الاثنين، 28 مايو 2012


صلاحيات المفتش العام الانضباطية

الافعال التي تصدر من الاشخاص - بضمنهم الموظفون - اما افعال صحيحة او افعال مخالفة للقانون ، والاخيرة اذا ما وقعت ، فاما ان تكون فعلا تقصيريا قد لا يرتب سوى قيام مسؤولية الفاعل المدنية عن تعويض الضرر الذي انتجه فعله ، مثل ان يتسبب الموظف في كسر حاسبة دائرته بسبب وقوعه عليها لعدم انتباهه واحتياطه ، واما ان يكون مخالفة انضباطية قد يترتب عليها ايقاع احد العقوبات المنصوص عليها في قانون الانضباط  الذي يحكم الموظف الذي ارتكب المخالفة ، فأذا سبب ذلك الفعل ضررا فقد تقوم المسؤولية التقصيرية الى جانب المسؤولية الانضباطية مثل ان يفشي احد اسرار العمل فيلحق ضرر بالدائرة ، او يهمل في ادامة الالات التي تحت تصرفه فيضر بها ، او يستغل وسيلة النقل التي بعهدته لاغراضه الشخصية فيلحق بها ضرر ما اثناء ذلك  ، وقد تقوم المسؤولية الانضباطية لوحدها دون المسؤولية التقصيرية حينما لا تتسبب المخالفة التي يرتكبها الموظف بالحاق ضرر ما ، مثل ان يسحب احد الموظفين مسدسه على زميله خلال اوقات الدوام الرسمي ، او يصرح للاعلام بلا اذن من رؤساءه في امور تتعلق بالوظيفة ، او ان يزاول العمل التجاري .
واما ان ترقى المخالفة الى ان تكون فعل جرمه نص عقابي فيعد جريمة ، والجريمة - كفعل مخالف للقانون - قد تقوم بها المسؤولية التقصيرية  الى جانب المسؤولية الانضباطية والمسؤولية الجزائية معا ، مثل ان يقدم الموظف شهادة دراسية موزرة لغرض التعيين فيعين ويتقاضى رواتب على اساسها فيقوم بفعله هذا المسؤوليات الثلاث معا ، وهو الغالب ، وقد تقوم المسؤولية الجزائية مع التقصيرية دون الانضباطية ، مثل ان يدهس الموظف زميله بسيارته التي كان يقودها داخل مقر الدائرة فيصيبه بجروح فتقوم هنا مسؤوليته التقصيرية عن الضرر الذي لحق بالموظف المدهوس ومسؤوليته الجزائية عن جريمة مرورية غير عمدية ، وقد تقوم المسؤولية الجزائية لوحدها دون المسؤولية الانضباطية والمسؤولية التقصيرية ، مثل ان يشرع الموظف بضرب زميله بعصا خلالبعد خروجهما من مقر الدائرة بسبب خلافات شخصية  .
فالمخالفات للقوانين قد تقوم بها احد او بعض او كل المسؤوليات الاتية :-
1-  المسؤولية التقصيرية وهي المسؤولية عن تعويض الضرر الذي الحقته المخالفة بالغير سواء اكان هذا الغير شخص طبيعي او معنوي وسواء اكان المال العام او الخزينة العامة او مصالح خاصة ، وهذه يطبق بشأنها اما قانون التضمين او القانون المدني او قانون التجارة وغيرها من القوانين التي تحكم هذا الموضوع .
2-  المسؤولية الانضباطية وهي مسؤولية مآلها فرض احد العقوبات المنصوص عليها في قانون الانضباط الذي يخضع له الموظف ، مثل قانون التنظيم القضائي وقانون الادعاء العام وقانون انضباط موظفي الدولة وقوانين الانضباط التي تخضع لها القوات المسلحة وقوى الامن الداخلي  .
3-  المسؤولية الجزائية وهذه ترتب ايقاع احد العقوبات المنصوص عليها في القوانين العقابية وهي اما الغرامة ، او الحبس ، او السجن المؤقت [1]، او السجن المؤبد ، او السجن مدى الحياة[2]  ، او الاعدام .
وتلك المسؤليات الثلاث تقوم معها ثلاث دعاوى هي الدعوى المدنية والدعوى التأديبية او الانضباطية والدعوى الجزائية .
اما الدعوى المدنية التي تنشأ عن قيام المسؤولية التقصيرية فانها بموجب النظام القانوني العراقي قد يفصل بها الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة بناء على توصيات لجنة تحقيقية يشكلها لهذا الغرض وفقا لقانون التضمين ، ويخضع قراره بالزام الموظف بالتعويض للطعن به امام محكمة البداءة المختصة ، واما ان يفصل بها القضاء أي المحاكم وفقا لاحكام القوانين النافذة . وليس للمفتش العام من سلطة لا في تشكيل اللجنة التحقيقية لاغراض التضمين وليس له سلطة الزام الموظف بالتضمين لان ذلك ينحصر بالوزير المختص فيما يتعلق بتطبيق قانون التضمين ، وذلك يشمل موظفي مكتب المفتش العام نفسه فاذا اراد المفتش العام تطبيق قانون التضمين على احد موظفيه فليس له الا عرض الامر على وزيره او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة لتشكيل لجنة تضمين ترفع توصياتها اليه ليقرره ما يراه مناسبا ، فلا يستطيع المفتش العام تضمين موظفيه ولو عن ضرر الحقوه بموجودات مكتبه او الياته . الا ان للمفتش العام التوصية للوزير لتشكيل لجان التضمين اذا ما اكتشف ما يستوجب ذلك سواء على موظفي مكتبه او موظفي الوزارة او الجهة التي يعمل فيها .
اما اذا كانت الفصل في التعويض عن المسؤولية التقصيرية يتم عن طريق القضاء فان الواجب فيه يلقى على عاتق الدوائر القانونية في الوزرات او الجهات غير المرتبطة بوزارة بواسطة ممثل قانوني يحمل شهادة في القانون طبقا لاحكام المادة ( الثانية والعشرين ) من قانون المحاماة رقم 165 لسنة 1964 المعدل ، ويستطيع المفتش العام التوصية لاقامة او متابعة الدعوى امام المحاكم وحث الدائرة القانونية المختصة على القيام بدورها ، ومتابعة حسن ادائها في ذلك لضمان حقوق الوزارة او الجهة التي يعمل فيها ، ولكنه لا يستطيع الحضور امام القضاء او اقامة الدعاوى بشأن ذلك ولو عن ضرر لحق باموال مكتبه.
اما الدعوى الجزائية فان القضاء لوحده سلطة وصلاحية الفصل فيها ، وتعمل هيئة النزاهة في احد مراحل الدعوى الجزائية وهي مرحلة ( التحقيق الابتدائي ) تحت اشراف قضاة التحقيق ، الذين يمتلكون وحدهم صلاحيات اصدار اوامر القبض والتوقيف وحجز الاموال .
اما المفتش العام فانه منقطع الصلة في موضوع الفصل في الدعوى الجزائية او التدخل فيها ، انما قد يسترشد القضاء بالتحقيق الاداري الذي يجريه فقط ، فنتائج وتوصيات التحقيق الاداري – عموما – غير ملزمة للقضاء ، ومن حق القضاء اصدار اوامر القبض على الموظفين وتوقيفهم ولو لم يقصرهم المفتش العام .
ولا يلزم القضاء بالاكتفاء بالعقوبات الانضباطية التي توجهها الدوائر لموظفيها عن الافعال التي تنسب اليهم ، فلا علاقة للعقوبات الانضباطية في الفصل في الدعوى الجزائية لان العقوبات الانضباطية قد تفرض مع العقوبات الجزائية ، ولا تؤثر احدهما في وجوب او عدم وجوب فرض الاخرى ، فلا يمنع فرض عقوبة العزل على موظف قدم شهادة مزورة من الحكم عليه بالسجن عن جريمة تزوير الشهادة وفق المادة ( 289 ) من قانون العقوبات وعن جريمة استعمال المحرر المزور وفق المادة ( 298 ) من القانون المذكور ، ولكن قد يؤدي فرض عقوبة جزائية الى وجوب فرض العقوبات الانضباطية حتما كما هو نص المادة ( 8 / ثامنا ) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام :- ( العزل :- ويكون بتنحية الموظف من الوظيفة نهائيا ولا تجوز اعادة توظيفه في دوائر الدولة والقطاع العام وذلك بقرار مسبب من الوزير في احدى الحالات الاتية :- ... ب- اذا حكم عليه عن جناية ناشئة عن وظيفته او ارتكبها بصفته الرسمية ) .
أي ان للدعوى الجزائية تأثير على المسؤولية الانضباطية ولا عكس .    
اما الدعوى الانضباطية او التأديبية فانها المجال المهم لعمل المفتش العام .
اذ نص قانون انضباط موظفي الدولة في المادة ( 4 ) منه على الالتزمات والواجبات التي يتوجب بالموظف القيام بها ونصت المادة ( 5 ) على عدد من المحظورات او الممنوعات التي يتوجب بالموظف تجنب ارتكابها ، واصدرت هيئة النزاهة لائحة السلوك الوظيفي فرضت بموجبها بعض الواجبات والممنوعات ، واحد اهم واجبات المفتش العام متابعة التزام الموظفين بتلك الاحكام والقواعد .
فأذا نسب للموظف اخلال بواجباته او ارتكابه فعل ممنوع من اتيانه بموجب النصوص المذكورة ، فيتوجب معاقبته باحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة ( 8 ) من قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 2008  ويكون ذلك باحد طريقين :-
1-   فرض العقوبات مباشرة دون تشكيل لجنة تحقيقية وفقا لاحكام البند ( رابعا ) من المادة ( 10 ) من القانون المذكور بالشروط الاتية :-
 أ- ان يقوم الوزير او رئيس الدائرة باستجواب الموظف قبل اصدار العقوبة ، ويكون الاستجواب باستدعاء الموظف امامه وسؤاله عن المخالفة الانضباطية المنسوبة اليه وسماع اجابته بشأنها تحريريا ، أي تدوين اقواله بالطريقة التي تدون بها اقوال الاشخاص امام اللجان التحقيقية .
ب- ان يفرض الوزير او رئيس الدائرة احد العقوبات الثلاث  المحددة بالبند ( رابعا ) من المادة ( 10 ) من القانون وهي لفت النظر او الانذار او قطع الراتب لمدة لا تزيد على عشرة ايام ، اما اذ وجد ان فعل الموظف يتطلب فرض عقوبة اشد من العقوبات الثلاث المذكورة فيتوجب به تشكيل لجنة تحقيقية وينتظر نتائجها وتوصياتها ليقرر من يراه مناسبا في ضوء ذلك اذا كانت العقوبة التي يريد فرضها تدخل في صلاحياته ، اما اذا كانت العقوبة التي يريد فرضها اكثر من صلاحياته فيتوجب بها رفع الموضوع الى الجهة المختصة كالوزير بالنسبة لرئيس الدائرة .
ج- ان تقل درجة الموظف المخالف عن مدير عام ، اما اذا كان الموظف المخالف مدير عام فما فوق فلا يجوز فرض العقوبات عليه بعد استجوابه مطلقا بل يتوجب تشكيل لجنة تحقيقية بجميع المخالفات التي تنسب اليه .
2-  فرض العقوبات بناء على توصيات لجنة تحقيقية ، وهذا الاسلوب هو الاصل اما الاسلوب المذكور في الفقرة ( 1 ) اعلاه فهو الاستثناء ، ففرض القانون على رئيس الدائرة او الوزير تشكيل لجنة تحقيقية للتحقيق في أي فعل مخالف للقانون ، وله فرض ايا من العقوبات الثمانية المنصوص عليها في المادة ( 8 ) من قانون انضباط موظفي الدولة بالشروط الاتية :-
 أ- يجب تشكيل لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة على ان يكون احدهم حاصلا على شهادة جامعية اولية في القانون وفقا لما نصت عليه المادة ( 10 / اولا ) من قانون انضباط موظفي الدولة ، ولا يشترط في رئيس واعضاء اللجنة التحقيقية ان يكونوا اعلى درجة وظيفية من الموظف المطلوب التحقيق معه ممن نسبت اليهم المخالفة.
 ب- ان تتولى اللجنة التحقيق تحريريا فلا يجوز الاكتفاء باجراء التحقيق الشفوي .
ج- ان تقوم اللجنة بعد انتهائها من التحقيق بتحرير محضر تثبت فيه :-
 اولا :- ما اتخذته من اجراءات .
 ثانيا :- ما سمعته من اقوال .
 ثالثا :- توصياتها المسببة اما بعدم مساءلة الموظف وغلق التحقيق او بفرض احدى العقوبات المنصوص عليها في المادة ( 8 ) من القانون او باحالة الموضوع على المحاكم المختصة اذا وجدت ان فعل المخالف يشكل جريمة .
د- ان يفرض الوزير او رئيس الدائرة العقوبات التي يراها مناسبة في ضوء قناعته ولا يلزم بالاخذ بتوصيات اللجنة التحقيقية مع مراعاة حدود صلاحياته في فرض العقوبات ، ويكون للوزير فرض ايا من العقوبات الثمانية على الموظفين بدرجة ادنى من مدير عام ، ولا يستطيع فرض الا عقوبات لفت النظر والانذار وقطع الراتب لمدة لا تزيد على عشرة ايام على الموظف بدرجة مدير عام فما فوق ، اما اذا كان الوزير يرى فرض عقوبة اشد على ذلك الموظف ( أي مدير عام فما فوق ) فيتوجب به عرض الامر على مجلس الوزراء متضمنا اقتراحه بفرض العقوبة التي يراها مناسبة ، ولمجلس الوزراء فرض ايا من العقوبات التي يراها مناسبة ، ولكن هل لمجلس الوزراء فرض عقوبة اقل من قطع الراتب لعشرة ايام ؟ .
اما رئيس الدائرة فانه لا يملك الا صلاحية فرض عقوبات لفت النظر والانذار وقطع الراتب لمدة لا تتجاوز خمسة ايام والتوبيخ فقط ، فاذا وجد ان المخالفة تستوجب فرض عقوبة اشد وجب به عرض الامر على الوزير ليتخذ ما يراه مناسبا .
ولكن هل للوزير فرض عقوبة اخف مما هو داخل في صلاحية رئبس الدائرة ؟
اما المخولون بفرض العقوبات فهم :-
1-   الوزير :- ويقصد به الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة  .
2-   رئيس الدائرة ويشمل :-
 أ- وكيل الوزارة .
 ب- الموظف بدرجة وكيل وزارة بثلاثة شروط :-
 اولا :- ان يكون موظفا بدرجة وكيل وزارة .
ثانيا :- ان يكون من الدرجات الخاصة .
ثالثا :- ان يدير تشكيلا معينا .
ج- المدير العام .
د- الموظف الذي يخوله الوزير فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون . ويكون للوزير تخويل الموظفين بفرض العقوبات بالشروط الاتية :-
1-  ان يكون المخول بفرض العقوبات يحمل صفة الموظف وفقا للتعريف الوارد في البند ( ثالثا ) من المادة ( 1 ) من قانون انضباط موظفي الدولة الذي نص :- ( الموظف :- كل شخص عهدت اليه وظيفة داخل ملاك الوزارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة ) ، ولا يشترط فيه ان يكون بدرجة وظيفية معينة او ان تكون له خدمة لمدة ما ، ولا يشترط ان يكون المخول بفرض العقوبة اعلى درجة ممن منح صلاحية لفرض العقوبة عليه ، فلم ينص القانون على هذا الشرط رغم انه شرط  ضروري لضمان القناعة بسلامة العقوبات التي قد تفرض ، فلا يقبل ان يمنح موظف بدرجة ادنى من مدير عام صلاحية فرض العقوبات على الموظفين بدرجة مدير عام فما فوق  .
2-  ان يخوله الوزير صلاحية فرض العقوبات في حدود ما يمتلك الوزير من صلاحيات ، فلا يستطيع الوزير تخويله صلاحية اكثر مما يمتلك هو ، ولكن يصح ان يمنحه صلاحية اقل مما يملكه هو ، فيمكن ان يخوله فرض العقوبات على كل موظفي الوزارة او ان يحدده ببعض موظفيها ، كأن يمنحه صلاحية فرض ايا من العقوبات الثمانية على الموظفين التابعين الى مديرية ما او قسم او شعبة ما ، او ان يمنحه صلاحية فرض العقوبات على جميع موظفي الوزارة من الدرجات الثالثة فما دون مثلا . وقد يمنحه سلطة فرض جميع العقوبات او قسم منها كأن يمنحه صلاحية فرض العقوبات الستة الاولى المنصوص عليها في المادة ( 8 ) من قانون انضباط موظفي الدولة ، او الاربعة الاولى او عقوبة لفت النظر فقط وهكذا ، وفق ما يراه الوزير مناسبا .  

ويشترط ان يكون للموظفين المخولين قانونا بفرض العقوبات  المذكورين اعلاه - سوى الموظف المخول بامر من الوزير -  ان يكونوا رؤساء مباشرين للموظف المعاقب ، فلا يجوز لوزير النفط معاقبة موظف في وزارة الكهرباء ، ولا يجوز لمدير عام دئرة التنفيذ في وزارة العدل معاقبة موظف في مديرية التسجيل العقاري العامة ولو انهما ( المعاقِب والمعاقب ) في نفس الوزارة ، الا ان ذلك يصح اذا منحه الوزير تلك الصلاحية كموظف مخول بفرض العقوبات ولكن في حدود الصلاحية التي يمنحها اياه الوزير ، فلو فرضنا ان وزير العدل منح مدير عام التنفيذ صلاحية فرض العقوبات على موظفي دائرة الكاتب العدل فيكون ( أي مدير عام التنفيذ ) موظفا مخولا بفرض العقوبات بحكم القانون فيما يتعلق بموظفي دائرته دائرة التنفيذ ، ويكون موظف مخولا من الوزير بفرض العقوبات على موظفي دائرة الكاتب العدل .
ومن مراجعة المخولين قانونا لفرض العقوبات بموجب قانون انضباط موظفي الدولة فانه يمكن عد المفتش العام من الاصناف المذكورة تحت صفة ( رئيس الدائرة ) ، فيكون له صلاحية فرض عقوبات لفت النظر والانذار وقطع الراتب لمدة لا تزيد على خمسة ايام والتوبيخ ولكن على موظفي مكتبه فقط ، اما موظفي الوزارة فلا يحق له ايقاع العقوبات عليهم لانه لا يعد رئيسا مباشرا لهم ، فأذا وجد اثناء التحقيق بان احد موظفي الوزارة من غير موظفي مكتبه ارتكب مخالفة يستحق فرض عقوبه ما عليه وجب به عرض الموضوع على الوزير المختص ، وكذلك اذا ما وجد بان موظف مكتبه ارتكب فعلا يتطلب فرض عقوبة اشد من العقوبات الاربعة التي تدخل في صلاحياته فيتوجب به عرض الامر على الوزير لمعاقبة موظف مكتبه بالعقوبة الاشد مما يملكه المفتش العام .
الا ان صلاحية المفتش العام في اجراء التحقيق اوسع من صلاحيته في فرض العقوبات وهو يتخلف في هذا عن باقي اصناف ما يدخل تحت مفهوم ( رئيس الدائرة ) في قانون انضباط موظفي الدولة فجميع الاصناف عدا المفتش العام ترتبط سلطتهم في فرض العقوبات على الموظفين وفي تشكيل اللجان التحقيقية للتحقيق معهم بشرط ارتبط هؤلاء بهم مباشرة ، فلا يستطيع المدير العام فرض العقوبات على غير موظفي مديريته  ، ولا يستطيع تشكيل لجان تحقيق للتحقيق مع غيرهم ولو كانوا تابعين لنفس الوزارة التي يعمل بها ، اما المفتش العام فرغم انه لا يستطيع فرض العقوبات على غير موظفي مكتبه لكنه يملك سلطة اجراء التحقيق الاداري مع جميع موظفي الوزارة ولو لم يكونوا تابعين اليه مباشرة طبقا لاحكام البند ( ) من القسم ( ) من الامر ( 57 ) لسنة 2004 . فتكون صلاحيات المفتش العام  فتكون صلاحية المفتش العام في التحقيق اوسع من صلاحياته في فرض العقوبة من حيث الاشخاص الخاضعين لسلطته .
1-   ان صلاحيات المفتش العام التحقيقية تمتد الى جميع موظفي الوزارة او الجهة التي يعمل فيها ، بل وتمتد احيانا لتشمل المتعاملين معها .
2-  لا يقتصر ميدانه التحقيقي بالمخالفات الانضباطية بل يتعداه الى التحقيق في اعمال الغش والتبذير واساءة استخدام السلطة ومعظمها افعال مجرمة ، ولكنه يحقق فيها تحقيقا اداريا فقط .
3-   سلطاته في فرض العقوبات تحدد من جهتين الاولى من حيث الاشخاص فلا يمكنه فرض عقوباته الا على موظفي مكتبه ، والثانية تحدد من حيث شدة العقوبات فلا يستطيع فرض اية عقوبة اشد من لفت النظر والانذار وقطع الراتب لمدة لا تزيد على خمسة ايام والتوبيخ .
ولكن هل تبعية الموظف يتوجب ان تتوفر عند من يفرض عليه العقوبة وقت ارتكاب المخالفة ام وقت فرض العقوبة ؟ فلو نقل الموظف الى مديرية اخرى ثم اكتشفت دائرته السابقة بانه ارتكب مخالفة تستوجب معاقبته فهل ان استجوابه وفرض العقوبة عليه او تشكيل لجنة تحقيقية للتحقيق معه عن الفعل المذكور يكون للمدير العام الحالي او السابق ؟ واذا نقل الى وزارة اخرى فهل الصلاحية في الاستجواب وتشكيل اللجان التحقيقية وفرض العقوبة تكون للوزير السابق ام الحالي ؟
نصت المادة ( 22 ) من قانون انضباط موظفي الدولة المعدلة بالقانون رقم 5 لسنة 2008 :- ( لا يمنع اعارة الموظف او نقله من مساءلته وفقا لاحكام هذا القانون ) .
فهذا النص قضى بجواز المساءلة لكنه لم يحدد الجهة التي تلاحقه فتفرض عليه العقوبة ، الراجح ان العبرة في تحديد الجهة التي تلاحق الموظف عن مخالفاته هي الجهة التي ارتكب المخالفة لديها أي العبرة بتبعيته وقت ارتكابه المخالفة وليس وقت استجوابه او التحقيق معه او وقت فرض العقوبة عليه .
ولكن هل يصح افلات الموظف من العقوبات اذا ما ترك الوظيفة ، وحينما يطلب بعد حين اعادة تعيينه لا تظهر لديه اية عقوبات  رغم انه قد يكون قد ارتكب اسوء المخالفات الانضباطية ؟

                                                                                        القاضي
                                                                                 رحيم حسن العكيلي
                                                                                   22 / 6 / 2009


[1] - الفرق بين الحبس والسجن المؤقت هو ان الحبس يعني ايداع المحكوم عليه في المؤسسات العقابية لمدة لا تزيد على خمس سنوات ، اما السجن المؤقت فهو ايداع المحكوم عليه تلك المؤسسات لمدة تزيد على خمس سنوات الى خمسة عشر سنة .
[2] - الفرق بين السجن المؤبد والسجن مدى الحياة هو ان السجن المؤبد يعنى ايداع المحكوم عليه في المؤسسات العقابية لمدة عشرين سنة فقط ، فأذا اتمها اخلي سبيله ، اما السجن مدى الحياة فهو ايداعه في المؤسسات المذكورة لحين موته مها بلغت مدة سجنه .


تعليق على قرار/ لا خصومة للاشخاص المعنوية
 الا بمن يمثل ارادتها / اضافة لوظيفته                                                                                                               
                                                                                                       
قضت الهيئة المدنية / منقول في محكمة التمييز الاتحادية بالعدد 101 / الهيأة المدنية منقول / 2012 في 6 / 12 / 2012 :- ( ... ولدى عطف النظر على الحكم المميز ، وجد بانه غير صحيح ومخالف للقانون ، لان المميز اقام الدعوى على ( شركة رووس للتجارة والاستثمار ) بالرغم من كونها شخصية معنوية ويكون لها ممثل عن ارادتها ، وبما ان المدعي اقام الدعوى على الشركة ووكيلها العام دون اقامتها على ( المدير المفوض / اضافة لوظيفته ) ، وبذلك تكون خصومتها غير متحققة ، فكان على المحكمة ردها من هذه الناحية ... ) .
ملخص الوقائع :-
طلب المدعي ( س . أ ) دعوة المدعى عليهما وزير الصناعة والمعادن / اضافة لوظيفته وشركة روديس للتجارة والاستثمار الاردنية للمرافعة والحكم بالزامهما بمنع معارضته بتسجيل العلامة التجارية العائدة له ( فايف كنكر ) ، فاصدرت محكمة البداءة المتخصصة بالدعاوى التجارية بالعدد 24 / ب / 2011 في 24 / 11 / 2011 حكما حضوريا قضت فيه ( بالغاء قرار المدعى عليه الاول الصادر بكتابه المرقم ( 5867 ) في 7 / 2 / 2011 والحكم بالزامه بمنع معارضة المدعي ( س . أ ) بتسجيل علامته التجارية ... ) فطعن وكيل المدعي بالحكم ، فاصدرت محكمة التمييز الاتحادية قرارها المذكور اعلاه .
النقاط التي يثيرها القرار التمييزي :-
اولا :- لا تصح خصومة ( الشركة ) الا باقامة الدعوى من او على مديرها المفوض / اضافة لوظيفته .
ثانيا :- ترد الدعوى كلها لعدم توجه الخصومة ، اذا اقيمت على مدعى عليهما ، احدهما تتوجه الخصومة اليه ، والاخر خصومته غير صحيحة ؟
ثالثا :- ينقض الحكم ضد مصلحة الطاعــن - خلاف لقاعدة لا يضار الطاعن بطعنه - اذا تعلق الامر بعدم توجـه الخصومة ؟
اولا :- مدى صحة خصومة الشركة دون اقامتها على من يمثلها / اضافة لوظيفته :-
انتهت محكمة التمييز الاتحادية الموقرة - في قرارها المبحوث فيه - الى اقرار مبدأ يقضي بان الدعوى التي تقام للشركات او عليها  لا تصح اقامتها من ( الشركة ) او على ( الشركة ) ، بل يتوجب اقامتها من او على ( المير المفوض للشركة / اضافة لوظيفته ) والا توجب ردها شكلا لعدم توجه الخصومة ، وهذا ما اقرته المحكمة المذكورة في العديد من قراراتها منها القرار المرقم ( 1211 / 1260 / الهيأة المدنية منقول / 2011 ) في 24 / 7 / 2011 :- ( ولدى النظر في الحكم المييز وجد بانه غير صحيح ومخالف للقانون ذلك ان الدعوى اقيمت من قبل المدعي ( شركة حلواني الصناعية ) ... وقد وجد بان المادة ( 47 ) من القانون المدني نصت على ان الاشخاص المعنوية هي الشركات التجارية والمدنية الا ما استثني منها بنص خاص في القانون ، وان المادة ( 48 / 1 ) من القانون المذكور نصت على انه لكل شخص معنوي ممثل عن ارادته ، وان الدعوى اقيمت من قبل ( الشركة ) ، ولم تكن اقيمت ممن يمثل ارادتها ، ولما كانت الخصومة حالة قانونية ينبغي التصدي لها في اية مرحلة من مراحل الدعوى ، وانه اذا كانت الخصومة غير متوجهة تحكم المحكمة ولو من تلقاء نفسها برد الدعوى دون الدخول في اساسها ، استنادا للمادة ( 80 / 1 ) من قانون المرافعات المدنية ، وعليه تكون الدعوى واجبة الرد من جهة الخصومة ... ) .
فمحكمة التمييز الاتحادية الموقرة رغم انها تؤكد بان ( الشركة ) هي الشخص المعنوي ، الا انها لا تجد لها خصومة في الدعاوى الا بواسطة من يمثل ارادتها ، لذا فأن الدعاوى التي لا تقام من او على ( المدير المفوض للشركة / اضافة لوظيفته ) تكون الخصومة فيها غير متوجهة ، ويتوجب ردها من تلك الجهة .
والحقيقة ان الفقه يفرق بين اهلية الاختصام والاهلية الاجرائية ( اهلية التقاضي ) ، اما اهلية الاختصام فانها صلاحية الشخص لان يكون طرفا في خصومة قضائية ، ويمتع بهذه الاهلية كل من تثبت له الشخصية القانونية ، لذا تتوفر هذه الاهلية بالنسبة للشخص الطبيعي بمجرد تمام ولادته حيا ولو كان عمره يوم واحد او ساعة واحدة ، كما تتوافر للشخص المعنوي بمجرد تكوينه وفقا لما ينص عليه القانون ، اما الاهلية الاجرائية او اهلية التقاضي فهي صلاحية الشخص لان يباشر الاجراءات القضائية ، وهذه الاهلية لا يتمتع بها الشخص الطبيعي الا اذا بلغ سن الرشد عاقلا غير مجنون ولا معتوه ، اما الشخص الاعتباري فانه تثبت له هذه الاهلية ، ولكنه يمارسها عـن طريق مــن يمثله مــن الاشخاص الطبيعيين ([1]).
فالشخص المعنوي – اذن - يتمتع بالشخصية القانونية ، لذا يثبت له اهليتي الاختصام و التقاضي معا ، الا انه يستحيل عليه ان يباشر بنفسه وفي صورته الاعتبارية  الاجراءات القضائية التي تخصه ، لذا فأن تمثيل الشخص المعنوي امام القضاء عن طريق شخص طبيعي يعد لازمة من لوازم طبيعته ، لكن لا يرجع ذلك الى افتقاده اهلية التقاضي ، لانه يتمتع بها ، اي ان لزوم تمثيل الشخص المعنوي امام القضاء من قبل شخص طبيعي لا يعود الى انه لا يملك اهلية الاختصام او اهلية التقاضي ( الاهلية الاجرائية ) ، بل يعود الى انه شخص افتراضي لا وجود حقيقي له على ارض الواقع ، ورغم ذلك تثبت له ( اي للشخص المعنوي ) كالشركة اهليتي الاختصام والتقاضي وليس لممثله .
وقد اخذ جمهور الفقه الحديث بنظرية تكييف علاقة الشخص المعنوي بممثله على انها علاقة تمثيل عضوي ، فالشخص الطبيعي الممثل للشخص المعنوي لا يعد وكيلا ولا نائبا عنه وانما عضو من اعضائه ، شأنه شأن  اي عضو من اعضاء جسم الشخص الطبيعي ، فكما ان كل نشاط يقوم به الشخص الطبيعي بعضو من اعضاء جسمه – كيده حينما تكتب او لسانه حينما ينطق او عقله حينما يفكر  – يكون منسوبا اليه ، فأن كل نشاط يقوم به ممثل الشخص المعنوي يعد صادرا من الشخص المعنوي نفسه ([2]). اي ان ممثل الشخص المعنوي كالمدير المفوض للشركة – وفق النظرية الراجحة – هو ليس الا عضو من اعضاء الشخص المعنوي ، وما يصدر منه - بهذه الصفة – ليس الا تصرفات وافعال صادرة - من وجه نظر قانونية - من الشخص المعنوي ، لذا فان القول بوجوب اقامة الدعوى من او على من يمثل الشخص المعنوي هي اشبه بالزام الشخص الطبيعي باقامة الدعوى عن طريق احد اعضاءه دون الاخر ، كأن نلزم الشخص الطبيعي باقامة الدعوى عن طريق يده اليمنى حصرا .
ولاحظنا ان محكمة التمييز الاتحادية الموقرة تقر في قراراتها - التي حملت الاجتهاد المبحوث - بان ( الشركة ) شخصية معنوية اي انها هي الشخص القانوني المعتبر فيما يتعلق بما له او عليه من حقوق والتزامات ، وذلك امر بديهي تسنده نصوص قانونية صريحة كنص المادة ( 47 ) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 بقولها :- ( الاشخاص المعنوية هي :- أ- الدولة ... و الشركات التجارية والمدنية الا ما استثني منها بنص في القانون ... ) ، والمادة ( 5 ) من قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 المعدل : ( تكتسب الشركة الشخصية المعنوية وفق احكام هذا القانون ) لذا فأن ( الشخص ) هو الشركة وليس مديرها المفوض او مديرها العام ، والشخص هو الوزارة وليس الوزير ، ولكن المدير المفوض او المدير العام او الوزير هم من يمثلون الشخص المعنوي وليسوا هم الشخص المعنوي ، وهذا- اي الاعتراف بان الشركة هي الشخص المعنوي - كاف لوحده للقول بسلامة الدعاوى التي تقام من الشركة او عليها باسمها دون وساطة من يمثلها ، لان الدعوى هي :- ( طلب شخص حقه من اخر امام القضاء ) حسب تعريف المادة ( 2 ) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل ، فالدعوى تقام من ( شخص ) على ( شخص ) اخر ، فهي علاقة اجرائية بين شخصين بغض النظر عمن يمثلهما ، ولم يقل التعريف بان الدعوى هي :- (طلب من يمثل شخص حقه ممن يمثل اخر امام القضاء ) بل هي ( اي الدعوى ) رابطة بين الاشخاص ، ويبقى موضوع ان يمثل الخصوم  انفسهم بانفسهم او يمثلهم غيرهم امام القضاء مسألة تحكمها قواعد مختلفة لا علاقة لها بكونهم هي الاشخاص الخصوم وليس من يمثلونهم  ، ولما كان ( الشخص المعنوي كالشركة ) هو من يحمل صفة ( الشخص ) وليس من يمثله ، لذا فان الخصومة تتوجه اليه ( اي للشركة ) كشخصية قانونية ، قبل ان يقبل توجهه اليها باي صيغة اخرى .
ويكفي دليل على صحة خصومة الشركة - دون ان يرتبط ذلك بمن يمثله - ما نصت عليه المادة ( 48 ) من القانون المدني :- ( 1- يكون لكل شخص معنوي ممثل عن ارادته .2- ويتمتع الشخص المعنوي بجميع الحقوق الا ما كان منها ملازما لصفة الشخص الطبيعي وذلك في الحدود التي يقررها القانون . 3- وله ذمة مالية مستقلة . 4- وعنده اهلية الاداء وذلك في الحدود التي يبينها عقد انشائه والتي يفرضها القانون . 5- وله حق التقاضي ... ) فقول النص :- ( يتمتع الشخص المعنوي بجميع الحقوق ) ثم قوله ( وعنده اهلية الاداء ) ثم قوله ( وله حق التقاضي ) كاف للقطع بان الشخص المعنوي – كالشركة - وليس الممثل لارادته هو من يتمتع بالحقوق واهلية الاداء وحق التقاضي . 
ويضاف الى الحجج المتقدمة بان القول بوجوب اقامة الدعوى من او على من يمثل الشخص المعنوي يعطي معنى ربط اعطاء الشخصية القانونية للشخص المعنوي بوجود من يمثله وهي نتيجة غير مقبولة مطلقا ولا تتطابق واحكام القانون الذي لم يجعل ( وجود من يمثل الشخص المعنوي ) شرطا لازما لاعطاءه الشخصية القانونية ، لان الشخصية القانونية تنهض للشخص المعنوي ، بغض النظر عن وجود او عدم وجود من يمثله ، فوجود هذا الاخير ليس شرطا لازما لقيام الشخصية المعنوية ولكنه ضرورة تقتضيها الطبيعة الافتراضية للشخص المعنوي ، لذا فان الشخصية القانونية للشركة ولاي شخص معنوي اخر تظل قائمة - اذا ما مات من يمثلها او تم عزله - خلال الفترة التي تنقضي بين تحقق سبب انعدام من يمثل الشخص المعنوي لحين تنصيب غيره ، فلا احد يقول بانعدام الشخصية القانونية للشخص المعنوي في تلك الفترة ، ويكون – بالتالي - لمن كانت له خصومة ما مع الشخص المعنوي ، الذي انعدام من يمثله - ولو لم تكن خصومة مستعجلة - اقامة الدعوى للمطالبة بحقوقه ، على ذلك الشخص المعنوي ، دون انتظار تنصيب شخص طبيعي اخر لتمثيل الشخص المعنوي . ويصح للوكيل الذي منحه ممثل الشخص المعنوي السابق ( المتوفى او المعزول ) الوكالة ان يحضر في الدعوى ويترافع فيها رغم وفاة او عزل من منحه اياها ، لانه ( اي الوكيل ) وكيل للشخص المعنوي وليس وكيل لمن يمثله ، فلا تنقضي وكالته بموت من يمثل الشخص المعنوي او بعزله ، بل تبقى قائمة ما دام الشخص المعنوي قائما حتى يعزله من الوكالة .
واذا اقيمت الدعوى على ( شخص معنوي ) ومات او عزل من يمثله اثناء السير في الدعوى فلا تأثير لذلك عليها ، فلا ينقطع السير فيها ، بخلاف لو قلنا ان الدعوى للشخص المعنوي او عليه يجب ان تقام ممن يمثل الشخص المعنوي او عليه ، لان بعض ما يرتبه ذلك هو قطع السير بالدعوى بمجرد وفاة من يمثل الشخص المعنوي او انتفاء صفته كعزله من منصبه كمدير عام او مدير مفوض او وزير ، وهو ما لم يقل به احد .
ويؤكد هذا الفهم ان الدعوى المتعلقة - بحقوق على الشخص المعنوي - اذا اقيمت على ممثل الشخص المعنوي دون اضافته الى الشخص المعنوي نفسه فانها – بلا خلاف – واجبة الرد شكلا لعدم توجه الخصومة ، لان الخصم الحقيقي هو الشخص المعنوي ، وليس ممثله الا اداة للتعبير عن ارادته ولا يصلح للحلول في الخصومة محله ، لان المصلحة في الدعوى انما ترتبط  بالشخص المعنوي وليس بمن يمثله .    
وفي اطار هذا النظر تجد ان نصوص القوانين تعاملت مع الشخص المعنوي وليس مع من يمثله ، وربطت احكامه به دون ان تقيدها بممثله ، مثلما فعلت احكام التبليغات في قانون المرافعات المدنية فنصت الفقرة ( 7 ) من المادة ( 21 ) من قانون المرافعات المدنية :- ( اذا كان المطلوب تبليغه شركة تجارية او مدنية تسلم الورقة في مركز ادارة الشركة لمدير الشركة او لاحد الشركااء على حسب الاحوال او لاحد مستخدمي الشركة .. ) فالنص جاء صريحا بالحديث عن كون المطلوب تبليغه هو ( الشركة ) وليس ممثل الشركة ، وربط النص تسليم ورقة التبليغ بمكان متعلق بالشركة ولم يربطه بممثل الشركة ، فيكون التبليغ في مركز ادارة الشركة حصرا ، كما ان النص لم يحصر جواز تسليم ورقة التبليغ الى ممثل الشخص المعنوي ( مدير الشركة ) لوحده ، بل اجازت تسليمها لاحد الشركاء او لاحد المستخدمين . لذا فأن النص يتعامل مع الشخص المعنوي وينظر اليه باعتباره هو الخصم ولا ينظر الى ممثله الا كاحد اعضائه ، وليس باعتباره الشخص المعنوي نفسه . وهذا ما فعلته الفقرة ( 8 ) من المادة ذاتها ، وكذلك المادة ( 38 / 1 ) من قانون المرافعات المدنية .
والخلاصة - من وجهة نظرنا – مع احترامنا العميق لرأي محكمة التمييز الاتحادية الموقرة - ان الدعوى المقامة من الشخص المعنوي باسمه دون اضافة من يمثله اليه والدعوى المقامة على الشخص المعنوي دون اضافة من يمثله اليه دعوى صحيحة قائمة على خصومة صحيحة ، وكذلك فان الدعوى المقامة على من يمثل الشخص المعنوي ،باضافته الى وظيفته كممثل لذلك الشخص المعنوي ، تعد صحيحة ايضا لانها في الحقيقة مقامة على الشخص المعنوي نفسه وليس على من يمثله ، لان الشخص المعنوي هو الخصم الحقيقي في دعاواه وليس من يمثله .

ثانيا :- ترد الدعوى كلها اذا كانت الخصومة غير متوجهة لاحد الخصوم :-
الدعوى التي صدر فيها القرار التمييزي المبحوث فيه كانت مقامة على اثنين من المدعى عليهما ، الاول هو وزير الصناعة اضافة لوظيفته الذي يرفض تسجيل علامة المدعي التجارية ، والثاني هو ( شركة ) تملك علامة يدعى بانها مشابة لعلامة المدعي ، ولان محكمة التمييز الاتحادية ترى ان الدعوى المقامة على الشخص المعنوي كالشركة دون الاشارة الى  من يمثله اضافة لوظيفته واجبة الرد شكلا لعدم توجه الخصومة ، فانها امرت محكمة الموضوع بوجوب رد الدعوى لعدم توجه الخصومة ، فهل ترد الدعوى كلها عن المدعى عليهما كلاهما رغم ان محكمة التمييز الموقرة لم تشر الى ان الخصومة غير متوجهة بالنسبة للمدعى عليه الاول وزير الصناعة اضافة لوظيفته باعتباره هو المتبوع بالنسبة لدائرة تسجيل العلامات التجارية ؟
الحقيقة ان الاصل هو ان الدعوى اذا كانت غير متوجهة الخصومة من جهة احد الخصوم دون الباقين ، فانها تكون واجبة الرد لعدم توجه الخصومة من جهة ذلك الخصم لوحده دون الباقين ، فأذا كانت الخصومة - مع انها متوجه بحق الباقين – الا انها ناقصة ، وتحتاج الى شخص اخر لاكمالها ، فأن للمدعي طلب ادخال ذلك الشخص شخصا ثالثا في الدعوى الى جانب المدعى عليهم اكمالا للخصومة للحكم عليه بطلبات المدعي  ، ولو كان الشخص المطلوب ادخاله هو نفسه الذي لا تتوجه الخصومة اليه اذ اقيمت بصيغة ما ، فمحكمة التمييز الموقرة – في الدعوى محل البحث - انتهت الى ان الخصومة غير متوجهة بالنسبة للمدعى عليه الثاني ( الشركة ) لانها اقيمت على الشركة باسمها كشخص معنوي ولم تقم بالاشارة الى من يمثلها ، الا ان الدعوى كانت مقامة على المدعى عليه الاول ( وزير الصناعة / اضافة لوظيفته ) وهو شخص معنوي عام بهذه الطريقة اي باضافة الشخص المعنوي لمن يمثله فخصومته صحيحة ، لذا فان الدعوى في شق منها متوجهة الخصومة ، وعدم توجه الخصومة على المدعى عليها الثانية – وفق ما انتهت اليه محكمة التمييز - لا يقطع الطريق على المدعي في طلب ابطال عريضة الدعوى عن الشركة ، ثم طلب ادخال ( المدير المفوض للشركة / اضافة لوظيفته ) شخصا ثالثا في الدعوى الى جانب المدعى عليه الاول اكمالا للخصومة ، فتصح خصومته على المدعى عليهما كلاهما وتصح دعواه . اذ لا يصح رد الدعوى كلها اذا كانت الخصومة فيها غير متوجهة لاحد الخصوم ومتوجهة للاخر ، بل يتوجب السير فيها ، فأذا تطلبت الخصومة ادخال شخص اخر فلا ضير من اكمالها بادخاله .
لذا فأن الراحج بان محكمة التمييز الاتحادية الموقرة قصدت توجيه محكمة الموضوع الى الحكم برد الدعوى لعدم توجه الخصومة عن الشركة المدعى عليه الثاني فقط ، وليس رد الدعوى كلها .
ثالثا :- ترجح مقتضيات توجه الخصومة على قاعدة ( لا يضار الطاعن بطعنه ) :-
صدر الحكم في الدعوى لصالح المدعي حول تسجيل علامته التجارية ، الا انه طعن في الحكم بطريق التمييز لانه كان يعتقد بلزوم اصدار الحكم بالغاء العلامة التجارية للمدعى عليه الثاني ( الشركة ) ايضا ، ولم يطعن المحكوم عليهما في الحكم الصادر ضدهما  ، الا ان محكمة التمييز الموقرة قضت بنقض الحكم وامرت محكمة الموضوع برد دعوى المدعي ( الطاعن ) لعدم توجه الخصومة ، على خلاف قاعدة لا يضار الطاعن بطعنه ، باعتبار ان الخصومة من النظام العام وان المحكمة تقضي بها من تلقاء نفسها دون الدخول في اساسها في اي مرحلة من مراحل الدعوى طبقا للمادة ( 80 ) من قانون المرافعات المدنية التي نصت  :- ( 1- اذا كانت الخصومة غير متوجهة تحكم المحكمة ولو من تلقاء نفسها برد الدعوى دون الدخول في اساسها . 2- للخصم ان يبدي هذا الدفع في اية حالة تكون عليها الدعوى . ) ، فتكون محكمة التمييز الاتحادية الموقرة قد اقرت مبدأ مهم يقضي برحجان كفة توجه الخصومة على قاعدة عدم جواز اضرار الطاعن بطعنه ، لانه مسألة متعلقة بالنظام العام .
                                                                                                                القاضي
                                                                                                        رحيم حسن العكيلي
                                                                                                            اذار / 2012


[1] - د. عيد محمد القصاص – الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية – ط1 – 2005 – دار النهضة العرية – القاهرة – ص545 .
[2] - د. عيد محمد القصاص – المصدر السابق – ص554 .

مدارس الفساد                                                                     
حينما يتجذر الفساد في مجتمع ما ، تسود فيه قيم خاصة تختلف فيما عداه من المجتمعات ، اخطرها ان يقدم صاحب الرصيد البنكي في الاحترام والتقدير على صاحب الرصيد العلمي، بل ان الرصيد العلمي يثير السخرية ، امام رصيد السلطة ولو لمن زور شهادته الدراسية . وتتراجع قيم العمل والانتاج امام قيم الكسب السريع ، وتتدهور قيم العلم والثقافة امام قيم الربح والثروة ، حتى تصبح الاخيرة هي المحرك الاساسي للطبقة السياسية الحاكمة ، ليس لاغراض جمع الثروات غير المشروعة فقط ، بل لضمان البقاء في السلطة او لانتزاعها لاحقا .
ولكن ما هي العوامل الواقعية التي تؤدي الى تجذر الفساد في المجتمعات الى الحد الذي يغير قيمها ؟  
ان القيادات السياسية التي تمارس الفساد اوتدافع عنه او تنكره رغم ادعائها امام الشعب محاربته ،تلك القيادات المجروحة التي لا تكون فوق مستوى الشبهات لدى الشعب ، هي مدارس للفساد والافساد ومعامل منتجة للقيم التي تحتضن الفساد ، وهذه تصنعها و تكون دليلا قاطعا عليها مظاهر معينة ، هي – عينها - عوامل تجذر الفساد في المجتمع . اهمها :-
1-      تقديم السياسة على القانون :- فتصبح الحسابات السياسية بديل عن الحسابات القانونية في حل مشاكل الدولة والمجتمع ، بل حسابات السياسسين واتفاقاتهم ومصالحهم هي الفيصل في تقرير مصير الضالعين بالفساد ، فتتقدم المصالح الحزبية ومقتضيات التوافق السياسي على حساب الدستور والقانون ومصلحة الوطن والشعب ، فلابأس اذا عطل الدستور ما دام الفرقاء السياسيون راغبون بذلك ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة .
2-      تغلب القوة على الحق :- فليس مهما ان تكون على حق او باطل لتنال ما تريد او يمنع عنك ما تريد ، ولكن ان تكون قويا او ضعيفا  ، فأذا كنت قويا اخذت ما شئت ولو كنت على باطل . فذلك يؤدي الى انعدام سيادة القانون ، وشيوع الوعي بغلبة الاقوياء الذين يضربون بالقانون عرض الحائط ، وتظهر منهم طبقة فوق القانون من رؤساء الاحزاب والكتل السياسية والمتنفذين ورجال الاعمال واصحاب الثروة، فلا يستطيع احد مساءلتهم ولو خرقوا الدستور او ارتكبوا ابشع الجرائم او نهبوا الاموال العامة علنا .
3-      غياب عنصر المساءلة :- فأذا أمن الفاسد بانه لن يحاسب عن افعاله ، فان نمو الفساد وتجذره يصبح امرا طبيعيا ، وبلا عوائق او مصدات ، وانما يضعف عنصر المساءلة حينما تكون الرقابة او المساءلة الشعبية منعدمة او ضعيفة ، وحينما تحارب حرية الرأي والاعلام ، وحينما تتبنى الحكومة اسكات اصوات المنتقدين والمعبرين عن ارائهم السلبية بها ، عن طريق ادوات القهر  وانفاذ القوانين التي ينبغي ان تستعمل ضد الفاسدين وليس ضد المنتقدين .
4-      حلول الولاء بدل الكفاءة :- حينما تعتمد القيادات السياسية والادارية على معيار الولاء - سواء اكان الولاء للحزب او الكتلة او الطائفة او الولاء للقائد السياسي او الاداري نفسه -   في التعيين في المناصب القيادية ، حين ذاك يتسلق اليها الانتهازيون وماسحو الكتوف والجهلة والفاشلون وانصاف المتعلمين ، على حساب الكفاءات والمهنيين ، فتغيب القدوة الحسنة ، وتقدم النماذج السيئة - كقيادات مسنودة - لتقتدي الناس بها ، فينتعش الفساد ، وتتوالد مظاهره ، وتتجذر قيمه في المجتمع ، فانما الناس على دين ملوكهم ، فأذا استقامت الحكومة استقام الناس .
5-      انعدام الشفافية :- فحينما تخفي الحكومة الحقائق عن الناس ، وتعمل مؤسساتها خلف الاسوار العالية ، وحينما تدار امور الدولة وتصرف مواردها بطريقة لا يسمح للشعب والاعلام بالاطلاع عليها ، وحينما تخلط الاوراق عليهم ، عن طريق تسيسس ملفات الفساد ، ومنع ملاحقة الفاسدين وتعطيل ومحاربة الرقابة والمساءلة بتوفير الحماية المباشرة وغير المباشرة لممارسات الفاسد ، فأن ذلك انما يلقن الناس درسا في الاحتيال والغدر ،ويؤدي الى فقدان ثقة الناس بالحكومة ، وشيوع مشاعر التذمر والتمرد والانفلات لدى طبقات المجتمع المغلوبة على امرها .
6-      ترهل القيادات السياسية والادارية :- فأذا استمر القادة السياسيون او الاداريون في مناصبهم لفترة طويلة ، فأن ذلك يؤدي الى نمو شبكة المصالح من حولهم ، فيورق الفساد وتنمو جذوره ، ليصبح شجرة شيطانية عظيمة يصعب اقتلاعها .
ان تلك المظاهر والمعايير مؤشرات واقعية لقياس تراجع او تقدم الفساد في بلد ما ، فأذا قامت تلك المظاهر فأنها مؤشرات على استمرار تعاظم الفساد ونموه وتجذره ، اما اذا اختفت كلها او بعضها ، فأن ذلك مؤشر على تراجع الفساد ، فاين نحن في العراق منها ؟    

الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء                                                                         
                                                                           
اثيرت مؤخرا من جهات متعددة مسألة :- امكانية او عدم امكانية قبول ولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء ، فهل يجيز الدستور تولي الشخص نفسه منصب رئيس مجلس الوزراء لاكثر من مرتين ؟
حدد الدستور ما يشترط فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء بالاحالة الى ما يشترط برئيس الجمهورية ، بموجب البند ( اولا ) من المادة ( 77 ) من الدستور التي نصت ( يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية ... ) ، فما هي شروط رئيس الجمهورية ؟
نصت المادة ( 68 ) من الدستور :- ( يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية ان يكون :- اولا - عراقيا بالولادة ومن ابوين عراقيين . ثانيا - كامل الاهلية واتم الاربعين من عمره . ثالثا- ذا سمعة حسنة وخبرة سياسية ومشهودا له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والاخلاص للوطن . رابعا-غير محكوم بجريمة مخلة بالشرف . )
فهذه المادة هي النص الذي حدد فيه الدستور شروط ( المرشح لرئاسة الجمهورية )، واوجب توفر اربعة شروط ليس من بينها ما يوحي بالمنع من الترشح لولاية ثالثة . وهذا هو السند القانوني الذي يستند اليه القائلون بجواز ترشح رئيس مجلس الوزراء لولاية ثالثة ، فلا توجد – عندهم – شروط على منصب رئيس مجلس الوزراء غير ما ورد في هذه المادة ، اي انهم لا يعترفون باي شروط اخرى ولو وردت في نصوص اخرى في الدستور نفسه .
فاصحاب هذا الرأي يتمسكون بالمعنى الضيق لكلمة ( الشروط ) فيصرون على حصر الشروط فيما ورد في المادة ( 68 ) من الدستور التي تحدثت عن شروط ( المرشح لرئاسة الجمهورية ) باعتبارها هي المقصودة بالشروط المطلوبة فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء ، ويرفضون اضافة اي شرط اخر ولو ورد في الدستور في نص اخر .
الا ان هذا الرأي محل نظر ، فالبند ( اولا ) من المادة ( 72 ) من الدستور التي نصت :- ( تحدد ولاية رئيس الجمهورية باربع سنوات ، ويجوز اعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب ) جاءت بشرط اخر في رئيس الجمهورية هو ان لا يكون قد رأس الجمهورية لمرتين سابقتين . فهذا شرط اخر في رئيس الجمهورية نص عليه الدستور ايضا خارج المادة ( 68 ) المذكورة ، لا يجوز – بموجبه – شغل الشخص نفسه منصب رئيس الجمهورية الا مرتين اثنتين فقط ، اي لا ولاية ثالثة لرئيس الجمهورية ، وذلك يعني – بداهة – ان لا ولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء ، ما دام رئيس مجلس الوزراء بنفس شروط رئيس الجمهورية .
اذ لابد من الاخذ بالمعنى الواسع لكلمة ( الشروط ) التي اشارت اليها المادة ( 77 / اولا ) من الدستور ، فتكون شروط رئيس الجمهورية مطلوبة فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء اينما وردت في الدستور ، ولا يقبل حصر الشروط فيما ورد في المادة ( 68 ) من الدستور فقط  ، لان الاخذ بالمعنى الضيق لها ( اي لكلمة الشروط ) و حصر معناها بما جاء في المادة ( 68 ) فقط تبعيض للدستور ، واخذ بعضه وترك البعض الاخر ، وهو محاولة لتفسير الدستور بطريقة من يأخذون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض .
والحقيقة ان الفلسفة - وراء المنع من تكرار تولي المنصب الرئاسي للشخص نفسه لاكثر من مرتين - تبغي تحقيق غايات كثيرة ، اهمها اثنتين :- الاولى هي الحيلولة دون استيلاء شخص ما على الحكم واستمراره به كدكتاتور مستبد متسلط ، اما الغاية الثانية هي المنع من ترهل اعلى مسؤول تنفيذي في منصبه بما يجعله محاطا بحلقة من المصالح الفاسدة وبحلقة من المنتفعين والانتهازيين، وهذا الفلسفة - في النظام السياسي في العراق اليوم - تنطبق على رئيس مجلس الوزراء اكثر من انطباقها على رئيس الجمهورية ، فالأولى تقييد رئيس مجلس الوزراء بذلك  ، لانه الحاكم الفعلي للبلاد الذي يتصور منه ان ينفرد بالحكم ويستولي عليه ويصادر ارادة الشعب  ، فهو الرئيس على  الوزراء وعنده مفاتيح السلطة التنفيذية كلها وبيده اموال الدولة ومواردها الاخرى وعقودها ومشاريعها ، وهو القائد العام للقوات المسلحة ، وهذه سلطات خطرة جدا ، اذا ما وضعت في شخص لا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة ولا بمبادئ الديمقراطية ، فانه من السهل عليه الاستيلاء على السلطة ، ومصادرة الحريات او شرائها اذا شاء ، خاصة في عراقنا العزيز الذي يزخر بكم لابأس به من القانونين المستعدين لتخريج كل ما يريده الحاكم ولو بدمار الشعب والوطن وبخرق الدستور والقانون ومصادرة الحريات والمبادئ مقابل بعض فتات الرواتب والمميزات والمناصب . لذا فان منع الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء- بهذا المعنى – اولى من منع الولاية الثالثة لرئيس الجمهورية .
يضاف الى ذلك ان المادة ( 68 ) المشار اليها - التي يستند اليها اصحاب الرأي بجواز الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء - تحدثت عن شروط ( المرشح لرئاسة الجمهورية ) وليس شروط ( رئيس الجمهورية ) اذ قالت :- ( يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية ... ) ولم تقل :- ( يشترط في رئيس الجمهورية ). في حين ان المادة ( 77 / اولا ) اشترطت في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في ( رئيس الجمهورية ) وليس ما يشترط في ( المرشح لرئاسة الجمهورية ) اذ قالت :- ( يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية ... ) ولم تقل :- ( ما يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية ) ، لذا فأن الشروط الاربعة الواردة في المادة ( 68 ) هي شروط ( المرشح لرئيس الجمهورية ) ، وهي تعد بعض شروط ( رئيس الجمهورية ) وليس كلها ، يضاف اليها- كشروط مطلوبة في رئيس الجمهورية ومن بعده رئيس مجلس الوزراء - ما ورد في نصوص الدستور الاخرى من شروط ، منها عدم الولاية لاكثر من مرتين . فهناك فرق بين شروط ( رئيس الجمهورية ) المطلوبة نفسها في رئيس الوزراء ، وبين شروط ( المرشح لرئيس الجمهورية ) التي نصت عليها المادة ( 68 ) من الدستور .
والنتيجة النهائية فانه يشترط – وفقا لاحكام الدستور - فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء ان لا يكون قد شغل المنصب لمرتين سابقتين . ولا يجوز ان يتولى الشخص نفسه منصب رئيس الوزراء لاكثر من ولايتين ، اي لا ولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء . 
ولابد ان ننبه هنا الى ان اخطر ما في تفسير - من قال بولاية ثالثة  لرئيس مجلس الوزراء - للدستور هو ان ذلك يعني ولايات غير محدودة لرئيس الوزراء ، فلا تقف عند الولاية الثالثة ، بل يصح - بالاستناد الى رأيهم هذا - ان يأخذ ولاية رابعة وخامسة وسادسة ... الخ ، وهذا يقضي فعليا و بشكل نهائي على مبدأ التداول السلمي للسلطة ، لانه يهيأ الارضية الصالحة للاستيلاء على الجهة المعنية باجراء الانتخابات ، ثم تزوير الانتخابات لاحقا لمصلحة ذلك القائد الضرورة الذي لم تنجب الامهات مثلة ليستمر في الحكم مدى الحياة بولايات لا حد لها .
والاخطر من ذلك ، تمادي اصحاب هذا الرأي  الى حد قولهم :- ( ان مجلس النواب لا يستطيع بسلطته التشريعية تقييد ذلك بقانون - اي لا يستطيع تشريع قانون يقيد ولاية رئيس مجلس الوزراء بولاتين - ما دام الدستور لم يقيد ولايات رئيس مجلس الوزراء بولاتين كما فعل مع منصب رئيس الجمهورية  ) وهذا اغرب رأي قانوني سمعته !!!
 ان مجلس النواب بما له من سلطة التشريع يتحرك لتشريع القوانين في كل ما لم ينظمه الدستور ، اي انه يتحرك في الفضاء الواسع الذي لم يتعرض له الدستور ، بشرط وحيد هو ان لا يخالف احكام الدستور ، فمجلس النواب يستطيع ان يشرع ما يشاء من القوانين المقيدة او المنظمة او المنشئة للحقوق او السالبة لها ، وليس من قيد عليه سوى ان لا تكون احكام قوانينه متعارضة مع احكام الدستور ، وبما ان الدستور لم يقيد ولاية رئيس مجلس الوزراء بولاتين فقط – على حد رأي من قال بذلك – فيمكن لمجلس النواب ان يقيده اذا شاء . وهذه من البديهيات التي لا تحتاج الى فتوى .
ومع ذلك فان الدستور قيد – بما لا يقبل الشك - ولاية رئيس مجلس الوزراء بما لا يزيد عن اثنتين ، بدلالة تقييده ولاية رئيس المجمهورية  ، ولا يحتاج مجلس النواب – من وجهة نظرنا - الى اصدار تشريع بذلك ، الا اذا اراد قطع الطريق على الداعين الى خرق الدستور بحرف تفسيره الى غير ما تشير اليه احكامه الصريحة في هذه النقطة .
الا ان القول الفصل في هذه النقطة – اي في قبول ولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء – يبقى للمحكمة الاتحادية العليا بما لها من سلطة تفسير الدستور . 
                                                                                                                   القاضي
                                                                                                          رحيم حسن العكيلي