مهام غير سياسية
وجدت الانظمة القانونية المتحضرة المؤمنة بالقيم الديمقراطية وجوب اخراج
مهام خمس من التجاذبات والصراعات والاغراض السياسية ، وايداعها بيد مهنيين مختصين
مستقلين محايدين ، فكأن الشعب يريد الاحتفاظ بتلك المهام لنفسه ، ولا يريد منحها
للقادة السياسيين ، لانهم الاخطر عليها حينما يتولون السلطة ، فالسلطة مفسدة ، وهي
تغري بالتفرد والاستحواذ على كل شئ والغاء الاخر ، لذلك اخذ الفكر والانظمة
الديمقراطية المتقدمة بضرورة رفع يد السياسيين خصوصا (الممسكين منهم بالسلطة ) عن اشياء او واجبات او
وظائف تعد الاسلحة الاخطر بيدهم ( اي بيد
الممسكين بالسلطة ) ضد الشعب والمعارضة والرأي الاخر ، تلك المهام هي :-
1- نزاهة وحياد ومهنية الانتخابات . ( مفوضية
الانتخابات )
2- حرية التعبير والاتصالات والاعلام . ( هيئة
الاعلام والاتصالات )
3- مراقبة مراعاة حقوق الانسان . ( مفوضية حقوق
الانسان )
4- مراقبة التصرف بالمال العام وملاحقة سراقه
ومختلسيه . ( هيئة النزاهة )
5- السياسية النقدية وسعر الصرف . ( البنك المركزي
)
فلابد من اخراخ اداة تداول السلطة ( الانتخابات ) من يد السياسيين
خصوصا الممسكين منهم بالسلطة التنفيذية ، لانهم قد يزورنها لمصلحتهم للبقاء الدائم
بالسلطة ، وتضرب – بالتالي - قاعدة تداول
السلطة في مقتل ، فالانتخابات هي ملك للشعب ، لانه يعبر بها عن ارادته في مواجهة
الطبقة السياسية ، فلا يجوز له التنازل عنها او تخويله لاحد ، لانها اداته في المساءلة
الانتخابية للطبقة والقادة السياسيين ، فلابد من حرمانهم ( اي السياسيين ) نهائيا
من التدخل في حياد ونزاهة ومهنية الانتخابات او التأثير عليها باي شكل من الاشكال
.
اما الاعلام والاتصالات فانها الاداة الاهم لممارسة حرية التعبير والحق
بتلقي المعلومات ونقلها ونشرها وتداولها وفرض الشفافية في مفاصل الدولة والمجتمع ،
واخطر الجهات على هذا الحق هي الطبقة السياسية الممسكة بالسلطة ، فقد تلجأ السلطة
الى حجب حرية التعبير باغلاق الصحف والمجلات والفضائيات والاذاعات ، وتغلق
الاتصالات بين الناس لتحقيق اغراض ما ضد ارادة الشعب كما فعلت حكومة حسني مبارك في
مصر اثناء ثورة المصريين الاخيرة ، فحرية التعبير والاعلام حق خالص للشعب لابد ان
يحتفظ به لنفسه ، ويخرجه من يد ( الطبقة السياسية ) خصوص الممسكين بالسلطة منهم
لانهم الاخطر على هذا الحق ، ويودع ادارتها الى مهنيين مختصين محايدين غير مسيسين
يضمنون تنظيم العمل وممارسة تلك الحقوق دون سلبها او التأثير عليها سلبا باي شكل من الاشكال .
كذلك ( مراقبة ) احترام حقوق الانسان ، فغالبا ما يلجأ الممسكون بالسلطة
الى انتهاك حقوق الانسان متى ما تعارضت تلك الحقوق مع مصالحهم ، بل قد يلجئون الى
تلك الانتهاكات متى شعروا بخطر ما على نفوذهم السياسي او مناصبهم ، فيلقون بالمعارضين
في السجون ، ويسومونهم سوء العذاب ، او يصفونهم جسديا ، ويعطلون حرية التعبير ، وحق التظاهر ، وغيرها من الانتهاكات ، والحقيقة
ان انتهاكات حقوق الانسان هي ليست في غالبها الا تعدي ( الممسكون بالسلطة ) على
افراد الشعب وحقوقهم ، لذلك توجب ان تبقى ( اي مراقبة حقوق ) بيد الشعب فيحتفظ بها
لنفسه ، يمارسها بادوات مستقلة محايدة لا
تأثير للممسكين بالسلطة عليها .
وكذلك يتوجب اخراج ( مراقبة ) التصرف بالمال العام وملاحقة المفسدين وسراق
المال العام من ايدي السياسيين خصوصا الممسكين بالسلطة التنفيذية منهم ، لان المال
حصن واداة للتشبث والبقاء بالسلطة ، وقد تتنافس الطبقة السياسية على سرقة المال
العام لتتقوى به على غيرها في التنافس المحموم على المناصب والانتخابات ، ومن غير
المنطقي ان تتحكم الطبقة السياسية بالمال العام ، وتراقب نفسها في ذلك ، فالرقابة
وملاحقة المفسدين يجب ان تكون للشعب بادوات من المهنيين المختصين المستقلين
المحايدين غير المسيسين ، ولا تأثير للطبقة السياسية كلها عليهم في اعمالهم .
اما استقلال السلطة التي تضع ( السياسية النقدية ) وتدير امور سعر الصرف ،
فأن التعارض بين مقتضيات ( السياسة المالية ) التي تضعها وتنفذها الحكومة ، وبين (
السياسة النقدية ) واثر كل منهما على الاخر ، ومقتضيات الحفاظ على سعر مستقر للصرف
، والحفاظ على احتياطي الشعب دون ان
تستولي عليه الحكومة لتنفيذ ( سياستها المالية ) ، التي قد تهدف الى تحقيق اغراض
سياسية او انتخابية ضيقة ، الا انها قد تضر بالاقتصاد وبحقوق الاجيال ، هذه وغيرها
هي الضرورات التي توجب ادارة ( السياسية النقدية ) بشكل مستقل عن الحكومة ، وان
تودع بايدي فنيين مهنيين مستقلين لايد
للحكومة عليهم وعلى اعمالهم .
لذلك فقد اودعت تلك المهام الخمسة في الانظمة القانونية الديمقراطية
المتقدمة الى جهات مستقلة استقلالا كاملا ، ومنعت الطبقات السياسية من التدخل او
التأثير في اعمال المهنيين الذين يديرونها ، وهذا ما فعله دستور جمهورية العراق
لعام 2005 ، حيث اودع تلك الوظائف الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات
والمفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان وهيئة النزاهة وهيئة الاعلام والاتصالات
والبنك المركزي العراقي وهي جميعا هيئات مستقلة استقلالا كاملا ، يفترض عدم تدخل
جميع السلطات والجهات في الدولة والطبقات
السياسية والحزبية في عملها .
ان الهيئات المستقلة هي الضمانة الحقيقة لبناء ديمقراطي صحيح ، وهي المصد
الاول لمنع قيام دكتاتورية حزب او فرد او جماعة ، وهي الاساس لقيام دولة يحكمها
القانون ، ولكنها لا يمكن ان تقوم بتلك المهام الا اذا ضمن لها استقلالها الكامل ،
وان تقوم علاقاتها مع غيرها على اساس التنسيق والتعاون والتكامل وليس على اساس خضوعها
او ارتباطها باية جهة اخرى .
القاضي
رحيم حسن العكيلي
30 / 4 / 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق