عليه الا من ناخبيه او من عينه في منصبه ، لان له شرعية انتخابية شبيه بالشرعية الانتخابية للمسؤول الاتحادي مما يجعل استقلاله امر مفروغ منه .
والاستقلال المستقى من تلك النصوص انما يعني الحرية الكاملة للسلطات المحلية في ممارسة اختصاصاتها وصلاحياتها دون تدخل من السلطات الاتحادية ما دامت لا تتخطى على اختصاصها الحصري ولا تنفرد في الاختصاصات المشتركة .
ولعل ذلك نابع مما ذكرناه من كون الحكومات المحلية في ( المحافظات غير المنتظمة في اقليم ) هي حكومات منتخبة ، وشرعيتها الانتخابية تعادل الشرعية الانتخابية للمسؤولين الاتحاديين ، الا ان ذلك قد لا يستقيم ضمنا مع موقف قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل بالقانون رقم 15 لسنة 2010 والقانون رقم 19 لسنة 2013 في النقاط الاتية :-
1-   رقابة مجلس النواب :- تنص المادة ( 2 / ثالثا ) منه :- ( تخضع المجالس لرقابة مجلس النواب ) ويقصد بالمجالس مجالس المحافظات ومجالس الاقضية والنواحي طبقا لنص المادة ( 1 ) من القانون .
2-   اقالة المحافظ :- نصت المادة ( 7 / ثامنا - 2 ) من القانون :- ( لمجلس النواب اقالة المحافظ بالاغلبية المطلقة بناء على اقتراح رئيس الوزراء لنفس الاسباب المذكور ) . فالنص يمنح رئيس الوزراء سلطة على محافظ منتخب في اقتراح اقالته ، ويمنح مجلس النواب سلطة اقالته ،  رغم انه لم يعينه او ينتخبه ، مما يخل باستقلال السلطات المحلية عن السلطات الاتحادية .
3-   تعيين المحافظ المنتخب :- نصت المادة ( 26 ) من القانون :- ( اولا :- يصدر امر تعيين المحافظ بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخابه وعندها يباشر بعمله ) مما قد يجعل عمل المحافظ وممارسته لاعمال وظيفته متوقفا على المرسوم الجمهوري الذي قد لا يصدر في موعده لاسباب سياسية .

المطلب الثالث
شراكة الاقاليم والمحافظات في الاختصاصات الحصرية
من وجهة نظر نصية دستورية محضة فان الاقليم والمحافظات هي الاوسع اختصاصا والاقوى صلاحيات والاكثر سلطات من الحكومة الاتحادية  ، لانها :-
1-   تنفرد بممارسة الاختصاصات غير الحصرية وهي عدد كبير من الصلاحيات والسلطات لا حصر له .
2-   انها تشارك في ممارسات الاختصاصات المشتركة ، سواء اكانت مشتركة مع السلطات الاتحادية ام مشتركة مع الحكومة الاتحادية .
3-   لقوانينها الاولوية في الاختصاصات المشتركة مع الحكومة الاتحادية .
4-   قوانيها ارجح من القوانين الاتحادية في ما يدخل في اختصاصها .
5-   وفوق كل ذلك فانها تشارك السلطات الاتحادية في ( الاختصاصات الحصرية ) وفقا لما يأتي :-
اولا :- عن طريق ممثليها في مجلس الاتحاد :- اذ تنص المادة ( 65 ) من الدستور :- ( اولا :- يتم انشاء مجلس تشريعي يدعي بـ ( مجلس الاتحاد ) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به بقانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب .) .
ثانيا :- عن طريق ممثليها في هيئة ضمان حقوق الاقاليم والمحافظات :- اذ تنص المادة ( 105 ) من الدستور على ان تؤسس هيئة عامة لضمان حقوق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في المشاركة العادلة في ادارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة والبعثات والزملات الدراسية والوفود والمؤتمرات الاقليمية والدولية وتتكون من ممثلين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وتنظم بقانون . فالمحافظات تفرد في ادارة تلك الشؤون المتعلقة بها داخليا ، لكنها تشارك في ادارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة .
ثالثا :- عن طريق ممثليها في هيئة مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية :- اذ تنص المادة ( 106 ) من الدستور على تأسيس هيئة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية وتتكون من خبراء الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم وممثلين عنها وتضطلع بالمسؤوليات الاتية :-
1-   التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .
2-   التحقق من الاستخدام الامثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها .
3-   ضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الاموال لحكومات الاقاليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم وفقا للنسب المقررة .
رابعا :- عن طريق النواب من المحافظة في مجلس النواب .
خامسا :- عن طريق الوزراء من المحافظة في مجلس الوزراء .
سادسا :- عن طريق مكاتبها في السفارات والبعثات :- اذ تنص المادة ( 121 / رابعا ) من الدستور :- ( تؤسس مكاتب للاقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية .) .
والخلاصة هي :- ان الاقاليم والمحافظات لا تقف سلطاتها عند حدود اختصاصاتها الدستورية والقانونية التي تنفرد بها او تشارك السلطات الاتحادية في اتخاذها او اعتمادها ، بل تتعداه لتشارك مشاركة موثرة وفاعلة في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ، فهي تنفرد بسلطاتها الخاصة ، وتشارك السلطات الاتحادية في اختصاصاتها بطرق مختلفة وفاعلة .

                                                                                   القاضي
                                                                            رحيم حسن العكيلي
                                                                              ايلول / 2013



[1] - رونالد ل. واتس – الانظمة الفدرالية – منتدى الاتحادات الفدرالية – شبكة دولية للفدرالية – ترجمة غالي برهومة ومها بسطامي ومها تكلا -2006 – ص 49 .
[2] - اليس كاتز – الولايات المتحدة حكومة فدرالية ذات صلاحيات محدودة - دراسات عراقية – حوارات في الفدرالية – مجموعة باحثين – ص 46 .
[3] - نصت المادة ( 13 ) من الدستور :- ( اولا :- يعد هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق ويكون ملزما في انحائه كافة بدون استثناء . ثانيا :- لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلا كل نص يرد في دساتير الاقاليم او اي نص قانوني اخر يتعارض معه . ) .

هناك تعليقان (2):