الجمعة، 17 أغسطس 2012


تجريم ارتشاء ابو الكباب
                                                                                 القاضي
                                                                               رحيم حسن العكيلي
وضعنا عام 2010 مشروع قانون لمكافحة الفساد يستجيب لبعض متطلبات اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها العراق عام 2007 ومن بين نصوصها نصا يجرم الرشوة في القطاع الخاص ، وحينما عرض على مجلس الوزراء - لاقراره كمشروع قانون لعرضه على مجلس النواب - شكل لجنة لدراسته واعادة النظر فيه ، فاعترض احد القانونيين في اللجنة  مستهزءا ( وما علاقتنا برشوة ابو الكباب ، وما شأننا في الفساد في القطاع الخاص ) ، و وافقه الاخرون بشدة ، فعلمت حين ذاك مستوى علم من اتعامل معهم  .
وحدثتهم انه حصل ان تبرعت احد المنظمات الدولية بكراسي متحركة للمعوقين وسلمتها الى منظمة مجتمع مدني عراقية لتوزيعها على المستحقين مجانا ، فاستغل بعض العاملين في منظمة المجتمع المدني العراقية الامر ، فاشتراطوا على المعوق دفع خمسين الف دينار لادخال اسمه ضمن المستحقين .
ومن وجهة نظر قانونية فأن فعل هؤلاء فعل مباح غير مجرم في التشريع العراقي اذ لا وجود لجريمة الرشوة في القطاع الخاص .
واستعانت وزارة التخطيط بشركة خاصة لاجراء فحوصات التقيسس والسيطرة النوعية على البضائع الداخلة للعراق ، فلو اخذ الموظف رشوة في مقابل امرار البضاعة الداخلة بلا فحص او خلافا للتعليمات فيعد فعله مباحا لا اشكال فيه .
وكانت النية في الاستعانة بشركة خاصة في مواضيع اجازات تسجيل السيارات ( السنويات ) وارقام المركبات ، ولو تعاطي موظف تلك الشركة رشاوى لامرار او تسهيل بعض المعاملات فلا يحق لاحد ملاحقته عن جريمة الرشوة لانه لا يحمل صفة الموظف ولا المكلف بخدمة عامة ، وانما تنحصر جريمة الرشوة في القانون العراقي بالموظفين والمكلفين بخدمة عامة .
وحدثت ( ابو الكباب ورفاقه ) بان قوانين اجنبية وعربية تجرم بعض مظاهر الرشوة في القطاع الخاص بنصوص خاصة ، قبل ان تدعو اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد الى تجريمها وبطريقة اوسع بكثير مما تتطلبه الاتفاقية  ، اذ نصت المادة ( 106 ) من قانون العقوبات المصري – المنقولة عن الفقرة الخامسة من المادة ( 177 ) من قانون العقوبات الفرنسي – على ما يلي :- ( كل مستخدم طلب لنفسه او لغيره او اخذ وعودا او عطية بغير علم مخدومه ورضائه لاداء عمل من الاعمال المكلف بها او للامتناع عنه ، يعتبر مرتشيا ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة مالية لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه ) .
فهذه المادة تعاقب المستخدمين المرتشين ، ولم يستلزم النص صفة خاصة في المستخدم  فيصح ان يكون مستخدما في شركة تجارية او صناعية او زراعية او محل تجاري وما شابه ([1]) ، وهو نص تجاوز ما تريده الاتفاقية التي اكتفت بالدعوة الى تجريم الرشوة في كيانات القطاع الخاص كالشركات والبنوك ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات والنوادي ...الخ .
وتشترط المادة ( 177 ) من القانون الفرنسي في تجريم ارتشاء المستخدم ان يكون من العاملين باجر ، وان كان لا يهم وسيلة دفعه سواء نقدا او عينا او نصيبا من الارباح ، ولا مواقيت الدفع كأن يكون يوميا او شهريا او اسبوعيا او سنويا . ولا يشترط وجود عقد عمل بل يكفي مجرد التكليف باجر ، كما لا يشترط دائمية العلاقة بالعمل .
وعاقبت المادة ( 22 ) من قانون العقوبات المصري ( الاطباء والجراحين ومن في حكمهم ) ممن يعملون في مهنة حرة اذا طلبوا لانفسهم او لغيرهم او اخذوا وعودا او عطايا لاعطاء شهادات او بيانات مزورة بشأن حمل او مرض او عاهة او وفاة ... باعتبارهم مرتشين  ، وتلك الجريمة هي جريمة مختلفة عن جريمة تزوير تلك الشهادات او البيانات الطبية ، فلو ضبط الطبيب - الذي يعمل لمصلحته في عيادته - وهو يطلب مبلغا لاعطاء تقرير طبي على خلاف الحقيقية فأنه يعد مرتكبا لجريمة الرشوة  ، ولو كان لا ينوي اعداد الشهادة المطلوبة ، وهذا شكل من اشكال الرشوة في القطاع الخاص ، يتضمن محتو اوسع بكثير مما تتطلبه الاتفاقية .
وعدت المادة ( 298 ) من قانون العقوبات المصري  الشاهد الذي يقبل عطية او وعدا بشئ ما لاداء شهادة الزور مرتشيا وفرضت عليه العقوبة الاشد من عقوبتي الرشوة او شهادة الزور  ، وهذه صورة اخرى للرشوة في القطاع الخاص وتقع الجريمة بها كاملة ولو لم يشهد الشاهد  زورا . وهي ايضا تتضمن توسعا عما دعت الاتفاقية الى تجريمة من مظاهر الرشوة في القطاع الخاص .
أن عدم الانصاف والظلم واضح في الكثير من الممارسات التي تعد من صور الرشوة في القطاع الخاص مثل تجاوز الدور في عيادات الاطباء في مقابل رشاوى تدفع للواقفين بابوابهم على حساب معاناة اخرين من المرضى ممن يعجزون عن دفع مبالغ مماثلة وهو تصرف مرفوض اجتماعيا واخلاقيا ولابد من مواجهته .لكن فقهائنا من وعاظ السلاطين في العراق لم يمر ببالهم من مظاهر الرشوة في القطاع الخاص سوى ( ارتشاء ابو الكباب ) لذا رفضوا بشدة امرار النص ، رغم انني حدثتهم بكل ما ذكرته هنا .
فاكتشفت حينها اننا في العراق لا نعاني من انعدام الارادة السياسية لمكافحة الفساد فحسب ، بل نعاني ايضا من انعدام الارادة الفنية لصياغة الاطر القانونية الملائمة بسبب تدني المستوى العلمي  لبعض اشباه القانونيين الذي يتحكمون بالبلاد والعباد ، بل ويتلاعبون بقادة البلاد ايضا  .
ان مكافحة الفساد في القطاع الخاص لا تقل اهمية عن مكافحة الفساد في القطاع العام ان لم تكن اهم منها ، بل ان معظم الفساد في القطاع العام انما يتسرب اليه من ممارسات القطاع الخاص ، وانما يشترك الفاسدون في القطاعين غالبا لامرار سرقاتهم وتقاسم الغنائم ، لذا فأن الاتفاقية تركز على معالجات الفساد في القطاع الخاص طريقة مماثلة لتعرضها لمعالجة الفساد في القطاع العام .
وعموما فأن القصد من تجريم الرشوة في القطاع الخاص - وفقا لما تنص عليه الاتفاقية - هو حماية كيانات القطاع الخاص نفسها من الافعال غير المشروعة للعاملين فيها ، وحماية المتعاملين مع تلك الكيانات - كالشركات والمصارف ومنظمات المجتمع المدني - التي قد تتولى القيام بمهام عامة ذات مساس مباشر بالناس وحقوقهم  .
فهل سنجرم ( الرشوة في القطاع الخاص ) ام ان نظرية ( ابو الكباب ) هي الراجحة .

                                                                                                          القاضي
                                                                                                  رحيم حسن العكيلي
                                                                                                      اب / 2012
.


[1] - د . كامل السعيد – شرح قانون العقوبات – الجرائم المضرة بالمصلحة العامة – دراسة تحليلية مقارنة – ط1 – الاصدار الاول – 2008 – دار الثقافة للنشر والتوزيع – عمان – وسط البلد – ص432 و433 

دفع الاخر للانتحار
جريمة لا يعاقب عليها القانون العراقي الاتحادي
                                                                                               القاضي
                                                                                                     رحيم حسن العكيلي
وجد شاب - يعمل في تشغيل مولدة كهربائية - مقتولا قربها ومسدس في يده ، وثبت من خلال الفحصوصات الطبية على جثته وفحوصات المسدس بانه انتحر بمسدسه باطلاق طلقة واحدة في رأسه  ، وثبت من التحقيقات بان زوجته كانت على علاقة غير مشروعة مع رجل اخر ، وزوجها المنتحر يعلم بذلك ، وعند تفريغ محتويات هاتف الزوج وجدت رسائل ( sms ) من هاتف عشيق زوجته يعلمه فيه بانه يزني بزوجته ويصف له افعال الزنا والعلامات في جسدها كوجود شامة في مكان ما وغيرها ، فأدانت المحكمة عشيق الزوجة عن ( جريمة الضرب المفضي للموت ) وفق المادة ( 410 ) من قانون العقوبات.
وفي حادثة اخر اغتصب شاب زوجة اخيه في دارها ، فسكبت - حال انتهاءه من اغتصابها - النفط على نفسها واشعلت فيها النار فتوفيت متأثرة بالحروق الشديد التي اصابتها .
وحدثني احد الاخوة العاملين في الامم المتحدة بان السطات المعينة في بعض الدول الغربية درست بعض حالات انتحار المراهقين في المدارس ، فوجدت بانها كانت بسبب ضغوطات وتصرفات يمارسها زملائهم ضدهم مما يدفعهم الى الانتحار ، كأن يتعمد زملاء المدرسة ضرب زميلهم يوميا ، او خلع ملابسه ، او تمزيقها ، اومنعه من اللعب معهم ، او السخرية منه ، او اخذ مصروفه او اخذ طعامه ، او اتلافه ، بشكل يومي ، فيلجأ الى الانتحار لشعوره بالعجز عن مواجهة تلك الضغوط والتصرفات ، حينما تعجز المؤسسة التربوية عن مساعدته ، ويهمله او لا يكثرث به ابواه ، او يعجز عن مصارحتهم بما يتعرض له لانهم يكذبونه او يوجهون اللوم اليه .
ويقع في مجتمعاتنا ان تضغط زوجة الاب على اولاده من مطلقته او ارملته - خصوصا اذا كانوا من الاناث - بطريقة غير انسانية وقد يدفعهم ذلك الى الانتحار ([1]).
وتلك الصورة الاربعة تمثل نماذج من ظاهرة ( دفع الاخرين الى الانتحار ) او ( التسبب في انتحار الاخر ) وهي صورة بشعة من صور العنف في المجتمع  ضد عينة من اصناف فئاته المختلفة سواء اكانوا من الاطفال او الشباب او النساء او المسنين  ، ولا يخلو منها مجتمع في العالم ، مع اختلاف مستوى ظهورها وحجم ممارستها ، واسبابها ، ودوافعها ، وشجاعة المجتمع في الاعتراف بوجودها ومدى جديته في مواجهتها .
ومن اهم وسائل دفاع المجتمعات ضد هذا النوع من العنف القاسي - غير المبرر - هو تجريم هذا النوع من الافعال باعتبار ان ذلك خير وسيلة قانونية لمنع الناس من التورط فيها .
وفي حدود ما يتعلق بنا في العراق فأن قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 قد جرم فعلين اثنين مرتبطين بالانتحار هما ( التحريض على الانتحار ) و ( المساعدة على الانتحار ) فقط  ، ولا تعد الجريمة قائمة الا اذا وقع الانتحار او شرع الشخص بقتل نفسه ، اما اذا استمر المحرض على تحريض الاخر لينتحر ولو كان صغيرا او ناقص الادراك او الارادة كالمجنون والمعتوه ، ولكن المحرض لم ينتحر ولم يحاول الانتحار ( يشرع في الانتحار ) فلا جريمة بالموضوع ولو استمر صاحبنا في التحريض على الانتحار الى ما لا نهاية ، وكذلك لو ساعده بان احضر له الاداة التي ينتحر بها كأن اعطاه مسدسا ليقتل نفسه او شد له الحبل الذي سيشنق نفسه به ، او احضر له السم ليشربه ، فأن فعله مباحا ما لم يقوم الشخص المعني بقتل نفسه او ان يحاول قتلها .
اما الصورة التي ذكرناها المتعلقة بدفع اخر للانتحار او التسبب في انتحار اخر ، فلا  تعد من صور التحريض على الانتحار ولا من صور المساعدة عليه ، لذا فانها غير مجرمة وفقا للقانون العراقي ، رغم بشاعة هذه الجريمة وخطورتها على من تقع عليه ، وهي اقرب الى اخطر الجرائم واقدمها ( جريمة القتل العمد )، فمن يتسبب في انتحار اخر ، او يدفعه بافعال غير مشروعة على الانتحار ، هو اقرب الى القاتل منه الى شئ اخر .
ورغم ان محكمة الجنايات حكمت على عشيق الزوجة - في النموذج الاول من جرائم دفع الاخر للانتحار - وفق جريمة الضرب المفضي الى الموت المنصوص عليها في المادة ( 410 ) من قانون العقوبات ، الا ان مرتكبي افعال ( دفع الاخرين للانتحار ) في النماذج الثلاث الاخرى لم يتخذ ضدهم اي اجراء لان القانون النافذ لا يجرم افعالهم ، فلا يجرم قانوننا العقابي افعال دفع الاخرين للانتحار او التسبب في انتحارهم  .
ومع احترامنا لرأي محكمة الجنايات في ادانة عشيق الزوجة - الذي انتحر زوج عشيقته بسبب علاقته غير المشروعة بزوجته ورسائله في وصف جسدها ووصف افعال الزنا بها – عن جريمة الضرب المفضي الى الموت ، فأننا نختلف معها لان هذه الجريمة لا تنطبق نهائيا على فعل المتهم ، ولو ان النص جاء بالقول :-
( من اعتدى عمدا على اخر بالضرب .... او بارتكاب اي فعل اخر مخالف للقانون ، ولم يقصد من ذلك قتله ، ولكنه افضى الى موته ... )
فيبدو لاول وهله ان فعل العشيق يدخل في عموم قول النص ( او بارتكاب اي فعل اخر مخالف للقانون ) باعتبار ان زنا العشيق بزوجة المنتحر وارساله الرسائل اليه فعل مخالف للقانون ادى الى موته ، ولكن ذلك غير صحيح لانه يشترط لقيام ( جريمة الضرب المفضي الى الموت ) ان يكون فعل الجاني ماسا بسلامة جسد المجنى عليه او صحته ، وصالحا في حد ذاته في تحقيق الوفاة ، في حين ان الفعل المخالف للقانون الذي ارتكبه العشيق وهو الزنا وارسال رسائل ( sms ) لا يعد ماسا بجسد المنتحر ، ولا تصلح نهائيا لتحقيق وفاته ، فلا يمكن ان يصلح الزنا بالزوجة لتحقيق وفاة الزوج مهما تكرر ، ولا يصلح ارسال الرسائل بالهاتف النقال لتحقيق الوفاة نهائيا .
فيتوجب لتجريم فاعل ما ان تكون الجريمة ناتجة عن سلوكه الاجرامي وفقا لنص المادة ( 29 / 1 ) من قانون العقوبات ، ولا يمكن ان يقال ان موت الضحية كان نتيجة سلوك عشيق زوجته ، لان موته كان نتيجة اطلاقه النار على نفسه من مسدسه .
لكن الفعلين الذين ارتكبهما عشيق الزوجة يصلحان لترك اثر نفسي قاسي على الزوج المنتحر ، انما يظللان غير صالحين لتحقيق الوفاة ، وبالتالي لا تقوم جريمة الضرب المفضي الى الموت في فعل العشيق .
 لكن الزنا بالزوجة وارسال الرسائل باوصاف مواقعتها وعلامات جسدها الفارقة ، اثرت في الضحية نفسيا وشكلت ضغطا شديدا عليه فادى به الى قتل نفسه ، ففعل الضحية هو من ادى الى الوفاة وليس فعل العشيق . ولكن العشيق بافعاله دفع الضحية الى الانتحار او تسبب في انتحاره .
لذا فأن افعال العشيق التي دفعت الضحية للانتحار غير مجرمة لعدم انطباق اي نص عقابي عليها ، وهو لا يمكن ان يلاحق عن جريمة الزنا لان هذه الجريمة لا تحرك الا بشكوى الزوج ، الذي قتل نفسه قبل ان يحرك الشكوى عن جريمة زنا الزوجية ، فلا يمكن قانونيا تحريكها من بعده .
وما نريد قوله في النهاية هو ان افعال ( دفع الاخرين للانتحار ) او ( التسبب في انتحارهم ) غير مجرمة في القانون الاتحادي العراقي ، ولا يمكن ملاحقة مرتكبيها التزاما بالقاعدة الدستورية العامة ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ) ([2])، الا ان اقليم كوردستان عالج هذا الموضوع – بفضل صلاحياته الاقليمية – مرتين :-
المرة الاولى :- حينما اوقف – بموجب القانون رقم ( 42 ) لسنة 2004 نفاذ المادة ( 408 / 1 ) من قانون العقوبات واحل محلها الاتي :- ( يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات من حرض شخصا او ساعده باية وسيلة على الانتحار او تسبب فيه ، اذا ما تم الانتحار بناء على ذلك ، وتكون العقوبة الحبس في حالة الشروع ) .
فاقليم كوردستان جرم فعل ثالث اضافة الى الفعلين الموجودين بالنص الاتحادي ( التحريض والمساعدة ) هو ( التسبب في الانتحار ) ، وهذا يستوعب فروض دفع الاخر على الانتحار بنماذجه المختلفة التي ناقشناها في هذا المقال .
المرة الثانية :- حينما جرم ( الانتحار اثر العنف الاسري ) كصورة من صورة العنف الاسري في المادة الثانية من قانون مناهضة العنف الاسري في اقليم كردستان رقم ( 8 ) لسنة 2011 . ورغم ان صياغة النص لم تكن موقفة بهذه العبارة الا ان ارجاعها الى اصلها باعتباره صورة من صور العنف الاسري وفق تعريفه في المادة الاولى من القانون ([3])، يجعل النص مستوعبا لفروض الانتحار بسبب ضغوطات العنف داخل الاسرة .
الا ان هذين النصين لا يطبقان الا في حدود اقليم كوردستان فقط ، مما يتطلب اصدار قوانين من مجالس المحافظات طبقا لصلاحياتها الدستورية ، او تعديل قانون العقوبات الاتحادي بما يضمن تجريم افعال ( دفع الاخر للانتحار ) او ( التسبب في انتحاره ) .   
                                                                                                             القاضي
                                                                                                       رحيم حسن العكيلي
                                                                                                           اب / 2012


[1] - في واحدة من ابشع حوادث بغداد حرضت الزوجة الاب على طفلته من زوجته السابقة البالغة من العمر ثمان سنوات ، ونتيجة ضغوطات الزوجة المتكررة  عليه  وشكواها من الطفلة ، قام في احد الايام بتعليقها ( اي الطفلة ) في جدار البيتونة واخذ بضربها بشكل متكرر لثلاثة ايام بانبوب بلاستيكي ( صوندة ) بلا طعام ولا شراب حتى فارقت الحياة دون ان يشعر بها احد . فحكم عليه بالسجن المؤبد .
[2] - نصت المادة ( 19 / ثانيا ) من الدستور :- ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، ولا عقوبة الا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة ) ونصت المادة ( 1 ) من قانون العقوبات :- ( لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون . ) .
[3] - عرفت المادة الاولى من قانون مناهضة العنف الاسري في اقليم كوردستان رقم ( 8 ) لسنة 2011 :- ( ثالثا :العنف الاسري : كل فعل او قول او التهديد بهما على اساس النوع الاجتماعي في اطار العلاقات الاسرية المبنية ([3]) على اساس الزواج او القرابة الى الدرجة الرابعة ومن تم ضمه الى الاسرة قانونا من شأنه ان يلحق ضررا من الناحية الجسدية والجنسية والنفسية وسلبا لحقوقه وحرياته .

الخميس، 2 أغسطس 2012


تعليق على قرار :- لا تعويض للمتضررين الاجانب
في قانون هيئة دعاوى الملكية
                                                                                              
انتهت هيئة الطعن التمييزي في هيئة دعاوى الملكية في رأيها الاستشاري المرقم 9 / 748 في 26 / 4 / 2012 بعدم استحقاق الاجانب للتعويض عن عقاراتهم التي صادرها او استولى عليها النظام السابق دون وجه حق ، بقولها في الرأي المذكور :-
( تبين بان المدعية ( ل . ط . ص ) سورية الجنسية وقد حكم لها بالتعويض رغم ذلك ، خلافا لاحكام قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010 ، الذي جاء لضمان حقوق المواطنين ، وان مفهوم المواطن ينصرف الى الاشخاص اللذين يحملون الجنسية العراقية ، وحيث ان طرق الطعن قد استنفذت ( التمييز والتصحيح ) لذا نرى عرض الموضوع على رئاسة الادعاء العام لامكانية الطعن لمصلحة القانون في القرار الصادر بالتعويض خلاف القانون ،اذا تبين لها ذلك وفقا لاحكام المادة 30 / ثانيا / أ من قانون الادعاء العام .... ) .  
ملخص الوقائع :-
1-     حكمت محكمة الثورة ( الملغاة ) على زوج ( ل . ط . ص ) العراقي الجنسية بالاعدام ومصادرة امواله وغير المنقولة وفقا للمادة ( 164 ) من قانون العقوبات .
2-     حكمت اللجنة الاقليمية الاولى في الرصافة الثانية / هيئة دعاوى الملكية بالعدد 495753 في 7 / 10 / 2007 لاولاد المالك بمبلغ ( 761,100,000 ) دينار تعويضا لهم عن قيمة عقار والدهم المصادر . ثم حكمت بالعدد ( 495753 / ت2 / 2008 ) في 17 / 6 / 2008 لزوجته ( ل . ط . ص ) بمبلغ ( 190,275,000 ) دينار التي تمثل حصتها من تلك القيمة ، واكتسب القرار الدرجة القطعية بتصديقه تمييزا وتصحيحا .
3-     حين تنفيذ القرار وجد بان زوجة المالك سورية الجنسية . فامتنعت الهيئة عن صرف المبلغ المحكوم به لها بحجة ان التعويض لا يستحقه غير العراقيين . وعرضت الامر على الهيئة التمييزية لديها ، فاصدرت قرارها الاستشاري محل التعليق .
النقاط التي يثيرها القرار :-
1-     هل يستحق الورثة الاجانب للعراقي - المنتزع عقاره ظلما من النظام السابق - تعويضا وفقا لقانون هيئة دعاوى الملكية ؟
2-     هل يقبل القرار ( القاضي بتعويض الاجنبية ) الطعن عليه لمصلحة القانون ؟
وسنناقش هاتين النقطتين في بندين :-
اولا :- مدى استحقاق الوارث الاجنبي للتعويض عن عقار مورثه العراقي المصادر :-
انتهت الهيئة التمييزية الموقرة في هيئة دعاوى الملكية الى عدم استحقاق غير العراقيين للتعويض طبقا لاحكام قانون هيئة دعاوى ، ولو كان مورثهم الذي انتزع عقاره عراقيا ، استنادا الى ان قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010 الذي انما جاء لضمان حقوق المواطنين  وهم حاملي الجنسية العراقية فقط .
ولا نتفق مع هذا الرأي بخصوص الواقعة محل البحث من الجهات الاتية :-
1-     ان قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010 نص في مادته ( 2 ) :- ( يهدف هذا القانون الى ما يأتي :- اولا :- ضمان حقوق المواطنين الذين انتزعت عقاراتهم خلافا للقانون . ... ) فالنص الحق وصف ( المواطنين ) بوصف اخر هو ( من انتزعت عقاراتهم ) لذا فأن ( المواطنة ) شرط فيمن انتزع عقاره ، وليس شرطا في ورثته . فأذا كان من انتزع عقاره عراقيا ، شلمه القانون باحكامه ولو كانت ورثته الحقيقيين او الظاهريين من الاجانب . لذا فاننا لا نتفق مطلقا مع قرار هيئة الطعن التمييزي في هيئة دعاوى الملكية حينما انتهت الى عدم استحقاق زوجة المعدوم السورية لحصتها في التعويض من قيمة عقار زوجها المصادر ، استنادا الى شرط المواطنة .
2-     يقع كثيرا ان يكون من انتزع عقاره عراقيا الا ان ورثته من العراقيين والاجانب ، فلو حكم برد ملكية العقار اليه واعادة تسجيله باسمه بالقيد الذي كان مسجلا به وقت انتزاعه منه ، فهل يستحق ورثته جميعا الملكية عراقيين واجانب ام يقتصر على العراقيين فقط ؟ لا شك ان الجواب هو شمول الورثة جميعا عراقيين واجانب ، كل بحسب سهامه في القسام الشرعي . والا فأن عدم شمول الورثة ممن لا يحملون الجنسية العراقية يعني الحكم باعادة العقار جزئيا في حدود سهام الورثة العراقيين ، وترك سهام غير العراقيين من الورثة المالكي الحالي للعقار ، وهي نتيجة غير منطقية . لذلك فأن الزوجة السورية في الواقعة محل البحث كانت ستستحق حصتها من ملكية العقار اذا ما اعيدت ملكيته ، فلماذا – اذن – تحرم من حصتها من القيمة اذا حكم بالتعويض بدل عن اعادة الملكية ، رغم انها تستحق الملكية - لو حكم باعادتها - وهي اقوى من القيمة  ؟
3-     لم يستعمل القانون لفظ ( المواطن ) او ( المواطنين ) حينما اشار الى التعويض ، بل استعمل لفظ اعم هو ( المالك الاصلي ) مثل المادة ( 7 ) من قانون الهيئة رقم 13 لسنة 2010 الذي نص :- ( ثانيا :- اذا كان العقار المصادر او المستولى عليه مخصصا للنفع العام او لاغراض خيرية فيعوض المالك قيمة العقار ... ثالثا :- .. ب – احتفاظ المالك الاخير بالعقار وتعويض المالك الاصلي قيمة العقار ... ) .  وفي ذلك مدلوين مهمين ، المدلول الاول انه امر بتعويض المالك الاصلي ، وهذا لفظ عام يشمل الوطنيين والاجانب ولو اراد حصره بالمواطنين لاستعمال لفظ ( المواطن ) بدل ( المالك الاصلي ) ، اما المدلول الثاني فهو ان القانون حينما امر بتعويض المالك الاصلي فهو انما يقصد مالك العقار الذي انتزع منه ، وليس ورثته او اصحاب حقوق الانتقال عنه ، بل ان القانون لم يتبنى النص على التخيير بينهما فلم ينص ( بتعويض المالك الاصلي او رثته ) بل امر بتعويضه هو ، لذا فأن ( المواطنة ) وصف يشترط ( في المالك الاصلي ) وليس في ورثته ، لان التعويض انما امر به القانون لمالك العقار الاصلي ، وانما ينتقل منه الى ورثته ارثا او انتقالا  وفقا لقواعد الارث والانتقال المنصوص عليها في القوانين المعنية ، ولا علاقة لها بموضوع المواطن المنصوص عليه في قانون هيئة دعاوى الملكية .
4-     ان الحكم بتعويض الزوجة السورية عن عقار مورثها العراقي صدر بتاريخ 17 / 6 / 2008 في دعوى اقيمت قبل هذا التاريخ حتما ، الا ان الحكم فيها اكتسب درجة البتات بتاريخ 15 / 12 / 2010 ، ومعنى ذلك ان الدعوى اقيمت وصدر الحكم فيها في ظل قانون هيئة حل نزاعات الملكية العقارية رقم 2 لسنة 2006  الملغى، فهو القانون الواجب التطبيق عليها لان العبرة فيما يطبق على الدعاوى من القوانين هو بالقانون النافذ وقت اقامة الدعوى ، ولا يرد في ذلك القانون نص يقيد احكامه بحصر انصافه بالوطنيين ، كما فعل القانون الحالي ، اذ جاءت نصوصه عامه تشمل في اطلاقها الوطننين والاجانب ، بل ان اسبابه الموجبة كانت قاطعة الدلالة في شمول الوطنيين والاجانب بقولها :- ( ان الغاية الاساسية من مشروع القانون هي ضمان الحماية القانونية للناس كافة ... )  فهي قانون لانصاف الناس كافة ممن انتزعت عقاراتهم خلاف الانصاف ولاغراض سياسية او طاءفية او عرقية دينية او نتيجة سياسات التهجير العرقي او الطائفي او القومي . فكان يتوجب اعطاء الرأي في استحقاق الزوجة السورية للتعويض في ضوء احكام هذا القانون لا في ضوء احكام قانون الهيئة رقم 13 لسنة 2010 والتي لا شك ولا نزاع في استحقاق الاجنبي – وفقا لاحكامها الصريحة - ما يستحقه العراقي .
5-     ليس من الانصاف بشئ حرمان الاجانب من حقهم في اعادة ملكية عقاراتهم او تعويضهم عنها ،  برغم الاقرار بان النظام السابق انتزعها منهم بلا وجه حق ، فذلك يعد انتهاكا صارخا لحقوق الانسان ، وخرق للمبادئ الدستورية التي تقضي بان الملكية الخاصة مصانة ، ولابد للقضاء حينما يمارس دوره في تفسير النصوص القانونية ان يميل بتفسيراته الى ما ينصف الناس ، ويتبنى من الحلول ما يقرب معاني النصوص القانونية من الاحكام الدستورية وبما يؤمن توافقها مع مبادئ الدستور العامة ومع المعايير الدولية ، اما حرف تفسير النصوص القانونية باتجاه ابعادها عن القواعد الدستوية والمعايير الدولية ،خصوصا معايير حقوق الانسان ، فأن ذلك سيؤدي حتما الى ظلم الناس واهدار حقوقهم .
ثانيا :- هل يقبل القرار الصادر للسورية - بتعويضها عن عقار مورثها العراقي - الطعن عليه لمصلحة القانون ؟
صدر القرار للزوجة السورية الجنسية بتاريخ 17 / 6 / 2008 من اللجنة القضائية الاولى في الرصافة الثانية التابعة لهيئة دعاوى الملكية ، وكانت محكمة التمييز قد استقرت على عدم جواز الطعن في قرارات اللجان القضائية الاقليمية التابعة لهيئة دعاوى الملكية لمصلحة القانون باعتبار ان هذا الطعن الاستثنائي الخاص ينحصر في ثلاث اصناف من القرارات فقط وفقا لنص المادة ( 30 / ثانيا / أ ) من قانون الادعاء العام ، ليس من بينهما القرارات الصادرة من اللجان ، ولو كانت برئلسة قاضي ، ما دامت لا تعد صادرة من محكمة او مدراء دوائر القاصرين او المنفذين العدول وفق صراحة النص المذكور ، اذ قضت الهيئة العامة في محكمة التمييز بالعدد 430 / طعن لمصلحة القانون / 2009 في 16 / 9 / 2009 :- ( ... الاصل ان الاحكام والقرارات المكتسبة الدرجة القطعية تكون واجبة التنفيذ ولا يصح سلوك اي طريق اعتيادي للطعن فيها باستثناء طريق الطعن لمصلحة القانون  ، فهذا الطريق يعتبر كاستثناء للقاعدة العامة والاستثناء لا يجوز القياس عليه والتوسع فيه ، ولما كان قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 قد بين بالمادة 11 منه انواع المحاكم ولم يعتبر اللجان القضائية من التشكيلات القضائية وبما ان المادة 30 من قانون الادعاء العام قد اجازت الطعن لمصلحة القانون باحكام وقرارات المحاكم فلا يسري ذلك على اللجان القضائية طالما لم يرد ذكرهاا بالمادة المذكورة .. نستخلص مما تقدم ان اللجان القضائية ومنها اللجنة المختصة بالنظر في دعاوى الملكية العقارية لا تخضع القرارات التي تصدرها الى طريق الطعن لمصلحة القانون .. ) ([1]).
الا ان الحكم المذكور لم يصدق تمييزا الا بتاريخ 15 / 12 / 2010  اي بعد نفاذ قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010 الذي نصت المادة ( 9 / ثانيا ) منه على جواز الطعن في قرارات اللجان القضائية بطريق الطعن لملصحة القانون وفقا للاجراءات المنصوص عليها في قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 ، فعلى فرض شموله بهذا النص – رغم ان القانون لم ينفذ الا بعد اقامة الدعوى وبعد صدور الحكم في ها – فيظل الحكم غير قابل للطعن عليه لمصلحة القانون ، لان من شروط الطعن بذلك الطريق ان لا يكون ايا من ذوي العلاقة قد طعن في الحكم طبقا لعجز المادة ( 30 / ثانيا ) من قانون الادعاء العام ، في حين ان القرار محل البحث قد طعن به بطريق التمييز ثم تصحيح القرار التمييزي فرد الطعنين وصدق الحكم .وانما اجازت المادة ( 9 / ثانيا ) المذكورة الطعن لمصلحة القانون في احكام اللجان القضائية ولكن طبقا للاجراءات المنصوص عليها في قانون الادعاء العام ، اي بشروط ذلك القانون ، واهم  تلك الشروط  هو ان لا يكون ايا من ذوي العلاقة قد طعن في القرار بطعن استوفى شروط الشكلية .
الا ان الصحيح هو عدم شمول الاحكام التي صدرت قبل نفاذ القانون بالطعن عليها بطريق طعن استحدثه القانون الجديد ، لان القانون اذا كان لايجيز الطعن في الحكم بطريق طعن معين ، ثم صدر قانون يجيز الطعن به بذلك الطريق ، فأن الاحكام التي صدرت قبل نفاذ القانون الجديد لا يجوز الطعن عليها بهذا الطريق ،([2]) لان الحق في الطعن يولد وقت صدور الحكم وليس وقت رفع الطعن [3]، ولا وقت النظر فيه .
لذا فلا سبيل – لا موضوعي ولا اجرائي – للاخذ برأي هيئة الطعن التمييزي الموقرة في هيئة دعاوى الملكية .

                                                                                                             القاضي
                                                                                                      رحيم حسن العكيلي
                                                                                                        تموز / 2012


[1] - قضت محكمة التمييز الاتحادية بالعدد 5 / طعن لمصلحة القانون / 2010 في 15 / 3 / 2010 :- ( ... ان الطعن لمصلحة القانون .. قد انصب على الطعن بالقرار .. الصادر عن هيئة حل نزاعات الملكية العقارية وبما ان المادة 30 / ثانيا / أ من قانون الادعاء العام .. قد حددت الاحكام والقرارات التي يجوز فيها الطعن لمصلحة القانون ولم يكن القرار المطعون فيه من بين القرارات المذكورة في المادة 30 من قانون الادعاء العام مما يترتب عليه عدم جواز الطعن فيه عن طريق الطعن لمصلحة القانون ... ) .
[2] - قضت محكمة التمييز الاتحادية بالعدد 72 / طعن لمصلحة القانون / 2010 في 10 / 10 / 2010 :- ( ان رئيس الادعاء العام يطعن لمصلحة القانون بالقرار الصادر من اللجنة القضائية الثانية في الكرخ الثالثة بالعدد 912765621 / 2007 ( في 2 / 9 / 2007 ) ولما كان قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010 وان اجاز بالمادة ( 9 / ثانيا ) منه الطعن بالقرارات القضائية بطريق الطعن لمصلحة القانون وفقا للاجراءات المنصوص عليها في قانون الادعاء العام رقم 159 لسنة 1979 ولما كان القانون المذكور لم يرد فيه نص بسريان احكامه فيما يتعلق بالطعن لمصلحة القانون على الماضي وانما ورد في المادة ( 28 ) منه على ان ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وقد تم نشره بالوقائع العراقية بالعدد 4147 في 9 / 3 / 2010 فيكون الطعن لمصلحة القانون بالقرارات الصادرة قبل نفاذ القانون لا تستند الى سبب قانوني صحيح ..) 
[3] - د . عيد محمد القصاص - الوسيط في قانون المرافعات المدنية والتجارية – ط1 – 2005 – دار النهضة العربية – القاهرة . ص19 و 20 . 

المعايير الدولية لحرية الرأي
                                                                                           
( حرية الرأي ) و ( حرية التعبير ) من الحقوق الاصيلة للانسان ، وهما حقان متلازمان متكاملان ، لا يخلو دستور في العالم من الاشارة الى وجوب ضمانهما ، وحظيا باهتمام خاص في المواثيق الدولية ، اذ نصت المادة ( 19 ) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان :- ( لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الاراء دون مضايقة ، وفي التماس الانباء والاحكام وتلقيها ونقلها الى الاخرين باية وسيلة ودونما اعتبار للحدود ) .
في حين نصت المادة ( 18 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية :- ( 1- لكل انسان حق في اعتناق اراء دون مضايقة . 2- لكل انسان حق في حرية التعبير . ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او باية وسيلة اخرى يختارها . 3- تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة ( 2 ) من اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة ان تكون محددة بنص القانون وان تكون ضرورية لـ :- أ- لاحترام حقوق الاخرين او سمعتهم . ب- لحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة العامة او الاداب العامة . ) .
وواضح من النصين المذكورين  ان العهد الدولي فرق بشكل واضح بين ( حرية الرأي ) و( حرية التعبير ) ، بخلاف الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تحدث عنهما وكأنهما حق واحد .
و( الحق في حرية الرأي ) هو حق الانسان في اعتناق ما يشاء من الاراء والافكار والعقائد والنظريات ، وبعبارة اخرى هو حق الانسان في ان يمارس عمليات التفكير والايمان والاعتقاد بحرية كاملة ، وان يتبنى ما يشاء من الاراء والافكار والنظريات والعقائد بغض النظر عن كونها صحيحة او منحرفة من وجهة نظر الاخرين اومن وجهة نظر المجتمع او من وجهة نظر السلطة الحاكمة ، فهو عملية فكرية داخلية قلبية يعتنق بها الانسان ما يشاء او ما يؤمن به في كل ميادين العلم والحياة والدين وما بعد الطبيعة وغيرها .
و( الحق في حرية الرأي ) حق مختلف عن ( الحق في حرية التعبير ) الذي يمارس فيه الانسان حقه في نقل افكاره واراءه الى الاخرين بطرق مختلفة ، فحرية الرأي هي حرية تنصب على عملية قلبية داخلية تسبق ممارسة حرية التعبير التي تمارس عادة بطرق وادوات ومظاهر خارجية سواء  تمت شفاها او كتابة او برسم او بفن او بصورة وغيرها . 
ويحكم الحق في ( حرية الرأي ) مبدأن :-
المبدأ الاول :- ان الحق في حرية الرأي حق مطلق بلا قيود ولا شروط ولا محددات :- اي ان الانسان حر ، باطلاق كامل ، بلا قيود ولا شروط في ان يعتنق ما يشاء من الاراء ، سواء اكانت اراء لغيره ، او هي اراءه الخاصة التي ابتدعها بنفسه لاول مرة ، وسواء تعلقت بالانسان او الدين او العقائد او العلوم او انظمة الحكم او مؤسسات الدولة وسلطاتها او القوانين او اراء العلماء والفقهاء او الكتب المقدسة  او الرب او السماء او الاشخاص ولو كان مقدسين عند فئة او مجتمع او ديانة ما ... الخ ، وبغض النظر عن كونها تتطابق مع اراء الاخرين او تتقاطع معها ، او تتطابق مع اراء الغالبية او تتعارض معها ، وبغض النظر عن كونها مزعجة او منفرة للاخرين او للسلطة الحاكمة او مفرحة لهم .
فلا حق لاحد - بضمن ذلك السلطة الحاكمة او القضاء - فرض قيود او شروط او محددات على حرية الشخص في ان يعتنق ما يشاء من الاراء والعقائد والافكار والنظريات ، مهما كانت الحجة وراء تلك القيود او الشروط او المحددات ،كأن تكون بحجة ان الاراء او النظريات التي يعتنقها الشخص كفر او زندقة او انحراف او تتضمن اهانة للمقدسات او فيها ما يخل بالاداب او النظام العام او الامن العام او الصحة العامة او باية حجة اخرى ، لان الحق في حرية الرأي حق مطلق لا قيود ولا شروط ولا محددات عليه ، فلا يلاحق الانسان لانه يؤمن بخلق القرأن مثلا ، او لانه يذهب الى انه قديم ، ولا حق لاحد في منعه او مضايقته لمجرد انه يعتقد  بعدم صحة حادثة تاريخية معينة ، او لمجرد انه لا يؤمن بتقديس رجل ما ، او يقيمه عند نفسه بطريقة تختلف عن تقييم غيره له ، ولا يضايق او يعتقل لمجرد انه يؤمن بالشيوعية او الماركسية وهكذا .
وينبع هذا المبدأ - القاضي باطلاق حرية الانسان في الرأي - من طبيعة البشر ،فلا يمكن التحكم مطلقا فيما يؤمن به الانسان وما يرفض الايمان او الاعتقاد به من الاراء والافكار والعقائد والنظريات ، كما انه حينما يعتنق فكر او رأي ما فأنه – في حدود ذلك الاعتناق – لا يؤثر على حق احد ولا يعتدي على حياض حرية الاخرين ، لان اعتناق الاراء والافكار عملية قلبية داخلية ، وبما ان حرية الرأي هي احدى الحريات فأنها لا تقيد الا اذا تضمنت اعتداء على حقوق الاخرين او حرياتهم ، وبما ان حرية الرأي – باعتبارها عملية قلبية داخلية - لا يتصور منها مطلقا ان تكون اعتداءا على حريات الاخرين وحقوقهم فلا وجه لتقييدها او التدخل فيها ، بخلاف حق التعبير الذي يمارسه الانسان بادوات ومظاهر خارجية قد ترتب اعتداء على الاخرين او مساسا بالنظام العام او الاداب او الامن العام لذا جاز وضع قيود معينة عليها بحدود ضيقة جدا .
المبدأ الثاني :- ضمان ممارسة حرية الرأي دون مضايقة :- اذ يفرض الحق المطلق في ( حرية الرأي ) على الدولة واجب ضمانة للاشخاص دون مضايقة او تدخل ، فرغم ان الدولة لا تستطيع نهائيا التدخل – باي شكل من الاشكال - في حرية انسان ما - سواء اكان من رعاياها او اجنبي – في اعتناق ما يشاء من الاراء ، الا انها ملزمة بتوفير اجواء له تمكنه من ذك دون ان تضايقه سلطاتها او التابعين لها ، او يضايقه او يضغط عليه اي شخص او جهة او مجموعة ، اي انها ملزمة قانونا بحماية حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من الاراء من جهتين :-
الجهة الاولى :- حماية حرية الرأي من تدخلها ومضايقتها هي ، ويشمل ذلك نوعين من الحماية :-
أ‌-        حماية حرية الرأي من اعتداء او تدخل او مضايقة مؤسسات الدولة وسلطاتها الرسمية بضمنها السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بل والقضائية ايضا ، فلا حق لاية جهة في مضايقة الافراد او التدخل في شؤون اعتناقهم لاي رأي او معتقد .
ب- حماية حرية الرأي من تدخل او مضايقة او اعتداء الرسميين التابعين لها - سواء اكانوا موظفين او مكلفين بخدمة عامة ، معينين او منتخبين - حين ممارستهم مهامهم الرسمية .
فلا يحق للدولة ولا للتابعين لها ولا مؤسساتها بضمنها المحاكم ملاحقة او اعتقال او محاربة او مضايقة اي فرد او مجموعة لمجرد انها تعتقد انهم يعتنقون فكرا منحرفا او اراء مخالفة للنظام العام او نظريات تخل بالاداب العامة ، او انهم يكفرون بالدين او بمعتقد مقدس عند جماعة فيها ، او يتبنون معتقدات فاسدة او منحرفة او اباحية ، فلا حق للدولة في اتخاذ اي اجراء ضد انسان او جماعة بناء على ما يحملونه او ما يؤمنون به من دين او معتقد او فكر او رأي مهما كان في ذاته منحرفا او خارجا عن المقبول او المألوف ، او متعارضا مع فكر الغالبية او دينهم او معتقداتهم ، فلا يحاسب الانسان عن ما يؤمن به او يعتقده مطلقا .
ولا يقف واجب الدولة هنا في حدود الجانب السلبي من موقفها من حرية الرأي بالامتناع عن الاتيان باي فعل يعد ملاحقة او مضايقة للافراد في اعتناق ما يشاءون ، بل يمتد واجبها ازاء حرية الرأي الى صورة ايجابية تتمثل بتوفير البيئة المناسبة لممارسة هذه الحرية بلا مضايقة والا كانت منتهكة لحقوق الانسان وغير ممتثلة للمعايير والاتفاقيات الدولية .
الجهة الثانية :- حماية حرية الرأي من تدخل او مضايقة الافراد الاخرين والجماعات والمؤسسات غير الرسمية داخل الدولة ، فلا يقتصر واجب الدولة في حماية حرية الفرد في اعتناق الاراء على ضمان حمايتها من تدخل مؤسساتها وسلطاتها والتبعين لها فقط ، بل يمتد ليشمل واجبا اهم في حماية حرية الفرد من مضايقة او تدخلات الافراد والجماعات سواء اكانت منظمات او جماعات شرعية او غير شرعية ، وسواء اكانت خاضعة للقانون او خارجة عنه باي صيغة كانت ، ويشكل ذلك منظمات المجتمع المدني والاحزاب والعشائر وغيرها .
فالدولة – اذن - لا حق لها في التدخل - مطلقا – باي شكل في حرية الانسان بالرأي ، ولكن عليها واجب حماية حقه هذا بان يمارسة دون مضايقة او تدخل او اكراه  ، وقد نصت المادة ( 37 / ثانيا ) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005 :- ( تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني . ) .
والحقيقة ان واجب الدولة في حماية حرية الرأي لا يقف عند حدود منع الاكراه الذي ذكره الدستور العراقي ، بل يتعداه الى توفير الاجواء المناسبة لممارسة حرية الرأي دون مضايقة على حد تعبير الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .
ومع ان ( حرية الرأي ) حق مستقل من حقوق الانسان عن حقه في ( حرية التعبير ) الا ان البشر مجبول على نقل ما يؤمن به من اراء وافكار ونظريات وعقائد الى الغير ، بل واحيانا نشرها على نطاق واسع ، وهذا هو الرابط المتين بين ( حرية الرأي ) و ( حرية التعبير ) . فما هي المبادئ التي تحكم حرية التعبير ؟ لنا عودة في مقال لاحق .
                                                                                                            القاضي
                                                                                                     رحيم حسن العكيلي