الاثنين، 2 فبراير 2015

استقلال القاضي
داخـل السـلطة القضـائية
                                                                            القاضي
                                                                           رحيم حسن العكيلي
لا جدال في الفقه القانوني الحديث في ضرورة اقرار ( استقلال القضاء ) كمبدأ دستوري لا يكاد يخلو منه دستور في العالم اليوم ، ولكن ما هو المقصود النهائي بهذا المبدأ البالغ الخطورة ؟ فهل يقصد منه جعل القضاء :- ( سلطة ) مستقلة ، ام ان المقصود النهائي منه جعل ( القاضي ) مستقلا ؟ وهل يكفي لتحقيق الغاية النهائية من مبدأ ( استقلال القضاء ) جعل القضاء ( سلطة مستقلة ) ومنع تأثير السلطات التنفيذية والتشريعية في القضاء ، ام اننا - في الحقيقية - لم نحقق اي شئ ، اذا ما وقفنا عند حدود ذلك ، لاننا نحتاج الى ضمان استقلال اخر ، هو استقلال القاضي ، داخل السلطة القضائية نفسها ، قبل استقلاله ممن هم خارجها .
واذا كان ذلك واجبا ، فما هي مبررات ذلك ، وما مدى الاستقلال المطلوب للقاضي داخل السلطة القضائية ، وماهي اليات ضمان ذلك الاستقلال  ؟
واذا كان ( استقلال القاضي ) ضرورة ، فأنه لابد ان يكون القاضي بمستوى ذلك الاستقلال بان يكون بمواصفات تؤهله لذلك الوضع الخطير ، فالاستقلال التام يجب ان يعطى لعلماء كبار ، يتصفون بالحياد ، و القمة في النزاهة والمهنية ، لا يظن فيهم – ابدا - استغلالهم لاستقلالهم الا لتحقيق العدل والانصاف والامن الاجتماعي الدائم .
ولغرض تسليط بعض الضوء على ( استقلال القاضي ) داخل السلطة القضائية ، سنحاول البحث فيه - باختصار شديد - في ثلاثة مباحث ، نتناول في المبحث الاول تحليل الغاية النهائية من ( استقلال القضاء ) واهمية ( استقلال القاضي ) داخل السلطة القضائية تحت عنوان ( استقلال القاضـــــــي واهمية ضمانه داخل الســلطة القضائيــــة  ).
ونتناول في المبحث الثاني تحت عنوان ( تحديات استقلال القضاة داخل السلطة القضائية ) اهم الجوانب التي يتصور ان يخرق فيها استقلال القاضي داخل السلطة القضائية وهي تأديب القضاة وترقيتهم ونقلهم وفردية اتخاذ القرار داخل السلطة القضائية في شؤون القضاة ، ثم نتناول في نفس ذلك المبحث في ماهية الضمانات التي يتوجب العمل بها لحماية استقلال القاضي فيما يتعلق بها .
واخيرا نتناول اهم ضمانة شخصية لابد من توفرها لاعطاء هذا القدر الكبير من الاستقلال للقاضي الا وهي ( العلمية العالية ) تحت عنوان ( صفات القاضي المستقل ) ، وسنحرص في كل ذلك على البحث في واقع القضاء العراقي الحالي من الجهات المشار اليها .
المبحث الاول
 استقلال القاضي
 واهمية ضمانه داخل السلطة القضائية
ان الغاية النهائية التي قامت عليها فكرة انشاء القضاء والمحاكم هو فصل المنازعات بما يحقق العدل والانصاف ، الا ان الواقع العملي اثبت بان العدالة - التي اسند تحقيقها الى قضاة من البشر - تتعرض الى تحديات ومخاطر الضغط والتأثير والاكراه والاغواء ، فقد يضغط الخصوم بطرق غير قانونية على القاضي بوسائل كثيرة لحرف ارادته والتأثير عليه لاصدار الحكم لمصلحتهم على حساب الحق والعدل ، وقد يتأثر القاضي برؤساءه واصحاب القرار في منصبه وفي تحديد راتبه وفي تقاعده وترقيته ونقله وانتدابه ، سواء أكان هؤلاء من الرؤساء او اصحاب القرار  التنفيذيين او التشريعيين او حتى القضاة انفسهم ، فقد يضطر القاضي الى محاباتهم او مجاملتهم على حساب الحق والعدل ، فتكون العدالة الحقيقة – في النهاية – صعبة المنال الا اذا اسندنا سلطة الحكم الى ( قضاة مستقلون ) يحكمون في المنازعات بناء على احكام القانون وادلة الخصوم ووقائع الدعوى وضمائرهم فقط ، دون ان يؤثر في ارادتهم شئ ، لذلك اصبح ضروريا ضمان كل الاليات التي تحقق استقلال كامل ( للقاضي ) .
 ثم وجد جانب من الفقه القانوني وبعض الانظمة القانونية لاحقا بان ضمان استقلال القضاة في بعض جوانبه يحتاج الى افرادهم بسلطة مستقلة ([1])، تضمن لهم منع تدخل السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية في القضاء وفي شؤون العدالة .
 فيكون الغرض النهائي لـ ( مبدأ استقلال القضاء ) هو توفير ضمانات العدالة في الفصل بالمنازعات عن طريق ( قضاة مستقلون ) ، فـ ( استقلال القاضي ) هو وسيلة لتحقيق العدالة ولم يكن غاية ، اما ( استقلال السلطة القضائية ) فانه وسيلة لضمان ( استقلال القاضي ) ، اي ان ( استقلال القاضي ) هو الغاية المستهدفة من السعي لجعل القضاء ( سلطة مستقلة ) .
لذلك ، لا قيمة مطلقا لجعل ( القضاء سلطة مستقلة ) اذا لم يؤد – ذلك - فعليا الى ضمان ( استقلال القاضي ) ، اذ لا يقصد من استقلال السلطة القضائية سوى توفير ضمانات مهمة لتأمين استقلال اكبر للقاضي عند الانظمة القانونية التي ترى وجوب جعل القضاء سلطة مستقلة  .
بخلاف انظمة اخرى ترى ان المطلوب فقط هو ( استقلال القاضي ) كضمانة من ضمانات تحقيق العدالة ، دون استقلال القضاء كسلطة ، لذلك فأن تلك الانظمة القانونية ربطت القضاء بالسلطة التنفيذية ولم تعترف له بصفة السلطة المستقلة .
فلم يتفق فقهاء القانون والانظمة القانونية التي تتبنى مبدأ الفصل بين السلطات ([2]) في النظر الى عد القضاء ( سلطة ) مستقلة من عدمه ، اذ وجد المذهب الذي تبناه النظام الامريكي ومن تبعه من الانظمة في العالم ضرورة عد القضاء سلطة مستقلة ، لايمانهم بضرورة ذلك لتأمين استقلال كامل للقضاة  .
وعند مذهب اخر فان القضاة يجب ان يكون مستقلين داخل السلطة التنفيذية ، ولا موجب لعد القضاء سلطة مستقلة ، لان المطلوب هو ( استقلال القاضي ) ، وهذا ممكن – عندهم - دونما حاجة الى جعل القضاء ( سلطة مستقلة ) ، وهذا ما يتبناه النظام القانوني الفرنسي ومن تبعه من النظم القانونية من بينها كثير من الدول العربية كمصر ولبنان والعراق قبل عام 2003 ، اذ ان القضاء عند هؤلاء هو بعض من السلطة التنفيذية ([3]) ولكن ( القاضي ) هو المستقل استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية وعن كل مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية ، فالسلطات في الدولة – عندهم -  سلطتان هي التشريعية والتنفيذية فقط ، ولا موجبا عندهم لافراد القضاء بسلطة مستقلة ، لانهم يرون امكانية ضمان الاستقلال الكامل للقضاة تحت عباءة السلطة التنفيذية دونما حاجة الــــــــى افراد القضاة بسلطة مستقلة .
فالنظامان – اذن - يتفقان على ضرورة ضمان ( استقلال القاضي ) الا انهما يختلفان في استقلال القضاء كسلطة ، وفي مدى ضرورته لضمان استقلال القاضي . فهما لا يختلفان في وجوب ( استقلال القاضي ) عن سائر السلطات في الدولة وسائر الهيئات الحكومية وغير الحكومية الرسمية وغير الرسمية ، الا ان هذا الاستقلال ( اي استقلال القضاء ) عند انصار المذهب الاول نتيجة طبيعية لمذهبهم ، وهو عند انصار المذهب الثاني من مقتضيات حسن سير القضاء ([4]).    
اذن لا يقصد – في الحقيقة في كل الانظمة القانونية - من وراء تبني مبدأ ( استقلال القضاء ) الا الوصول الى نقطة يكون فيها ( القاضي ) بعيدا عن أي تأثير او ضغط حين فصله في القضية المعروضة عليه ، بحيث لا يبقى لاحد دور في الدعوى الا له ( اي للقاضي ) والخصوم ، فلا يكون لغير ( القاضي والخصوم في الدعوى ) أي دور او تأثير او تدخل ، فيحكم القاضي حين ذاك فيها بما يمليه عليه ضميره والقانون وما ثبت لديه في الدعوى من وقائع ، دون أي تدخل او تأثير او ضغط او ايحاء من أي جهة او فرد مهما علا منصبه .
فـ ( استقلال القضاء ) – اذن - مصطلح يجمع امرين :-
الامر الاول :- هو استقلال القاضي .
الامر الثاني :- هو استقلال السلطة القضائية .
 الا انه ( اي استقلال القضاء ) في كلا الامرين الذي يجمعهما ليس هدفا نهائي بحد ذاته ، بل هو وسيلة تقود الى هدف ، انه نواة حكم القانون ليعطي الثقة للمواطنين بان القوانين سوف تطبق بانصاف ومساواة ([5]) .
وتجد هذه النتيجة واضحة حينما تراجع النصوص الدولية المتعلقة بذلك ، اذ نصت المادة العاشرة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10 كانون الاول 1948 :- ( لكل انسان على قدم المساواة التامة مع الاخرين الحق في ان تنظر قضيته ( محكمة مستقلة ) ومحايدة ، نظرا منصفا وعلنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وفي اي تهمة جزائية توجه اليه ) فالنص الحق وصف الاستقلال بـ ( المحكمة ) ولم يلحقه بالسلطة ، فلا شك ان المقصود من المحكمة المستقلة هو القاضي او القضاة المستقلون بغض النظر عن تبعيتها الى سلطة مستقلة من عدمه .
ونصت المادة ( 14 / 1 ) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة في 16 / كانون الاول / 1966  :- ( جميع الاشخاص متساوون امام القضاء ، ولكل فرد الحق عند النظر في اية تهمة توجه اليه او في حقوقه والتزاماته في اية دعوى مدنية ان تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل ( محكمة مختصة مستقلة ) حيادية ، منشأة بحكم القانون . ) فالشرط الدولي هو ( محكمة مستقلة ) اي قاضي او قضاة مستقلون ، ولم يشترط تبعية المحكمة المستقلة لسلطة مستقلة ولكنه اطلق شرط استقلالها وهو لابد ان يشمل الاستقلال داخل السلطة القضائية ، اي وجوب استقلال المحكمة المطلق بضمنها استقلالها داخل السلطة القضائية فيما اذا اعتبرت جزء من سلطة مستقلة .
وكان الاعلان العالمي لاستقلال العدل الصادر عن المؤتمر العالمي لاستقلال العدل الذي عقد في مونتريال بكندا عام 1983 قد اكد على عناصر اساسية لاستقلال القاضي اهمها :-
1-  ان تتوفر للقاضي الحرية الكاملة في ان يبت في المسائل المعروضة عليه بدون قيود او ضغوط او تهديدات من اية جهة كانت ، بضمنها مكونات السلطة القضائية .
2-   لا يجوز نقل القضاة من ولاية او وظيفة اخرى دون الحصول على موافقتهم .
3-  يضمن القانون 1- مدة وظيفة القاضي  2- واستقلالهم  3- وامنهم  4- وكفاية مرتباتهم  5- وظروف خدمتهم  6- ويكون للقاضي فترة ولاية مضمونة حتى يبلغ سن التقاعد الاجباري ، 7- وتكفل الدولة المرتب التقاعدي المناسب والملائم لمكانة المنصب وسموه .
وتلك الغاية - أي استقلال القاضي - لا تقصد لذاتها - هي ايضا - بل هي وسيلة للوصول الى تحقيق العدالة والانصاف ، التي لا يمكن الوصول الى تحقيقها الا بقضاء ( اي قاضي ) مستقل محايد كفوء عالم عادل وشجاع ومحمي ، فان كان العدل هو اساس الحكم او الملك ، فان استقلال ( القضاة ) هو اساس العدل .
فاستقلال القاضي هو هدف ثابت وحتمي لتحقيق العدالة في المجتمع ، فرضته طبيعة العمل القضائي ذاته ، وفرضته ارادة الشعوب الحرة تجسيدا لمثلها العليا في العدل ، وضبطا لحركتها نحو تحقيق اهدافها في الحياة الكريمة ، فان لم يكن القضاة مستقلين في بلد ما فلا يمكن ان تكون فيه عدالة ، ولو شكل لهم سلطة مستقلة لان ضمان العدالة يتحقق بقاض مستقل وليس بسلطة قضائية مستقلة ، لأن استقلال القضاء كسلطة ليس غاية في حد ذاته ، لكنه وسيلة للوصول الى ضمان استقلال القاضي ، لذلك لا فائدة من جعل القضاء سلطة مستقلة ، اذا لم يؤد ذلك الى استقلال القاضي الكامل حتى عن زملائه ورؤسائه داخل السلطة القضائية ذاتها  ، اذ من الضروري ان يكفل للقاضي الاستقلال التام في الرأي والحيدة في احكامه لكي يقوم بمهمته ([6])، لان في قيام القاضي باداء وظيفته حرا مستقلا مطمئنا على كرسيه آمنا على مصيره هي اكبر ضمان لحماية الحقوق العامة والخاصة ([7])، وهذا لا يكفي لتحقيقه ان يكون القضاء ( سلطة مستقلة ) عن تدخلات السلطات التنفيذية والتشريعية ، بل يتوجب ايضا ان يتمتع القاضي باستقلال داخل السلطة القضائية نفسها ، عن زملائه وعن رؤساءه وعن مؤسسات السلطة القضائية ذاتها ، اذ كما يتصور ان يتدخل اعضاء ومؤسسات السلطة التنفيذية او اعضاء ومؤسسات السلطة التشريعية في القضاء وفي الدعاوى وفي شؤون العدالة ، فيتصور – من باب اولى - ان يتدخل اعضاء ومؤسسات السلطة القضائية فيه ، بل ان تدخل هؤلاء يكون اعظم اثرا واكثر فاعلية في هدم استقلال القاضي ، وحينما يتدخل رؤساء القاضي او زملائه او مؤسسات القضاء في عمل القاضي فلن يكون القاضي بعيدا عن التأثيرات والتدخلات ، وتختل قاعدة وجوب انفراد القاضي بالفصل في دعواه دون تأثير او تدخل ممن سواه بغض النظر عن كون ذلك التأثير صادر عن السلطة التنفيذية او التشريعية او القضائية نفسها .
فحينما يفرد القضاء كسلطة مستقلة ، فانه - لابد – ان يتضمن صنفين من الوظائف او الاعمال ، الاولى هي الوظيفية القضائية التي يباشرها القضاة كسلطة حكم حينما يمارسون اعمالهم في الفصل في المنازعات ، اما الثانية فانها الاعمال الادارية العادية وهذه يقوم بها موظفون ورؤساء اداريون وان كانوا من القضاة ، وهم لا يختلفون عن التنفيذين بشئ حين قيامهم بتلك الاعمال ، وهي صنفين - من جهة النظر اليها من حيث مدى تأثيرها في استقلال القضاة :-
الصنف الاول :- اعمال لا يتصور منها خرق استقلال القضاة بشكل مباشر ، ولو انها تصلح لخرق استقلالهم او التأثير عليهم بشكل غير مباشر ، كتوفير البنايات المناسبة والدعم اللوجستي للمحاكم للقيام بواجباتها وادارة شؤون الكادر البشري من غير القضاة .
اما الصنف الثاني :- فهي الاعمال الادارية المؤثرة في استقلال القضاة وهي - غالبا – تلك المتعلقة بادارة شؤون القضاة مثل نقلهم وانتدابهم وترقيتهم وتقييمهم وتأديبهم واتخاذ القرارات فيما يتعلق بشؤونهم الوظيفية . ولابد من ضمان منع تأثير او تأثر القضاة بالجانب الاداري لتأمين استقلالهم الكامل ، والا فلن يكون لاستقلال القضاء اي معنى حينما نرفع يد الاداري التنفيذي عن القاضي ، ونبدله باداري اخر من القضاة فهو استبدال للمسميات شكليا ، ليس الا ، لانهما كلاهما - في الحقيقية - اداريون ويمارسون سلطات ادارية محضة ، ولو كان الصنف الثاني من القضاة .
من هذا تظهر اهمية وضع اسس وقواعد وضوابط تمنع تأثير الادارة داخل المؤسسة القضائية على القضاة ، وهذا ما يؤخذ به في النظامين المذكورين انفا سواء اكان القضاء سلطة مستقلة ام مؤسسة مستقلة تابعة لوزارة العدل ، لذلك يوصف وزير العدل في مصر وفرنسا بانه ( وزير القاعات والحمامات ) اي لا حق له في التدخل بالشؤون القضائية ويقف اختصاصه عند حدود تقديم الدعم المادي واللوجستي لتمكين المحاكم من القيام بدورها ، وهذا هو حكم الادارة في مجلس القضاء الاعلى ، فهي المناظر لوزارة العدل في الانظمة اللاتينية .    
وقد خطا العراق خطوة هامة عام 2003  حينما تحول من فلسفة تبعية القضاء والمحاكم لوزارة العدل ( السلطة التنفيذية ) الى تبني فلسفة تعد القضاء سلطة مستقلة ، وهذا ما اخذ به دستور جمهورية العراق لعام 2005 حيث نص على نوعين من الاستقلال ، اولها :- ( استقلال القضاء كسلطة ) حيث نصت المادة ( 87 ) منه :- ( السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفقا للقانون ) .
والنوع الثاني من الاستقلال هو :- ( استقلال القاضي ) حيث نصت المادة ( 88 ) منه :- ( القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ، ولا يجوز لاية سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة . ) .
فالنص الاول اكد على ( استقلال القضاء كسلطة ) ، اما الثاني فاكد بوضوح على ( استقلال القاضي ) ومنع اي سلطة بضمنها ( السلطة القضائية ) من التدخل في القضاء او في شؤون العدالة ، فليس من حق اي جهة - حتى وان كانت جزء من السلطة القضائية - التدخل في اعمال القاضي او التأثير عليه باي شكل .
بل ان استقلال القاضي مفهوم لا يقتصر مداه على وجوب ضمان استقلال القاضي عن اعضاء السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ، بل هو استقلال يجب ان يضمن ايضا في مواجهة الكافة بضمنهم الخصوم والغير وزملاء القاضي ورؤسائه داخل السلطة القضائية . 
والحقيقية ان تحقيق ( الاستقلال الفعلي للقاضي ) لا يقوم الا بضمان اسبابه من جهات متعددة :-
 اولها :- ضمان استقلال القاضي عن تدخلات السلطة التنفيذية او السلطة التشريعية عن طريق اقرار استقلال ( القضاء كسلطة ) في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية . فذلك هو الضمانة الحقيقية لمنع تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في القضاء وشؤون العدالة . والا فان عد القضاء احد جناحي السلطة التنفيذية واخضاعه لرئاسة وزير العدل يجعل من القضاء تابع متأثر ، لا يكون للقاضي فيه استقلال حقيقي كامل مهما وضع القانون له من ضمانات .
ثانيها :- كفالة استقلال القاضي داخل السلطة القضائية ، عن رؤساؤه و عن زملائه من القضاة ومنع اي تأثير عليه من هؤلاء او من مؤسسات السلطة القضائية نفسها ، ووضع ضمانات قانونية قوية تمنع  تدخلهم في قضاء القاضي ، وتمنعهم من خرق استقلاله ، وتحول دون تدخلهم في شؤون العدالة في الدعاوى التي ينظرها . وهذا العنصر هو اهم عناصر استقلال القاضي ، بل هو الغاية المطلوبة الضرورية لضمان العدالة ، لذلك يتوجب الاهتمام به والتركيز عليه اكثر مما عداه .  
ثالثها :- ضمان استقلال القاضي عن الخصوم ، ومنعهم من التأثير او الضغط عليه باي شكل من الاشكال ، بادوات واليات قانونية واجرائية مناسبة ، ويقع ذلك بعدة طرق من بينهما عدم جواز مخاصمة القاضي الا وفقا لقواعد خاصة تحدد مسؤولية القضاة المدنية عن اعمالهم ، ومنها ايضا ضمان حماية القضاة الشخصية وضمان حماية اسرهم من ارهاب وتهديدات الخصوم او المتهمين او المشتكين او سواهم .
رابعها :- حماية القاضي من التأثر بعلاقاته او عواطفه او مصالحه الخاصة باليات وادوات مناسبة ، كقواعد منع القضاة من النظر في بعض الدعاوى التي يكون لهم علاقة ما بها او باطرافها باحكام وقواعد رد القضاة الوجوبية والجوازية ، ومنعهم من مزاولة بعض الاعمال والمهن كالمنع من ممارسة العمل السياسي او الانضمام الى الاحزاب او ممارسة التجارة وغيرها .
خامسها :- حماية القاضي من نفسه بضمانات توفير الكفاية المادية والماليه له ، خلال توليه القضاء ، وبعد احالته على التقاعد .
 الا ان ضمان استقلال القاضي عن زملائه ورؤسائه ومؤسسات السلطة القضائية هي اهم واخطر ضمانات استقلال القاضي ، ورغم ان حصانة القاضي الذاتية وما له من عزة وكرامة وغضبه لسلطانه هي الوسيلة الناجعة فعلا في كفالة استقلال القضاة من تدخلات السلطات الاخرى ومن خرق رؤساء القاضي لاستقلاله ، ولكن هذه الحصانة الذاتية يجب ان تعزز بضمانات وضعية هي اشبه بالسلاح في يد الجندي الشجاع يذود به عن شجاعته ويرد به كل عدوان عليه، ولا يقصد بهذه الضمانات حماية شخص القاضي بقدر ما يقصد منها حماية العدالة وحماية المتقاضين بتمكين القاضي من الاستقلال وعدم التحيز في قضاءه ، وان يحكم دون ان يكون متأثرا او خائف او متوجس من شئ ، فهذه الضمانات من مقتضيات حسن سير القضاء ([8]) فانما يقصد من تلك الضمانات حماية استقلال القاضي في وظيفته ، حتى يُحسن اداءها ([9]).
 لذلك فان النصوص التي تؤكد على وجوب ضمان استقلال القاضي كنص المادة ( 88 ) من الدستور العراقي الدائم - المشار الى نصها انفا - لا تكون لها قيمة تذكر ما لم تترجم الى قواعد قانونية باليات واضحة تحمي القاضي ، وتكفل له الاستقلال التام ،  تتضمنها عادة قوانين السلطة القضائية او التنظيم القضائي .
ويحكم قواعد وضمانات استقلال القاضي داخل السلطة القضائية في العراق اليوم ( قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 ) وهو في الحقيقة قانون لا يوفر اليات وضمانات كافية لتأمين استقلال القاضي ولا يوفر للقضاة ضمانات حقيقية تؤمن استقلالهم عن رؤسائهم ، وهو يكرس وبشدة السلطة الرئاسية المطلقة التي كانت لوزير العدل ، والتي تحولت بعد تأسيس مجلس القضاء الاعلى لرئيس مجلس القضاء الاعلى ، ويجعل القاضي ووظيفته وراتبه وترقيته وتقاعده وكل اموره خيوط متفرقة يجمعها بتمامها رئيس مجلس القضاء الاعلى بين يديه كما كان يجمعها وزير العدل سابقا .
ولا يوفر القانون المذكور للقضاة ضمانات قضائية كافية ضد تدخل او ظلم او تجبر الرؤساء الاداريين داخل السلطة القضائية سواء اكانوا روساء استئناف او رؤساء مجمعات المحاكم او القضاة الاوائل .  لذلك فان النص على ( استقلال القاضي ) في الدستور العراقي الدائم – في رأينا - ليس في حقيقته الا ( وهم ) على ارض الواقع ، وسيستمر وهماً ما استمر العمل بقانون التنظيم القضائي النافذ منذ عام 1979 .
لذلك - فاننا نرى اليوم – بان من الاخطاء الكبيرة التي ارتكبت في العراق بعد عام 2003 تركيز الضوء على ( استقلال السلطة القضائية ) ، واهمال الحديث نهائيا في ( استقلال القاضي ) ، فقد تحقق بعض التقدم في استقلال القضاء كسلطة ، الا ان ( استقلال القاضي ) لم يتحرك خطوة واحدة الى الامام عما كان عليه قبل عام 2003 ، الا ببعض المنجزات المحدودة التي تحققت بشأن رواتب القضاة ([10]) كتحصين لهم ضد الاغواء المالي ، فلا زال قانون التنظيم القضائي النافذ منذ عام 1979 يحكم علاقة القاضي بزملائه وبرؤسائه وبالمؤسسات القضائية ، وهو قانون بني على فلسفة تقوم على ان القاضي موظف في السلطة التنفيذية ليس الا ، وذلك لا يتلائم مع فلسفة ( استقلال القاضي ) التامة الذي تبناه الدستور الدائم ، وقبله قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية .
كما ان قانون التنظيم القضائي النافذ يخالف الدستور في معظم احكامه من جهة ان الدستور جعل سلطة الاشراف وادارة شوؤن الهيئات القضائية بيد مجلس القضاء الاعلى ( كمجلس ) يمارس سلطته بطريقة جماعية ، في حين يكرس قانون التنظيم القضائي الكثير من الصلاحيات بيد رئيس مجلس القضاء الاعلى وبيد رؤساء الاستئناف وبيد رؤساء المكونات القضائية الاخرى ، وهي صلاحيات تصادر فعليا اي قيمة لاستقلال القاضي داخل السلطة القضائية ، بل تجعله تحت رحمة رؤساءه الاداريين بطريقة تكرس الخضوع واالإتمار القسري للقضاة لمصلحة رغبات وطلبات رؤسائهم المباشرة وغير المباشرة . لهذا فان القضاء يدار ويخضع لقانون غير دستوري في معظم احكامه .
المبحث الثاني
تحديات استقلال القاضي داخل السلطة القضائية
من مقتضيات مبدأ استقلال القاضي ضمان اليات واضحة محددة تؤمن رفع اي تأثير عنه سواء أكان هذا التأثير من زملائه او رؤساءه او حتى من المؤسسات داخل السلطة القضائية ، فلا يصح ترك امر نقل القاضي او انتدابه او تأديبه ، ولا ترقيته او تقييمه ، بيد شخص واحد ، مهما علا منصبه ، بل يتوجب ان تستند الى قرارات جماعية ، وان توضع لها اليات وقواعد تمنع تأثر القاضي منها باي شكل من الاشكال ، فقد يخرق استقلال القاضي من زملائه ، وقد يخرق من رؤساءه او ممن يكون له صلاحية نقله او انتدابه او تقييمه او ترقيته او تأديبه .
وقد تظهر الخطورة على مبدأ استقلال القاضي من فردية اتخاذ القرار بشؤون القضاة داخل السلطة القضائية ، اي حينما يكون القرار بشأن من شؤون القاضي بيد شخص واحد ، او تؤول بشكل غير مباشر الى شخص واحد ، ولو كانت شكليا بيد جماعة .
ومن اجل الوقوف على اهم واخطر تحديات مبدأ استقلال القاضي التي تواجهه داخل السلطة القضائية ، سنقسم هذا المبحث الى اربعة مطالب ، نبحث في المطلب الاول تأديب القضاة ، وفي المطلب الثاني ترقية القضاة ، وفي المطلب الثالث النقل ، اما في المطلب الرابع فنبحث في فردية اتخاذ القرار داخل الســـلطة القضائية فيما يتعلق بشـؤون القضاة .



المطلب الاول
 تـــأديــب القضــاة
لضمان اصدار القاضي احكاما عادلة ومنصفة وغير متحيزة وبلا تأثير من اية جهة مهما كانت ، تسعى القوانين الى احاطة القاضي بضمانة استقلاله الكامل في ابداء رأيه في الدعوى ، وهو – بهذ الاستقلال -  لا يفترض ان تكون احكامه صحيحة متوافقة مع احكام القانون ، فلا ينتظر من القاضي - وهو من البشر - ان يصيب دائما في احكامه ، فهو كغيره من البشر قد يخطأ وقد يصيب ، لذا فان القانون يجعل حكمه عرضة للمراجعة من محاكم اعلى ، يفترض ان تشكل من عدد اكبر من قضاة اكثر مكانة وخبرة وعلمية ، فقد تؤيد او تصدق تلك المحاكم حكم القاضي اذا كان صحيحا او تفسخه او تنقضه اذا كان غير ذلك .
أي ان عمل القاضي رغم استقلاله الكامل فيه ، الا انه لا يكون بلا رقابة ، بل هو مراقب ، ولكن ليس في اثناء السير في الدعوى او قبل صدور القرار ، بل بعد اتمام عمل القاضي - وفقا لصلاحياته واختصاصاته - بصدور القرار القضائي ، ويكون ذلك بطريق خاص للرقابة يتميز به العمل القضائي هو طرق الطعن القانونية ، أي ان القضاء يراقب بعضه بعضا ، ولا يحق لاية جهة في الدولة مهما علا مكانها كرئيس الدولة او السلطة التنفيذية او السلطة التشريعية ، وحتى رؤساء القاضي داخل السلطة القضائية كرئيس مجلس القضاء الاعلى ، ان توجه القاضي لاتخاذ قرار معين في نزاع ينظره ، ولا ان تلغى او تعدل قرارا اصدره مهما كان حجم الخطأ فيه .
فقد يخطأ القاضي حينما يفصل في نزاع ما ، الا ان خطأه قد يصحح بطريق واحد هو طرق الطعن فيه ، ورغم ارتكاب القاضي للاخطاء حين ممارسته لسلطته القضائية ، ورغم احتمال عدم اصلاح ذلك الخطأ فان القاضي يكون محصنا ، فلا يجوز ان يتعرض عن مثل تلك الاخطاء للمساءلة التأديبية .
الا ان هذا يقتصر على الجوانب التي يكون فيها القاضي يمارس سلطات قضائية باعتباره سلطة حكم او محكمة ، فهو عند ممارسته هذا الدور يكون سلطة عليا في الدولة لا يكون احد  اعلى منه حين ممارستها حتى رئيس الدولة او رئيس الوزراء او رئيس مجلس النواب بل هو اعلى من رؤسائه كرئيس مجلس القضاء الاعلى ، اذ انه قد يحكم على هؤلاء ويلزمهم بحكمه ، وهم ملزمون قانونا باحترام حكمه وتنفيذه دون ان يكون لهم الا حقوق المتقاضين العاديين في مواجهة ذلك الحكم ، فليس لهم محاسبة القاضي عن حكمه عليهم او توجيه اللوم اليه ، ولا يكون بايديهم - اذا لم يكونوا مقتنعين بحكمه - اكثر من ان يطعنوا بالحكم بطرق الطعن القانونية امام المحاكم المختصة وفق ما حدده القانون ، ويكون حكم او قرار تلك المحاكم فاصل ونهائي وليس لهم من بعده أي حق في اثارة أي شئ بشأن ذلك الحكم ضد القاضي الذي اصدره حتى وان كان ذلك الحكم خاطئا في ذاته او يتضمن خلل ما ، وهذه مسألة ضرورية لكي يؤدي القاضي واجبه على اكمل وجه ([11])، فلا يصح مساءلة القاضي مطلقا عن احكام اصدرها حسب سلطته كمحكمة .
الا ان القاضي – برأينا – يتوجب ان يخضع للمساءلة اذا ما راتكاب اخطاء علمية او قانونية فاحشة حين ممارسة صلاحياته كسلطة حكم ، ولا يمكن ان يعفى منها بحجة انه انما يمارس دوره هنا كمحكمة ، لان القانون انما يفترض حد ادنى من العلمية والخبرة في القاضي ، لا يقبل منه ان يكون ادنى منها . الا ان تلك المساءلة يجب ان تضمن باليات واجراءات غاية في الدقة وان تودع سلطة المحاسبة هنا حصرا بيد علماء معرفون بحيادهم واستقلالهم التام لكي لا يساء استغلال ذلك بما يؤدي الى استهداف القضاة من اجل اخضاعهم وتجبينهم ضد الاجتهاد واصدار قرارات شجاعة او تفسيرات مبدعة غير مسبوقة .    
الا ان ما يصدر من القاضي لا يتوقف عند حدود سلطته القضائية حينما يمارس دوره كمحمة او سلطة حكم ، بل له دور اداري يصدر منه – حين ممارسته له - قرارات ادارية محضة كمنح اجازات موظفيه ومعاقبتهم وترقيتهم والاشراف على اعمالهم ، فيكون دور القاضي في ذلك دور اداري محض ليس فيه اية نكهة قضائية ، وهو في هذا شأنه شأن أي موظف اداري في الدولة ، فيكون لرؤسائه بشأنها سلطات الرؤساء الاداريين .
ولكن قد يقع من القاضي ما يعرضه للمساءلة التأديبية حينما يخرج في مسلكه او في عمله عن الحدود التي يجب عليه الالتزام بها  ، وحينما يرتكب مخالفات تخرق مبادئ وقواعد السلوك المهني القويم ، وحينما يسئ الى شرف المهنة القضائية ، او حتى حينما يرتكب اخطاء علمية تخصصية فادحة ، فيكون واجبا محاسبته وانزال العقوبات المناسبة به .
الا ان سلطة تأديب القضاة تعد وسيلة خطيرة الاثر في خرق استقلال القاضي من قبل رؤساؤه ممن يمسكون بسلطة فرض العقوبات التأديبية عليه ، او ممن لهم سلطة او نفوذ على اللجان او الهيئات التي تعطى سلطة فرض العقوبات .
ولاشك في ضرورة اقرار مبدأ تأديب القضاة كاساس لمبدأ مساءلة القضاة ، الا ان خطورته تكون متناهية فيما اذا خلطت الجهات الممسكة بصلاحيات التأديب بين ما يكون خاضعا للتأديب من افعال القضاة وبين ما يكون غير خاضعا للتأديب من اعمالهم وافعالهم ، فالتأديب يثير صعوبة بالنسبة للاعمال التي يصح ان تكون سبب للمحاكمة التأديبية والجزاءات التأديبية ([12])، فحينما تلاحق تلك الجهات القاضي تأديبيا عن اخطاءه حين ممارسة سلطته القضائية ، التي لا يصح ملاحقته عنها مطلقا الا بطرق الطعن او بطريق المخاصمة او الشكوى من القضاة فانها تكون حين ذاك قد خرقت استقلال القاضي داخل السلطة القضائية وجعلته خاضع لها خائف منها متردد في احكامه توجسا من ملاحقتها .
اما اذا فرقت الجهات الممسكة بصلاحيات او سلطة تأديب القضاة بين ما يعد من سلطة القاضي كمحكمة فامتنعت عن ملاحقته عنها ، بين اعماله وافعاله التي يجوز ملاحقته عنها تأديبيا فتكون تلك الجهات قد احترمت استقلال القاضي ، وحالت دون التدخل في اعماله القضائية وفي شؤون العدالة .
والحقيقة ان ذلك الخلط هو اهم واخطر ممارسة خاطئة ترتكبها سلطات التأديب على القضاة ، وتتضخم تلك الخطورة من جهة ان اسباب ملاحقة القضاة تأديبيا غير محصورة ، فمن المستحيل ان تحدد مقدما الوقائع التي يمكن ان تكون سببا للمسؤولية التأديبية للقضاة ، وحاول بعض الفقه - حلا لذلك الاشكال الخطير - وضع قواعد لحصر ما يصح ملاحقة القاضي تأديبيا عنه ، فحصرها البعض([13]) في ثلاثة مجاميع هي :-
1-  ما يتصل باداء القاضي لوظيفته :- كتخلفه عن واجب الاقامة في البلدة التي يقع مقر عمله فيها ، او عدم احترامه لواجب الحضور للعمل وتغيبه بلا اجازة ، او افشاء سر المداولة  .
2-  ما يتصل بحياته الخاصة :- فعلى القاضي ان يراعي في حياته الخاصة الامتناع عن أي سلوك – ولو كان في ذاته مشروعا – لا يتفق مع ما يجب ان يكون عليه من وقار وبعد عن الشبهات ، اذ لا يمكن الفصل عن الوظيفة وحياة القاضي الخاصة .
3-  ما يتصل بنشاطه الخارجي :- فلا يجوز للقاضي مزاولة التجارة او اية وظيفة لا تتفق مع استقلال القضاء وكرامته ولا الاشتغال بالسياسة او ابداء الاراء السياسية .
4-   ما يتصل بالاخطاء العلمية والقانونية الفاحشة ولو عند ممارسته سلطة الحكم .
في حين ذهب اخرون ([14])الى تقرير :- انه لا شبهة في ان اخلال القاضي بالواجبات التي تفرضها عليه القوانين والانظمة يترتب عليه مسؤوليته التأديبية كافشاء سر المداولة والجمع بين وظيفة القضاء ومزاولة التجارة او أي عمل لا يتفق مع كرامة القضاء واستقلاله ، وغير ذلك من الواجبات التي يقررها القانون بالنسبة للقضاة ، وانما ثتور الصعوبة عندهم بالنسبة للاعمال الاخرى المتصلة بوظيفة القاضي مما هو ادخل في حياته الخاصة ، والراحج عندهم فيها ان الخطأ الموجب للمسؤولية التأديبية بالنسبة للقاضي ينسحب ايضا على كل عمل خارج عن وظيفته - ولو كان في ذاته مشروعا - اذا كان يمس وقار القاضي وشرفه ومقتضيات اللياقة والاستقامة والامانة والبعد عن الشبهات وغير ذلك مما يجب ان يتحلى به القاضي من الصفات التي أُجملت فيما استلزم من شروط تولي القضاء بان يكون :- ( محمود السيرة وحسن السمعة ) .
والحقيقة ان السلطة التأديبية التي تمنحها القوانين عادة لرؤساء القاضي لممارستها ضده فيها خطر كبير على استقلال القضاة فيما اذا اسيئ استخدامها من اصحاب القرار فيها ، اذا لم توضع لها ضوابط وحدود وقيود ، فلابد ان يلاحظ فيما يتعلق بذلك ما يأتي :-
1-   ان توضع سلطة تأديب القاضي بيد محكمة او لجنة او هيئة تشكل من ارفع القضاة واكثرهم علمية وكفاءة وعدالة.
2-  ان يضع القانون معيار واضح لتحديد ما يعد سببا للمحاكمة التأديبية من اعمال وتصرفات القاضي ، ومنع ملاحقته عن ممارسة لاعماله كسلطة حكم او كسلطة قضائية .
3-  ان لا تكون قرارات تلك المحكمة او اللجنة او الهيئة قطعية . بل يجب ان تخضع قراراتها لطريق طعن يضمن للقاضي حق التظلم من القرار بفرض عقوبة تأديبية عليه .
4-   ان يفصل بين سلطة احالة القضاة للتأديب ، وسلطة التحقيق معهم ، وسلطة فرض العقوبة عليهم ، وسلطة النظر في الطعن بقرارات التأديب  . فلابد ان يضمن – في الاقل - استقلال ( سلطة التأديب ) عن( سلطة الطعن في قرارات التأديب ) ، وان يضمن هذا الاستقلال عن القضاة وعن الرؤساء الاداريين واصحاب القرار في مجلس القضاء الاعلى او وزارة العدل ، كأن يكون تعيين القضاة فيها عن طريق الانتخاب من قبل القضاة انفسهم لمدة معينة .
ونظم قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 النافذ تأديب القضاة تحت عنوان ( الامور الانضباطية ) وشكل لجنة باسم ( لجنة شؤون القضاة ) تتولى الفصل في الدعاوى المقامة على القاضي واعطاها سلطة انزال عقوبات الانذار او تأخير الترفيع او العلاوة وانهاء الخدمة واجاز الطعن في قراراتها امام الهيئة الموسعة في محكمة التمييز .
وتقام الدعوى الانضباطية على القاضي بناء على قرار من وزير العدل باحالته على لجنة شؤون القضاة على ان يتضمن القرار بيانا للواقعة المسندة اليه والادلة المؤيدة لها .
ولجنة شؤون القضاة التي اودع اليها صلاحيات النظر في تأديب القضاة تشكل وفقا لنص المادة ( 4 – ثالثا ) من قانون وزارة العدل رقم ( 101 ) لسنة 1977 من ثلاثة قضاة يختارهم مجلس العدل من بين اعضائه ، فيصبح واضحا ان مجلس العدل يرأسه وزير العدل ، وهو من يرشح او يعين كل اعضاءه تقريبا ، ولجنة شؤون القضاة يختارهم هذا المجلس من بين اعضاءه من القضاة ، والوزير هو رئيسهم الاداري وله سلطة محاسبة ، بل واقالة اي منهم فعليا ، ثم انه هو من يحيل القاضي على لجنة شؤون القضاة ، وممثله هو من يطالب بانزال العقوبات بالقاضي ، فاي معنى بعد ذلك للجنة ؟ وهي لا تضمن - في الحقيقية- اي استقلال او حياد لانها تابعة بالكامل لوزير العدل الذي يحيل القاضي عليها لمعاقبته .
وكان الضمانة الوحيدة في هذا الجانب هو اعطاء القاضي سلطة الطعن في قرار لجنة شؤون القضاة امام الهيئة الموسعة في محكمة التمييز .
الا ان امر اعادة تشكيل مجلس القضاء رقم 35 لسنة 2003 الغى هذه الضمانة ، اذ نص على ان يقوم مجلس القضاء بتشكيل لجنة انضباطية من ثلاثة قضاة  للتحقيق في ادعاءات اساءة التصرف من القضاة او اعضاء الادعاء العام ، واجاز الطعن في قرارها امام مجلس القضاء الاعلى .
فلم يختلف الامر كثيرا ، بل لعله في ظل الاحكام السابقة اكثر انصافا للقاضي لان ضمانة الطعن امام الهيئة الموسعة امام محكمة التمييز كانت ضمانة مهمة وناجعة ، بخلاف الطعن امام مجلس القضاء الاعلى في قرار لجنة الانضباط الحالية ، مع ملاحظة ان رئيس مجلس القضاء الاعلى يمارس سلطات وزير العدل حسبما شرحناه انفا ، اي انه هو من يرأس مجلس القضاء الاعلى وهو من يعين او يرشح معظم اعضاءه وهو من يحيل القاضي الى لجنة الانضباط ، وهو من يرأس مجلس القضاء الاعلى حينما ينظر في الطعن الذي يقدمه القاضي على قرار لجنة الانباط بمعاقبته ، وهو من يرأسه حينما يشكل لجنة التأديب .
فيبدوا واضحا بانه لا توجد اي ضمانة للقاضي العراقي في اجراءات تأديبه حاليا ، لانها خيوط تفرقت شكلا ، ولكنها كلها مجموعة في يد رئيس مجلس القضاء الاعلى .
والحل المقترح لتوفير ضمانة حقيقية للقاضي العراقي في مجال التأديب هو ان يعطى رئيس مجلس القضاء الاعلى او مجلس القضاء الاعلى دور واحد فقط هو احالة القاضي على لجنة الانضباط او التأديب  ، ولا يكون له ولا لمجلس القضاء الاعلى اي دور اخر ،  لا في تشكيل لجنة الانضباط ، ولا في النظر في الطعن على القرارات الصادرة منها  ، وتتولى الهيئة العامة في محكمة التمييز تشكيل لجنة التأديب من ثلاثة قضاة من ارفع واكثر القضاة علمية ، او ان يتم انتخابهم من القضاة لمدة معينة ، على ان يفتح باب الطعن في قرارتها امام الهيئة الموسعة في محكمة التمييز . وان يتضمن القانون تحديدا واضحا للاعمال التي يصح ملاحقة القاضي تأديبيا عنها ، ومنع ملاحقته عن اعماله التي يمارسها كسلطة حكم باستثناء الاخطاء العلمية او القانونية الفاحشة فقط .    


المطلب الثاني
ترقيـــــــة القضـاة
الترقية هو نظام يقسم القضاة الى اصناف يتدرجون بها حسب اقدميتهم وكفائتهم ، ويقصد منه تقييم القضاة وحثهم على تنمية قدراتهم والقيام بواجباتهم على اكمل وجه ، فهو الوسيلة التي يحقق بها القاضي ذاته بالحصول الى وظيفة او منصب قضائي اعلى ذات موارد مادية اكبر ، وهي – اضافة الى ذلك - وسيلة من وسائل ضمان اشغال المناصب القضائية العليا عن طريق التدرج لكي لا يعين فيها من لا خبرة لهم من المبتدئين([15]) او غير الكفوئين ، ولابد من ان تحاط انظمة ترقية القضاة بضوابط تضمن استقلالهم وتمكنهم من اداء مهامهم  بجو من الاطمئنان التام ، واول تلك الضوابط اناط ترقية القضاة بمجلس القضاء الاعلى ، ومنع تدخل السلطة التنفيذية او السلطة التشريعية في ترقية القاضي او تقييم عمله باي حال من الاحوال .
الا ان جعل ترقية القضاة بيد مجلس القضاء الاعلى لا يضمن للقاضي استقلال تام عن رؤوساءه ، فيكون لهؤلاء سطوة وتأثير على القاضي ولو بطريق غير مباشر ، فقد يترك القاضي – الذي اغضب  الممسكون بصلاحية الترقية من رؤسائه - دون ترقية ، ويرقون من يصادف هواهم ، فيضر ذلك باستقلال القضاة وحيدتهم ، فيغدو القاضي الذي يقيم العدالة بين الناس مفتقدا اياها لنفسه ، منشغلا - بما يقع عليه من ظلم - عن رفع الظلم عن الاخرين ، وامام خطورة هذا الوضع اقترح البعض عدم الاخذ بنظام الترقية بالنسبة للقضاة فيعين القاضي بنفس المرتبة والدرجة الذين تنتهي بهما خدمته ([16])،  وهذا ما ذهبت الى الاخذ به بعض النظم القانونية الحديثة كالنظام الانكليزي الذي اخذ بعدم جواز اخضاع عمل القاضي للتقييم ، لان القاضي في ظل هذا النظام اما ان يكون اهلا للعمل القضائي فيستمر فيه ، او لا يكون فيبعد عنه ، وهذا يعني عدم اخضاع القاضي لنظام الترقية ، لان الترقية تعني تقدير عمل القاضي وتقييمه ، فالقضاة يعينون من المحامين الذي مارسوا مهنة المحاماة فترة طويلة لا تقل عن سبع سنوات بالنسبة لقضاة المحاكم الدنيا وثماني عشرة سنة بالنسبة لقضاة المحكمة العليا ، ولا يرقى قضاة أي من الفئتين ابدا ، بل يبقى القاضي في مركزه وراتبه مهما طالت مدته الى ان يعتزل او يموت . وتتميز هذه الطريقة بانها تسمو بالقاضي عن النفاق والرياء والتراكض وراء المسؤولين من اجل الترفيع ، وتمكن القضاء من ان يؤدي رسالته على اكمل وجه .
وتنطبق هذه القاعدة على الدول التي تأخذ بنظام انتخاب القضاة كما في سويسرا والولايات المتحدة حيث لا يخضع عمل القاضي للتقييم والتقدير من قبل اية سلطة من السلطات بل يكون مسؤلا امام الشعب الذي انتخبه وبالتالي لا يرقى القاضي طيلة فترة عمله ([17]).
الا ان معظم الانظمة في العالم العربي وفرنسا تأخذ بمبدأ تقييم عمل القاضي وترقيته وتحديد رواتبه وتدرجه في المناصب القضائية وتدرجه في الراتب في ضوء ترقياته ، لان العيب ليس بنظام الترقية ، وانما العيب في عدم وضع ضوابط لضمان الحياد في الترقية ([18])، لان الغاء الترقية يتنافى مع الامل الطبيعي لدى كل نفس بشرية في مركز احسن ، فبغير هذا الامل يتراخى المرء في عمله ويميل الى كراهيته ، ومن ناحية اخرى فان نظام الترقية في سلم القضاء هو الوسيلة الاكثر ضمانا للتأكد من صلاحية شخص معين لتولي منصب قضائي اكثر تقدما ، وبالتالي اكثر مسؤولية ([19]).
لذلك ومن اجل ضمان عدم خضوع القاضي لرؤساءه المسؤولين عن اخذ قرار ترقيته او حجبه عنه ، فقد وضعت القوانين ضوابط موضوعية للترقية اهمها :-
1-  الاقدمية :- وتعني اشتراط قضاء القاضي مدة معينة في صنفه ليكون مستحقا ترقية الى صنف اعلى ، ولا يصح اعتماد هذا الضابط لوحده كأساس لترقية القاضي ، لان ذلك يجعل الترقية مسألة آلية ، لا تبحث في اعتبارات اخرى اهم ، ككفاءة القاضي وقدراته وجدارته وجديته في العمل ونزاهته ، وهذا يؤدي الى انعدام حوافز البحث والاجتهاد ، كما انها تسمح للروح المكتبية التي تكتنف السلوك الوظيفي بالارتفاع الى اعلى المناصب القضائية ، وقد اخذ بقاعدة الاقدمية في ترقية القضاة قانون السلط القضائية السوري لسنة 1961  ([20]).
2-  الكفاءة :- وتعني ترقية القاضي لدرجة اعلى على اساس كفاءته ، وهو معيار يمتاز بانه يشجع القضاة على البحث والدرس ويحثهم على تنمية قدراتهم العلمية والعملية ، ويبعث فيهم الشعور بالمسؤولية والجدية وينمي لديهم روح الاجتهاد والابداع . الا ان مقتل هذا المعيار وعيبه الخطير يظهر في اسس تقييم الكفاءة ، فلا يوجد اساس جامع مانع يمكن الارتكان اليه في تقييم عمل القضاة ، وذهبت بعض القوانين الى جعل التقارير الواردة عن القاضي والعقوبات التأديبية المفروضة عليه وواقع اعماله هي اسس تقييم اداءه ، كما فعل قانون استقلال القضاء الاردني لعام 1972 في المادة ( 19 ) منه ([21]) ، وجمع قانون التنظيم القضائي العراقي النافذ بين عدة اسس للبحث عن كفاءة القاضي واهليته للترقية منها مطالعات المحاكم التي يتبعها القاضي كرئاسة محكمة التمييز ومحكمة الاستئناف ، والتقارير السنوية  المرفوعة من رؤساءه وتقارير الاشراف القضائي ، والبحث القانوني الذي يقدمه والاحكام الصادرة منه ([22]).
3-  الجمع بين الاقدمية والكفاءة :- بان يتوقف استحقاق القاضي للترقية على قضاءه مدة معينة في صنفه اضافة الى ثبوت كفائته معا ، وميزة هذا المعيار انه يجمع بين مزايا معياري الاقدمية والكفاءة في الوقت ذاته .
  وتأخذ بعض الانظمة القانونية بان تكون ترقية القضاة على اساس الاقدمية لوحدها في الدرجات الدنيا وبالكفاءة والاقدمية في الدرجات العليا ، كما فعل قانون السلطة القضائية في الجمهورية العربية المتحدة لسنة 1972 فجعل ترقية اعضاء النيابة العامة الى قضاة بالمحاكم الابتدائية على اساس الاقدمية ، في حين جعل الترقية للقضاة على اساس الاقدمية والاهلية معا .
وجمع قانون السلطة القضائية العراقي الملغي رقم 26 لسنة 1963 بين الكفاءة والاقدمية فنصت في المادة ( 42 ) :- ( يرفع الحاكم او القاضي من صنف الى اعلى بقرار من مجلس القضاء بعد قضاءه اربع سنوات في الصنف الرابع وخمس سنوات في الاصناف الاخرى ... ) ونصت المادة ( 43 ) منه :- ( يراعي مجلس القضاء عند النظر في ترفيع الحاكم او القاضي تقارير رؤساء الاستئناف وجداول الدعاوى المصدقة والمنقوضة لاحكامه والمراجع الاخرى فيما يتعلق بكفائته وسلوكه وحسن ادارته ... ) .
وجمع قانون التنظيم القضائي العراقي بين اسس الكفاءة والاقدمية في ترقية القضاة ، فيتوجب انهاء القاضي مدة خمس سنوات في صنفه ليستحق الترقية الى صنف اعلى ، شريطة ثبوت كفائته واهليته للترقية الى ذلك الصنف وفق اسس وضوابط ومتطلبات نص عليها القانون .
اذ يرقى القاضي من صنف الى اخر بقرار من مجلس العدل ( اصبح الان مجلس القضاء الاعلى ) بناء على طلبه طبقا لنص المادة ( 45 / ثانيا ) من قانون التنظيم القضائي بشروط هي :-
1-   قد نال راتب الحد الادنى للصنف المراد ترقيته اليه .
2-   قد اعد بحثا في موضوع له علاقة بالاختصاصات القضائية او العدلية .
ويراعي مجلس العدل ( مجلس القضاء الاعلى ) عند النظر في ترقية القاضي تقارير رؤساء المناطق الاستئنافية والمشرفين العدليين عن ( كفائته وحسن ادارته ) وعدد قراراته المصدقة والمنقوضة مع مراعاة اسباب النقض وكذلك رأي وزارة العدل فيما يتعلق بسلوكه وما وجه اليه من تقدير او عقوبة . واوجبت المادة ( 46 ) من القانون المذكور على وزارة العدل استطلاع رأي كل من رئاسة محكمة التمييز ورئاسة محكمة الاستئناف ورئاسة محكمة العمل العليا ورئاسة هيئة الاشراف العدلي ( القضائي ) واهليته للترقية .
ونصت الفقرة ( ثالثا ) من المادة المذكورة على ان يستعين مجلس العدل ( مجلس القضاء الاعلى ) في تقدير اهلية القاضي للترقية بمطالعات الرئاسات المذكورة وبالتقارير السنوية المرفوعة من رؤسائه وبتقارير المشرفين العدليين والبحث القانوني ، والاحكام التي بذل القاضي جهدا في اصدارها او ضمنها اراء قانونية تؤيد متابعته للنشاط الفقهي والقضائي .

المطلب الثالث
النقل
نقل القاضي من محل عمله الى محل عمل اخر هو واحد من اهم تحديات استقلال القاضي داخل السلطة القضائية لان المحاكم على اختلاف درجاتها تنتشر في عموم مدن البلاد ، وهذه تتفاوت من حيث الطقس والظروف الامنية واسباب المعيشة وما يحتاج اليه القاضي واسرته ، لذلك قد يكون النقل او الانتداب وسيلة من وسائل التنكيل بالقاضي حين نقله الى اماكن نائية ، كما قد يكون وسيلة من وسائل المحاباة ، مما قد يؤثر كثيرا في استقلال القاضي عن رؤساءه ([23]).
 فقد يستعمل النقل او الانتداب في خرق استقلال القاضي والتدخل في شؤون العدالة من قبل رؤساء القاضي بطريقين :-
الاولى :- حينما يستعمل النقل او الانتداب كوسيلة يقصد منها نزع يد القاضي من دعوى ينظرها لايداعها الى قاض اخر يوافق هوى اولئك الرؤساء .
الطريقة الثانية :- حينما يستعمل كوسيلة لمحاربة القاضي والضغط عليه او وسيلة لاغواءه . فقد يبطش بالقاضي ممن له سلطة نقله او انتدابه فينقله الى محكمة نائية ، او يعطيه ميزة خاصة بابقائه دائما في المحاكم التي يرغب بالعمل بها .
فالاصل ان الدعوى اذا اودعت وفقا لسياقات العمل القضائي تحت يد قاض في محكمة معينة فلا يجوز نزع يده عنها مطلقا الا بالوسائل المحددة في القانون وهي :- 1- ان يظهر فيه سبب من اسباب عدم صلاحيته لنظر الدعوى ، فيقوم فيه احد الحالات التي تستوجب منعه من النظر في الدعوى وهي حالات الرد الوجوبي المنصوص عليها في المادة ( 91 ) من قانون المرافعات المدنية ([24]). 2- ان تقرر محكمة التمييز رد القاضي بناء على طلب احد الخصوم في الدعوى اذا قام به سبب من اسباب الرد الجوازي المنصوص عليها في المادة ( 93 ) من قانون المرافعات المدنية ([25]). 3- اذا استشعر القاضي من تلقاء نفسه الحرج من نظر الدعوى واقره رئيس الاستئناف على ذلك طبقا لنص المادة ( ( 94 ) من قانون المرافعات المدنية ([26]). 4- اذا قررت محكمة التمييز نقل الدعوى غير الجزائية الى محكمة اخرى وفقا لنص المادة ( 97 ) من قانون المرافعات المدنية ([27]او اذا تقرر نقل الدعوى الجزائية وفقا لنص الفقرة ( ب ) من المادة ( 55 ) والمادة ( 142 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 ([28]).

فاذا تحققت احد تلك الحالات نزعت الدعوى من يد قاضيها واودعت الى قاض تحدده الجهة المختصة قانونا بتحديده وهي محكمة التمييز في حالات رد القاضي الجوازي والوجوبي ، او رئيس مجلس القضاء الاعلى او محكمة الجنايات ضمن منطقتها في حالات نقل الدعوى ، ورئيس الاستئناف في حالة استشعار القاضي الحرج من رؤية الدعوى .
اما اذا لم تتحقق ايا من الصور السابقة فلا يجوز لاحد بضمنهم رؤساء القاضي كوزير العدل او رئيس مجلس القضاء الاعلى او رئيس الاستئناف وحتى المحاكم العليا او غيرهم نزع الدعوى من تحت يد قاضيها مهما كانت الاسباب والمبررات ، ولو سار فيها بطريقة خاطئة او بطريق لا تتناسب مع ما يراه اولئك الرؤساء مناسبا .
الا ان الدعوى قد تنتزع - بطريقة غير قانونية وغير مباشرة - من يد القاضي وتودع الى غيره في حالات نقل القاضي او انتدابه الى محل عمل اخر ، وهي وسيلة قد تكون مقبولة فيما اذا ادت الى انتزاع الدعوى من يد القاضي عرضا دون ان يقصد من النقل او الانتداب بذاته انتزاع دعوى معينة او دعاوى معينة من تحت يد القاضي ، الا انها وسيلة قد تستعمل – قصدا - لانتزاع الدعاوى التي يد تحت قاض معين لايداعها الى قاض اخر لاسباب مختلفة ، فأذا كان القانون يعطي بعض رؤساء القاضي كوزير العدل او رئيس مجلس القضاء الاعلى او رئيس الاستئناف صلاحية نقل القاضي او انتدابه من محكمة الى اخرى ، بشكل مطلق دون قيود او ضوابط محددة ، فيكون بامكان هؤلاء نقل القاضي من المحكمة التي يعمل فيها الى محكمة اخرى اذا ما كانوا يريدون نزع يده عن دعوى معينة ينظر فيها لايداعها الى قاض اخر يحلونه محله ، لانهم غير راضين مثلا عن توجهاته او رأيه فيها لاي سبب ، وهذا اخطر انواع خرق رؤساء القاضي ( لاستقلاله عنهم ) واكثر انواع الصلاحيات خطرا على سير العدالة ، فيستطيع هؤلاء دائما عن طريق الانتداب والنقل نزع دعوى او دعاوى معينة من تحت يد القاضي الذي لا يتوافق سيره في الدعوى مع ما يريدون ويضعونها تحت يد من يشأؤون من القضاة من الذين يحققون مآربهم وغاياتهم ويسيرون فيها على هواهم  .
وقد يستعمل هؤلاء صلاحياتهم في نقل القاضي او انتدابه كوسيلة لمحاربته والضغط عليه حينما يقررون نقله الى مكان بعيد عن محل عمله العادي في المناطق الحدودية او في المناطق ذات الخطورة الامنية الكبيرة ، كعقوبة مبطنه له مما يجعل القضاة تحت رحمة رؤسائهم الممسكون بصلاحيات نقلهم غير المقيدة ، فينزع ذلك استقلال القضاة عن رؤسائهم .
وذلك يجعل القضاة خاضعين لرؤسائهم الذين يمسكون بصلاحية نقلهم ، فيدفعهم الى التزلف لهم ومجاملتهم على حساب الحق والعدل ، ليأمنوا عدم تعرضهم الى عقوبات مبطنة كالنقل .
ولا يستطيع القاضي الاعلان عن رأي يتعارض مع رأي رئيسه الممسك بصلاحية نقله ، ولا يمكنه انتقاده او الاعلان عن عدم رضاه ، ولو بشأن يتعلق به او بوظيفته ، ولا يمكنه الاصطدام مع ذلك الرئيس او مع زبانيته او المقربين منه ، والا كان مصيره النقل بحجة مقتضيات المصلحة العامة .
لذلك فان معظم قوانين السلطة القضائية او التنظيم القضائي في العالم وضعت قيود على نقل القضاة كضمانات تمنع من استغلال ( نقل القاضي ) كوسيلة للتدخل في القضاء والتعدي على استقلال القاضي داخل السلطة القضائية ،  منها :-
1-  منع نقل القاضي الا اذا امضى مدة معينة في محل عمله :- فيتوجب ان تمر مدة معينة يحددها القانون على اشغال القاضي لمركزه او منصبه القضائي ، ليكون ممكنا – بعد انتهاء تلك المدة - النظر في نقله الى محكمة او مركز او منصب قضائي اخر ، فلا يجوز نقل القاضي خلال تلك المدة . وهذه القاعدة تستهدف – اضافة الى ضمان الاستقلال - كفالة استقرار القاضي في عمله ، لان نقل القاضي بين محاكم او وظائف قضائية مختلفة في فترات متقاربة يشل فاعليته وقدرته في اداء عمله ، كما ان تعاقب عدد من القضاة على نظر دعوى معينة في فترة زمنية قصيرة يخل بحسن سير العدالة ويؤخر حسم الدعوى ، كما تضمن هذه القاعدة المنع من استغلال رؤساء القاضي الاداريين صلاحيتهم في النقل لنزع يد القاضي من دعوى او دعاوى معينة ينظرها ، فلا يستطيعون نقله ما دام لم يمض في منصبه او محكمته المدة التي حددها القانون . وكان قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 يأخذ بذلك ، اذ تمنع المادة ( 46 / أ ) منه نقل القاضي الا بعد قضائه مدة لا تقل عن اربع سنوات في مركز وظيفته ([29])، الا ان ذلك الحكم كان صوريا في حقيقته ، اذ صادرت الحكمة منه بالكامل حينما قررت جواز النقل تحت حجة ( الضرورة ) ، فيمكن دائما نقل القاضي في أي وقت تحت تلك الحجة .
واخذ قانون التنظيم القضائي النافذ بمنع نقل القاضي قبل ان يقضي ثلاث سنوات في مكان واحد بنص الفقرة ( ثانيا ) من المادة ( 50 ) الا انه افرغ هذه الضمانة من محتواها وهدم كل معنى لحصانة القضاة ضد النقل بطريقتين :-
الاولى :- حينما اجاز النقل بقرار مسبب اذا اصبحت ظروف القاضي الوظيفية لا تسمح له باداء وظيفته في مكان عمله على الوجه الاكمل وان بقاءه في مكانه  قد يؤثر على سير العدالة اذ ان هذا المعيار في تبرير نقل القاضي معيار غير منضبط ويفرغ كل معني لمنع النقل الا بعد مضي ثلاث سنوات .
والطريقة الثانية :- هي حينما اجاز نقل القاضي تحت مسمى ( انتدابه ) فيجوز انتداب القاضي - ولو لم يمض ثلاث سنوات في مكان عمله - للعمل في محكمة اخرى عند اقتضاء المصلحة العامة اما بقرار من رئيس الاستئناف اذا كان الانتداب ضمن المنطقة الاستئنافية ، اوبقرار من وزير العدل ( رئيس مجلس القضاء الاعلى حاليا ) اذا كان الانتداب من منطقة استئنافية الى اخرى على ان لا تزيد مدة الانتداب على اربعة اشهر ، وليس الانتداب في حقيقته سوى ( نقل ) بُطن باسم قانوني اخر هو ( الانتداب ) وكان يقصد منه افراغ حصانة القضاة ضد النقل من أي معنى او محتوى  .
2-  منع نقل القضاة الا في وقت محدد :- كأن ينص القانون على ان نقل القضاة يجب ان يقع في شهر معين من السنة ، وكان قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 يوجب ان يتم نقل القضاة خلال عطلة المحاكم من كل سنة ، وعطلة المحاكم هي الفترة التي لا تنظر فيها المحاكم في القضايا المدنية والتجارية والشرعية ما لم تكن مستعجلة من 1 / 7 الى 15 / 9 من كل سنة ([30])، ويحقق الاخذ بمثل ذلك ضمانة اضافية للحيلولة دون استغلال صلاحية النقل لنزع يد القاضي من دعوى او دعاوى معينة ينظر فيها ، ومنع التأثير على سير العدالة ، وضمان استقرار القضاة في محاكمهم وعدم تأخير حسم الدعاوى . واخذ قانون التنظيم القضائي النافذ في المادة ( 51 ) منه بذلك حينما نص على ان يجري نقل القضاة خلال شهر تموز من كل سنة ، ولكنه افرغ هذه القاعدة من كل معنى لها وافرغها من الضمانات التي تحققها  حينما اجاز النقل في غير الشهر المذكور اذا اقتضت المصلحة العامة ذلك ، والمعلوم بداهة ان معيار المصلحة العامة معيار فضفاض غير منضبط يمكن الاستناد اليه في نقل القضاة في أي وقت تحت ستار المصلحة العامة .      
3-  منع نقل القاضي الا بموافقته :- فلا يجوز ان ينقل القاضي من مركز عمله او من وظيفته القضائية الى وظيفة اخرى الا بموافقته في بعض الحالات ، ويقصد من ذلك منع استعمال صلاحية النقل كوسيلة للتأثير على القاضي باي صورة من الصور ، ولان اشتراط الحصول على موافقة القاضي على نقله الى مركز اخر يمليه منطق استقلال القضاء الذي يستهدف حماية القاضي من أي تدخل او تأثير  ،  ويعتبر ضمانة من ضمانات تثبيت القضاة واستقرارهم في مراكزهم واعطائهم مزيدا من الهيبة والاحترام ([31]). وقد اخذ قانون التنظيم القضائي النافذ بهذه الضمانة من ضمانات القضاة في مواجهة رؤوسائهم فنصت المادة ( 49 ) على عدم جواز نقل القاضي الى وظيفة غير قضائية الا بموافقته التحريرية ، ولكنها اجازت انتدابه بموافقته التحريرية وبامر من وزير العدل ( رئيس مجلس القضاء حاليا ) في عدد من الحالات والصور منها جواز انتداب القاضي في محكمة التمييز بموافقته التحريرية الى وظيفة مستشار قانوني في مجلس قيادة الثورة او في رئاسة الجمهورية او رئاسة احدى دوائر مركز وزارة العدل واجهزتها او التدريس في الجامعة او المعهد القضائي ، واجازت الفقرة ( ثانيا – أ ) من المادة ( 49 ) من القانون المذكور انتداب القاضي بموافقته التحريرية الى دوائر مركز وزارة العدل واجهزتها من غير المحاكم ، ومنعت الفقرة ( ثانيا – ب ) منها مطلقا من انتداب القاضي الى وظيفة في الدوائر الرسمية ومؤسسات القطاع العام باستثناء انتدابه بموافقته للقيام باعمال الوظائف القانونية في مجلس قيادة الثورة او رئاسة ديوان رئاسة الجمهورية او للتدريس في الجامعة او المعهد القضائي ، على ان لا تتجاوز مدة الانتداب ثلاث سنوات قابلة للتجديد سنة اخرى فقط . والحقيقة ان هذه الضمانة هي الضمانة الحقيقية الوحيدة لتحصين القضاة ضد نقلهم في قانون التنظيم القضائي النافذ ، لانها منعت نقل القاضي او انتدابه الا بموافقتة التحريرية ، ولكنها ضمانة اقتصرت على منع نقل او انتداب القاضي لوظائف غير قضائية( ادارية ) فقط .       
4-  منع نقل القاضي الى وظيفة ادنى :- فلا يجوز نقل القاضي او انتدابه الى مركز ادنى من المركز الذي يشغله وهذه القاعدة مقررة في فقه القانون الاداري بالنسبة لجميع الموظفين وهي تنطبق على القضاة ايضا اذ ان النقل الى وظيفة ادنى سواء من الناحية المادية او الادبية ينطوي على عقوبة تأدييبة مقنعة ، واخذ المادة ( 84 ) من قانون السلطة القضائية السوري بذلك فمنعت نقل القضاة او انتدابهم الى وظائف ادنى من فئتهم ، اما قانون السلطة القضائية العراقي رقم 26 لسنة 1963 فانه اجاز نقل الحاكم الى بعض المراكز بشرط تناسب الوظيفة التي ينقل اليها وصنفه ، واجازت الفقرة ( ثانيا ) من المادة ( 49 ) من قانون التنظيم القضائي النافذ انتداب القاضي بموافقته التحريرية الى دوائر وزارة العدل واجهزتها من غير المحاكم بشرط ان يراعى في الانتداب تناسب الوظيفة التي ينتدب اليها وصنفه .
5-  منع نقل القاضي خارج المنطقة الاستئنافية التي يعمل فيها :- لغرض الحيلولة دون استعمال صلاحية نقل القاضي او انتدابه كوسيلة لمعاقبته او الضغط عليه ، تمنع بعض القوانين نقل القاضي او انتدابه خارج منطقته الاستئنافية لاي سبب الا بموافقته كما هو الحكم في قانون التنظيم القضائي الفرنسي .
وعموما فأن احكام نقل القضاة وانتدابهم في قانون التنظيم القضائي هو اكبر خرق لمبدأ ( استقلال القاضي ) لان القانون المذكور اودعه للرؤساء الاداريين وليس لمجلس القضاء الاعلى ، وهو عمليا من اخطر الادوات التي يخرق بها استقلال القضاة وتنتزع بها شجاعتهم .
 
المطلب الرابع
الفردية في اتخاذ القرار في شؤون القضاة
 داخل السلطة القضائية
لابد في كل ميدان من ميادين العمل بضمنه العمل في السلطة القضائية ان يكون هناك رؤساء لهم سلطات وصلاحيات معينة يمارسونها على مرؤسيهم ، والقضاة لهم داخل السلطة القضائية رؤسائهم ايضا ، الا ان رؤساء القضاة لا يكونوا كغيرهم ، فهم ليس لهم أي سلطات على القاضي في عمله حين ممارسته سلطته القضائية فهو مستقل تماما عنهم ، بل هو اعلى منهم حين ممارستها ( اي حين ممارسته مهامه كسلطة حكم ) ، لكنهم – رغم ذلك – يمارسون عليه صلاحيات وسلطات ادارية رئاسية ، بعضها يخص ما يصدره عنه من قرارات واوامر ادارية باعتباره رئيس اداري لموظفيه ، وبعضها يخص القاضي نفسه بِشأن رواتبه واجازاته وتأديبه وترقيته وترفيعه وغيرها من اموره الوظيفية ، وتلك تكون سبب لخرق كبير وخطير لاستقلال القاضي داخل السلطة القضائية ، الا اذا كُفل للقاضي انصافه فيها ، وعدم ظلمه ، او الاعتداء على حقوقه بشأنها ، وهذا لا يمكن تحقيقه مطلقا حينما ينصب الامر كله فيها بيد رئيس اداري معين كوزير العدل او رئيس مجلس القضاء الاعلى او رئيس الاستئناف او رئيس الجهاز القضائي كرئيس الادعاء العام او رئيس هيئة الاشراف القضائي، اما بطريق مباشر او بطريق غير مباشر .
فبعض القوانين تعطي لوزير العدل او رئيس مجلس القضاء الاعلى سلطات واسعة على القضاة بشأن تأديبهم او ترقيتهم او نقلهم وغيرها من امورهم الوظيفية فيكون امر القاضي بيد ذلك الرئيس ، ولا يخفى ما في ذلك من خطورة على استقلال القاضي عن ذلك الرئيس الاداري ، خاصة اذا لم يفتح القانون للقاضي وسائل طعن حقيقية في تلك القرارات الادارية ، او اذا فتحها ، ولكنها كانت في حقيقتها صورية ، تؤول بالنتيجة النهائية ، الى ذلك الرئيس ، كأن يجعل الطعن في قرار ذلك الرئيس امام لجنة يمنح القانون امر تعيين اعضائها وعزلهم الى ذلك الرئيس نفسه ، او يجعل الطعن في قراراتها امام جهة يرأسها الرئيس الاداري المذكور .
او قد تجعل القوانين امر اخذ القرار بشأن الامور الوظيفية للقاضي الى مجلس او هيئة الا ان اعضاء تلك الهيئة او ذلك المجلس يعينهم ويعزلهم ويمارس عليهم سلطات ادارية ورئاسية اخرى الرئيس الاداري الاعلى نفسه ، فيكون امر هؤلاء اليه ، ويكون – بالتالي - امر القرار الخاص بالقاضي وشؤون وظيفته في حقيقته قرار فردي دكتاتوري لشخص واحد ، رغم انه معطى شكليا لمجلس او هيئة .
ولكي يضمن استقلال القاضي ينبغي :-
1-  ان يودع امر البت في شؤون القضاة وحقوقهم وتقييمهم وترقيتهم وتأديبهم وترشيحهم للمناصب بيد هيئة او مجلس ، ولا يودع أي امر من شؤونهم – ما كان ذلك ممكنا - الى شخص واحد يقرر فيه ما يشاء ، باستثناء الامور البسيطة او التي تحتاج الى قرار آني او فوري .
2-  ان  يراعى في تكوين الهيئة او المجلس منع جمع امر اعضائها بيد شخص واحد في السلطة القضائية ، كأن يكون  رؤساء الاستئناف من بين اعضاءه ، لكن يتوجب ان لا يكون تعيينهم وعزلهم وغيرها من امورهم الادارية بيد الوزير او رئيس مجلس القضاء الاعلى ، بل يتوجب ان يعينوا بالانتخاب من قبل القضاة انفسهم مثلا ، لكي لا يدينوا لرئيس المجلس او الوزير بتعيينهم وعزلهم ، فانهم ان كانوا كذلك فسوف لن  يخرجوا عن رأي من امسك بامورهم ولا عن رغباته ولا يخالفون اجتهاداته ، ما داموا يتوقعون ان يكون مصيرهم العزل او النقل او التعرض للعقوبات المبطنة والمعاملات المؤذية من قبل ذلك الرئيس .
3-  ان يفتح للقاضي – اضافة الى ذلك – حق الطعن بقرارات تلك الجهة امام جهة قضائية عالية المستوى ، من اجل انصافه وكفالة حقوقه ، على ان يراعى في تكوينها ضمان استقلال اعضائها الكامل عن المجلس او الهيئة المذكورة ، بما يضمن – نهائيا - عدم تأثرهم بها باي حال من الاحوال . فلا جدوى من منح القاضي حق الطعن او اقامة الدعاوى بشأن حقوقه الوظيفية امام جهة تابعة في تعيينها وعزلها وامورها الوظيفية للرئيس نفسه ( الوزير او رئيس مجلس القضاء الاعلى ) او ان تكون تابعة للجهة التي تنظر في الطعن على قراراتها . لان ذلك سيجعل الطعن منعدم الجدوى، لانه لن يوفر ضمانة حقيقية للقضاة ولا يؤمنهم على وظائفهم من تجبر وطغيان رؤسائهم الاداريين .  
رغم ان قانون التنظيم القضائي العراقي النافذ اودع امور نقل القضاة وتأديبهم ومراقبتهم والاشراف عليهم وغير ذلك من شؤونهم شكليا الى جهات متعددة مختلفة ، الا انه في الحقيقته جمعها بيد شخص واحد هو وزير العدل قبل اتشاء مجلس القضاء الاعلى عام 2003  ، والى رئيس مجلس القضاء الاعلى بعد انشاء المجلس المذكور . لانه جعل امر تعيين اعضاء تلك الجهات وامر عزلهم وترشيحاتهم واجازاتهم وغيرها من امورهم الادارية بيد ذلك الرئيس .
فالقانون المذكور اعطى لوزير العدل سلطات ادارية واسعة على القضاة يمارسها بارادته المنفردة - كرئيس اداري - كما هو شأن سلطاته في انتداب القضاة واقتراح نقل القضاة ، فللوزير انتداب القاضي من منطقة استئنافية الى اخرى ، وهو صاحب القرار في انتدابه للعمل بوظيفة مستشار قانوني او لاحد دوائر وزارة العدل او للقيام باعمال الوظائف القانونية في مجلس قيادة الثورة او رئاسة الجمهورية او للتدريس في الجامعة او المعهد القضائي ، اما نقل القضاة فان نقل القاضي لا يكون الا باقتراح من وزير العدل الى مجلس العدل ومجلس العدل يرأسه الوزير نفسه ويعين معظم اعضائه وله حق ازاحتهم من مناصبهم متى شاء وله عليهم صلاحيات ادارية ورئاسية واسعة ، لذا فان نقل القضاة ليس في حقيقته الا بيد الوزير وحده ولو كان صوريا بيد مجلس العدل .
فمجلس العدل يتكون بموجب قانون وزارة العدل رقم 101 لسنة 1977 الملغى من وزير العدل رئيسا ورئيس محكمة التمييز نائبا للرئيس ورئيس الادعاء العام ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس هيئة الاشراف العدلي ورؤساء محاكم الاستئناف والمدراء العامين لمركز الوزارة اعضاء ، فاما رئيس محكمة التمييز فلا يعين الا باقتراح من وزير العدل من بين نواب رئيس المحكمة ([32])، ولا يعين نائب رئيس محكمة التمييز الا باقتراح من الوزير ايضا ([33]). واما رئيس مجلس شورى الدولة فانه يعين بمرسوم جمهوري ([34])، وهو من تابعي وزير العدل لان المجلس يرتبط اداريا بوزارة العدل ([35])،  واما رئيس هيئة الاشراف العدلي فانه يعين بمرسوم جمهوري بعد ان يتم اختياره من قبل وزير العدل ، وهو مرتبط اداريا بوزير العدل ([36])، اما رؤساء الاستئناف فانه يعين بمرسوم جمهوري باقتراح من وزير العدل ([37])، وكذلك هو شأن المدراء العامين في مركز الوزارة .
لذلك فان كل اعضاء مجلس العدل لا يعينون الا ممن يرشحهم حصرا وزير العدل ، وفي العادة لا يرشح الرئيس الاداري الى المناصب المهمة في دائرته الا ممن يرضى عنهم ويكونون ادوات طيعة في تنفيذ سياسته ، وهو لا يخرجون عن ذلك لان الوزير – اضافة الى كونه رئيس مجلس العدل – فانه رئيس اداري مباشر لكل اعضاء مجلس العدل .
وكثيرا ما كان يعمد وزير العدل الى عدم تعيين رؤساء الاستئناف والمدراء العامين في الوزارة بمراسيم جمهورية ، بل يعمد الى انتدابهم للعمل في تلك المناصب ، من اجل ان يظل بيده لوحده امر تنحيتهم من تلك المناصب ، وهؤلاء يمثلون – عادة -  اكثرية اعضاء مجلس العدل .
لذلك فان مجلس العدل كان يبدو ظاهريا بانه تشكيل يتخذ قرارات جماعية ، الا ان قراراته في حقيقتها كانت بيد شخص واحد من الناحية الفعلية من عدة جهات :-
1-   من جهة رئاسة وزير العدل للمجلس .
2-   من جهة السلطات الرئاسية والادارية الواسعة لوزير العدل على اعضاء المجلس .
3-  من جهة ان معظم صلاحياته لا يمارسها الا باقتراح من وزير العدل . فلا ينقل المجلس القاضي مثلا الا اذا اقترح وزير العدل ذلك ، ولا يحق له انهاء خدمة القاضي او نقله الى وظيفة مدنية الا باقتراح من الوزير .
4-   من جهة ان لوزير العدل له سلطة تعيين واقالة اي من اعضاء مجلس العدل من الناحية الفعلية . 
ففي ميدان ترقية القاضي وترفيعه و تعيينه او اقتراح تعيينه في المناصب القضائية وغيرها جعل الامر بيد مجلس العدل الا ان مجلس العدل يكون برئاسة وزير العدل وجميع اعضاء المجلس هم اما يعينون من قبله او يقترح هو تعيينهم  وان امر امر عزلهم من مناصبهم يعود اليه كما يعود اليه معظم شؤونه الادارية .  
ودكتاتورية وفردية القرار لوزير العدل على القضاة تسربت الى مجلس القضاء الاعلى بعد اعادة تشكيله بموجب امر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة ( اعادة تشكيل مجلس القضاة ) المرقم 35 في 8 / 9 / 2003   لان تنظيم الامور الادارية والتنظيمية ظلت محكومة بقانون التنظيم القضائي فلم يتغير منها الا امرين احدهما تشكيل مجلس القضاء والثاني تشكيل لجنة السلوك والمعايير المهنية .
فاما تشكيل مجلس القضاء فاصبح من رئيس محكمة التمييز رئيسا ونواب رئيس محكمة التمييز ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف العدلي ( القضائي ) ورؤساء الاستئناف اعضاء ([38])، واصبح هذا المجلس يماريس الصلاحيات التي كان يمارسها مجلس العدل في كل ما يتعلق بالقضاء ، واصبح جميع صلاحيات وزير العدل من صلاحيات رئيس مجلس القضاء الاعلى وهو نفسه رئيس محكمة التمييز ، فلم يتغير أي شئ سوى التسميات .
فرئيس مجلس القضاء الاعلى اضحى هو من يمارس سلطات وزير العدل ذاتها ، وله الصلاحيات والسطوة ذاتها التي كانت لوزير العدل ، فمعظم اعضاء مجلس القضاء يقترح رئيس مجلس القضاء الاعلى تعيينهم كرؤساء الاستئناف ورئيس هيئة الاشراف القضائي ونواب رئيس محكمة التمييز ورئيس الادعاء العام وهم مرتبطون به اداريا ، وله ان ينتدبهم فيضلون تحت قبضته وسيطرته .
فبقيت جميع السلطات والصلاحيات الفردية في قانون التنظيم القضائي التي كانت لوزير العدل ، هي لرئيس مجلس القضاء الاعلى ، ولم يتغير من الامر شئ سوى التسميات . وهذا يجعل جميع تحديات استقلال القضاة داخل السلطة القضائية قائمة على اشدها ، اذ ان الضمانة الاهم ضد خرق استقلال القاضي داخل السلطة القضائية هو منع الفردية في اتخاذ القرارت في شؤون وظيفته ، سواء أكانت تلك الفردية ناتجة عن طريق مباشر او بطريق غير مباشر .
المبحث الثالث
صفات القاضي المستقل
ان منح شخص ما استقلال كامل امر في غاية الخطورة ، خصوصا اذا ما تعلق الامر بالقضاة ، تلك الطبقة المعنية بتحقيق العدالة وانصاف المظلومين ورد الحقوق الى اصحابها وضمان الامن الاجتماعي والزام الاشخاص والحكومة على حد سواء باحترام القوانين ، فأن تصور جمع هذه الوظيفة البالغة الاهمية مع استقلال تام يوحي لنا بكثير من الرهبة والخطر . فما هو الضامن لتحقيق التوازن بين خطورة مهمة القاضي واستقلاله التام ؟
ان ضمير القاضي العالم المشبع بروح الانصاف والعدل الملتزم بقواعد السلوك المهني القويم هو الضمان الحقيقي في مواجهة ذلك ، فانما حافظوا في الولايات المتحدة الامريكية على سلطة قضائية منصفة و مستقلة بنجاح ملحوظ من خلال التطبيق الذاتي للمعايير الاخلاقية ، اذ يقول ( هارلان ستون ) الرئيس السابق للمحكمة العليا في الولايات المتحدة :- ( ان الكابح الوحيد لممارستنا سلطتنا هو تقييدنا الذاتي لسلوكنا ) [39].
وقد نختصر الصفات التي يقتضيها ( الاستقلال ) في القاضي بالعناصر الستة التي بنيت عليها مبادئ ( بانغالور ) وهي :-
 1- الاستقلال . 2- عدم التحيز . 3- النزاهة . 4-اللياقة في المظهر والسلوك . 5- المساواة . 6-الكفاءة .
ونرجح بان الاستقلال التام انما يجب ان يرتبط بقضاة علماء ، تشبعوا بعلوم القانون وتبحروا في اسراره الرائعة ، وصهرتهم الخبرة القانونية والقضائية بشكل يمنحهم حسا عليا لاستشعار الانصاف في جميع انواع المنازعات التي تعرض عليهم .
ولا يخفى بان منح الاستقلال التام لقضاة لا تتوفر فيهم تلك الصفات انما يعد مخاطرة غير معلومة النتائج ، ولعل القاضي المستقل المحدود الخبرة والكفاءة  ، انما هو اخطر على العدالة والامن الاجتماعي من القاضي الكفوء الخبير ولو كان محدود الاستقلال .
لذلك فان شرط منح الاستقلال التام للقضاة داخل المؤسسة القضائية يقوم على وجوب توفير صفات مناسبة فيهم تؤهلهم لتحمل امانة الاستقلال التام ، واولها واكثرها اهمية وخطورة هي العلمية العالية والخبرة .
وفي حدود ما يتعلق بهذه النقطة فان القضاء العراقي عانى من تراجع المستوى العلمي للقضاة منذ بداية عقد الثمانينيات ، واستمر بالتدهور الى هذا اليوم ، حتى اننا نجد من الصعوبة بمكان – اليوم - ايجاد قضاة صالحون فعليا للترشيح كاعضاء في محكمة التمييز ، فلم تعد المؤسسة القضائية ولادة للعلماء وفحول القضاة كما كانت في الستينيات والسبعينيات ، ولم تظهر الا اسماء محدودة جدا في الفترة الاخيرة - خصوصا بعد التسعينيات - كقضاة علماء يصلحون لتولي المناصب القضائية العليا في المؤسسة القضائية . لذا كان ( ضعف الكفاءة القانونية والمهنية لدى بعض القضاة ) احدى اهم معوقات العدالة في العراق بعد عام 2003 ([40]).
واسباب التدهور العلمي في المؤسسة القضائية يعود الى :-
1-  ضعف او انعدام عنصر المساءلة فيما يتعلق بتدني المستوى العلمي للقضاة ، فرغم كثرة الاخطاء الفاحشة للقضاة فنادرا ما تجد محاسبة فاعلة لهم عن تلك الاخطاء العلمية .
2-  تعطيل احكام النصوص المتعلقة بالشكوى من القضاة في المواد ( 286 ) وما بعدها من قانون المرافعات المدنية ، فلم تجد - في حد علمي - اي تطبيق حقيقي لها ، فلم يحكم على اي قاض بنتيجة الشكوى من القضاة على الرغم من كثرة الاخطاء المهنية الفاحشة في دعاوى الخصوم  .
3-  التطبيق الروتيني غير الفعال لاحكام قانون التنظيم القضائي بشأن شروط ترقية القضاة ، الى حد اصبح الشرط الحقيقي الوحيد هو قضاء المدة وتقديم  بحث بسيط لنيل الترقية ، على الرغم من المعايير المهنية البالغة الدقة التي جاء بها قانون التنظيم القضائي في شروط ترقية القاضي .
4-   انعدام او ضعف التدريب المستمر للقضاة .
5-   ضعف نشاطات نشر القرارات والاجتهادات القضائية .
6-   تدني مستوى القسم الاكبر من المتخرجين من المعهد القضائي .
7-   ضعف او انعدام عناصر تحفيز القضاة لتطوير قدراتهم العلمية .
8-   انعدام روح التنافس في المؤسسة القضائية .
9-  قلة فرص اكمال القضاة الراغبين دراستهم العالية ، اذ غالبا ما ترفض طلبات القضاة في الحصول على اجازت دراسة للحصول على شهادات عليا .
10-                       انقطاع المؤسسة القضائية والقضاة عن التواصل مع الخارج والاحتكاك بالخبرات الاجنبية .
11-                       عدم الاهتمام بتعلم القضاة لغات اجنبية ، خاصة اللغة الانكليزية والفرنسية .
12-                       عدم الاهتمام بعقد الندوات او المؤتمرات او ورش العمل للقضاة للنقاش والتدوال بشؤون علمية قانونية او قضائية .
13-                       ضعف تواصل القضاة مع التطور العلمي بشأن استخدام الحاسبات وثورة الاتصالات العالمية .
14-         انعدام الشفافية ، وعدم وجود طرق لجمع المعلومة داخل المؤسسة القضائية ، رغم انها تضع يدها على كنز عظيم من المعلومات عن مظاهر المجتمع المختلفة ، وهي في غاية الاهمية للباحثين والعلماء ولمتخذي القرار .
15-                       ضعف حوافز البحث والدراسة داخل المؤسسة القضائية .
ولعل الحلول هي :-
1-  التفعيل الحقيقي لمحاسبة القضاة عن اخطائهم العلمية الفاحشة باحالة من يرتكب منهم اخطاء علمية او قانونية لا تتناسب مع الحد الادني المطلوب من العلمية عند القاضي الى لجنة الانضباط ( التأديب ) لمحاسبتهم عن تلك الاخطاء .
2-  تفعيل احكام الشكوى من القضاة وفقا لاحكام المواد 286 من قانون المرافعات المدنية وما بعدها ، والتوقف عن النهج المتحيز للقضاء حين الفصل بالشكاوى ضدهم ، ليكون ذلك حافزا وعنصرا ضاغطا ومحرجا للقضاة لتطوير قدراتهم العلمية بما يجنبهم الوقوع باخطاء مهنية جسيمة تؤدي الى الاضرار بحقوق الخصوم .
3-  العمل بدقة وموضوعية في احكام وشروط ترقية القضاة وفقا لما نصت عليه المادة ( 45 و 46 ) من قانون التنظيم القضائي ، وتطوير قواعدها الى اسس رقمية قاطعة ، والتشدد في الترقية الا بتوفر مستوى عال من الكفاءة ، ونقترح في ذلك :-
أ‌-   اشتراط مستوى عال في البحوث التي يقدمها القاضي ، والتشدد في تقييمها بواسطة لجنة علمية من اعلم القضاء واكثرهم خبرة وكفاءة ، وان يمنع كتابة البحوث الا في مواضيع اصيلة نابعة من مشاكل قانونية او قضائية واقعية .
ب‌-   جعل مستوى حسم الدعاوى التي ينظرها القاضي معيار رقمي له قيمة فعلية في تقييمه .
ج- تحديد عدد الاحكام المنقوضة والاحكام المصدقة كمقياس اخر لتقييم القاضي ، على ان يلاحظ تقسيم الاحكام المنقوضة الى نقض معيب ونقض غير معيب ، ويقصد بالنقض المعيب هو النقض الصادر نتيجة خطأ اجرائي او موضوعي ظاهر الخلل ولا يتلائم مع الحد الادني المقبول من العلمية ، اما النقض غير المعيب فيقصد به النقض المتعلق باجتهاد القاضي في تفسير نص او تقدير الادلة دون ان ينسب اليه خطأ قانوني او علمي وانما ينقض القرار لاختلاف محاكم الطعن مع القاضي في اجتهاده ليس الا ، فهذه تلحق بالقرارات المصدقة .
د- تشكيل لجنة من ارفع القضاة واعلمهم واكثرهم خبرة وكفاءة – من غير اعضاء لجنة تقييم البحوث - تتولى تقييم ما لا يقل عن عشرة قرارات يختارها القاضي الخاضع للتقييم من القرارات التي اصدرها في السنتين الاخيرتين لتقييمها وتقدير مدى تضمنها اراء قانونية مبدعة ومدى تأييدها لمتابعته للنشاط الفقهي والقضائي .
 هـ - اعداد استبيانات مناسبة لقياس مدى علمية وكفاءة القاضي تنفذ سنويا على المحامين والمتقاضين وقضاة الطعن لقياس مدى ثقتهم بالقاضي و بقدرته العلمية كموشر بالغ الاهمية لتقدير كفاءة القاضي ومدى ثقة المتقاضين بالقضاء والمحاكم .
و- ملاحظة العقوبات والتقديرات التي يحصل عليها القاضي كاساس اخر لتقييمه .  
4-   الاهتمام بالتدريب المستمر للقضاة ، واشتراط قضاء القاضي ما لا يقل عن شهرين الى ثلاثة اشهر في التدريب سنويا .
5-  تطوير المعهد القضائي والاهتمام بالدارسين به ، والتشدد في ظروف التدريس والنجاح ، والاهتمام بالتدريب ، بما يضمن تخرج قضاة اكفاء يمتلكون ما لا يقل عن الحد الادنى المقبول لمن يتولى القضاء ، واخضاعهم لامتحان مشدد بعد التخرج من المعهد القضائي لتحديد مدى كفايتهم لتولي المنصب .
6-  فتح قنوات تواصل القضاء مع الخارج والاحتكاك بالثقافات الاجنبية والانظمة القانونية المختلفة ، وتمكينهم من التواصل مع زملائهم من القضاة في البلدان الاخرى .
7-  العمل على نشر القرارات والاجتهادات القضائية العراقية والاجنبية ، وتشجيع التعليق عليها ومناقشتها والتأكيد على المبادئ القانونية الدولية والتطور القضائي والقانوني الدولي .
8-  ايجاد محفزات حقيقية للقضاة من اجل التنافس وحثهم للبحث عن التميز والتطور ، كالاخذ بما اخذ به القانون المصري في المادة ( 49 / 5 ) من قانون السلطة القضائية التي اجازت ترقية القاضي صاحب الكفاية الممتازة حتى ولو لم يحل دوره في الترقية مكافأة على كفايته وتشجيعا وحافزا له على الاستمرار في العمل الجاد متى امضى في وظيفته سنتين على الاقل [41].
9-   فسح المجال امام القضاة الراغبين لاكمال دراساتهم للحصول على شهادات دراسية عالية .
10-                       العمل على تعليم القضاة لغات اجنبية خصوصا الانكليزية والفرنسية .
11-                       ايجاد تقاليد قضائية تكرم القضاة المتميزين علميا باحتفالات لها شكليات معينة .
12-         تركيز الضوء على القرارات القضائية المتميزة وعقد الندوات وورش العمل للقضاة لمناقشتها وتكريم اصحابها بما يحفز غيرهم على ابداع مماثل لها .
13-         الاهتمام بعقد الندوات وورش العمل والطاولات المستديرة والمؤتمرات العلمية لمناقشة الاجتهادات القضائية الوطنية والعالمية وتركيز الضوء على اهم النظريات والتطورات في العلوم القانونية والقضائية .
14-         ايجاد قنوات التواصل والتنسيق مع الاكاديميين والجامعات وكليات القانون الحكومية والاهلية لوضع اجتهادات وقرارات القضاء تحت الضوء ومناقشتها وتحديد عيوبها وتشجيع التعليق على قرارات المحاكم بمسابقات او بعقد الورش او المؤتمرات المتخصصة في ذلك وغيرها .
15-         ردم الهوة الواسعة بين القضاء والاعلام [42]، ومنح القضاة فرص التعبير عن ارائهم ، وتشجيع الحوار بشان قرارات القضاء واراءه واجتهاداته ، بما يؤمن تطوير ثقة الشعب بقرارات القضاء ،  والتواصل المباشر مع المواطنين ، وذلك يحقق رقابة علمية وشعبية على اجتهادات المحاكم وبالتالي على المستوى العلمي للقضاة .
16-         العمل على ايجاد طرق واليات لتجميع المعلومات الاحصائية من المحاكم لتكون مادة اولية للبحوث والدراسات ولمتخذي القرار ، والعمل على نشرها وتعميمها ، اذ ان المحاكم تضع يدها على كنز عظيم من المعلومات حول واقع المشاكل الاجتماعية والاسرية والجريمة والفساد ، وتصلح لدراسات في غاية الاهمية ، مثل دراسة جرائم الشرف ، وظاهرة تزويج الصغار ، والبغاء ،  وتعذيب السجناء ، وتجارة المخدرات ، والاتجار بالسلاح ، وسرقة وتهريب الاثار ، او التجاوز على التلول الاثرية ، وغيرها من الجوانب البالغة الاهمية .
17-                        تشجيع البحث العلمي والاحصائي داخل المؤسسة القضائية .  























الخاتمة
1-  ان الغاية من مبدأ ( استقلال القضاء ) هو تحقيق العدالة بأن يمنع اي تأثير على القاضي الذي يفصل في النزاع ، فيكون ( استقلال القاضي ) هو المقصود الاسبق من استقلال ( القضاء كسلطة ) ، ولا قيمة لاستقلال ( القضاء كسلطة ) اذا لم يؤد الى ضمان اكبر لاستقلال القاضي حتى نصل الى نقطة بان يحكم القاضي في النزاع في ضوء حكم القانون وادلة الدعوى واقوال الخصوم وضميره المشبع بالعدل والانصاف فقط ، دون ان يكون متأثرا بضغط او اكراه او اغواء او اي عارض قد يؤثر عليه لحرفه عن طريق الحق والعدل .
2-  يتوجب ضمان استقلال القاضي داخل السلطة القضائية ، فكما يتصور تأثر القاضي بالتنفيذيين او التشريعيين او بضغط الخصوم فانه يتأثر – بشكل اكبر - برؤساءه من القضاة الممسكون بالقرار فيما يتعلق بشؤونه الوظيفية كترقيته وتأديبه ونقله وانتدابه .
3-  يتوجب ضمان استقلال القاضي داخل السلطة القضائية باليات وقواعد واجراءات تضمن للقاضي حقه كاملا دون ان يترك مصيره ليفصل فيه فرد او جماعة يؤول مصيرها الى فرد في النهاية ، ويتوجب ضمان القرار الجماعي الحقيقي في كل ما يتعلق بشؤون القاضي داخل السلطة القضائية .
4-   ان الاستقلال التام يفترض انه لقضاة علماء محايدين شجعان قادرين على ان يكونوا بحجم تلك الامانة العظيمة .
5-  ضرورة وضع قانون تفصيلي للسلطة القضائية – يحل محل قانون التنظيم القضائي النافذ والامر 35 لسنة 2003 -  يجمع اليات واسس حماية استقلال القاضي داخل السلطة القضائية - وفق ما دعا اليه استاذنا القاضي مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء الاعلى / رئيس المحكمة الاتحادية العليا - يراعى فيه تمتع القضاة واعضاء الادعاء العام بالاستقلال في اداء مهامهم والزامهم باداء هذه المهام على وفق القانون ، وان تتم ترقياتهم على اساس مؤهلاتهم وكفاياتهم القضائية دون اعتبار للجنس او للطائفة او للانتماء الاثني و وجوب تأمين الموارد المالية الكافية لهم ووضع الضمانات التي تحول دون التهديد بالانتقام جراء قيامهم بمهامهم او التأثير على ادائهم لهذه المهام عن طريق وسائل الاعلام او الوعيد او اية طريقة اخرى ، وان تجري محاسبتهم عن السلوك المهني الخاطئ من هيآة قضائية بمستوى عال ، وتأمين موارد مالية كافية لهم عند احالتهم على التقاعد ولعوائلهم بعد وفاتهم لتأمين الاستقرار والاطمئنان الى المستقبل وللحيلولة دون لجوء اعضاء السلطة لتأمين ذلك بوسائل غير مشروعة [43].  


                                                                               القاضي
                                                                       رحيم حسـن العكيـلـي
                                                                       تشرين الاول - 2010  


المصادر
  • د . رمزي سيف – قانون المرافعات المدنية والتجارية وفقا للقانون الكويتي – 1974 – جامعة الكويت – كلية الحقوق والشريعة – مطابع مقهوي – الكويت .
  • د فتحي والي – الوسيط في قانون القضاء المدني – دار النهضة العربية – مطبعة القاهرة والكتاب الجامعي – القاهرة .
  • احمد مهدي الديواني – السلطة القضائية – بحث منشور في مجلة العدالة الاماراتية – العدد الرابع عشر – السنة الرابعة – ابريل / 1977 ابو ظبي .
  • د . عيد محمد القصاص – الوسيط في قانون المرافعات المدنية والتجارية – ط1 – 2005 – دار النهضة العربية – القاهرة .  
  • فاروق الكيلاني – استقلال القضاء – ط1 – 1977 – دار النهضة العربية – القاهرة – مطبعة دار التأليف .
  • القاضي مدحت المحمود – القضاء في العراق – دراسة استعراضية للتشريعات القضائية في العراق – ط2 – 2010 – مطابع شركة مجموعة العدالة للصحافة والنشر .
  • المستشار الدكتور عادل محمد جبر احمد شريف – حماية القاضي وضمانات نزاهته – دراسة مقارنة – 2008 – دار الجامعة الجديدة للنشر .
  • سيبان جميل مصطفى الاتروشي – مبدأ استقلال القضاء – دراسة دستورية مقارنة – رسالة ماجستير قدمت الى مجلس كلية القانون جامعة الموصل – 2003 .
  • عبد الوهاب الازرق – هل القضاء سلطة مستقلة – بحث منشور في مجلة العدالة الاماراتية – العدد الحادي عشر – السنة الثالثة – يوليو 1976 .
  • هاشم الشبلي / وزير العدل العراقي الاسبق – تطوير نظام العدالة الجنائية في العراق – وثائق مشروع التخطيط الاستراتيجي للعدالة الجنائية في العراق – تجميع د. محمود شريف بسيوني والقاضي خالد محي الدين – ج3 – 2007 – ط1 – دار النهضة العربية – 32 ش عبد الخالق ثروت – القاهرة .
  • ساندرا داي اوكونور – عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية – اهمية استقلال النظام القضائي – ورقة عمل قدمت في المنتدى القضائي العربي في المنامة – البحرين – 15 ايلول / سبتمبر – 2003 .
              


  









[1] - قلنا هنا :- افراد القضاة بسلطة مستقلة ، ولم نقل :- ( اخضاع القضاة لسلطة مستقلة ) ، كما لم نقل :- ( ربط القضاة بسلطة مستقلة ) ، لان علاقة القاضي بالسلطة القضائية تختلف تماما عن علاقة الموظف بالسلطة التنفيذية فهي ليست علاقة خضوع او تبعية ، فعلاقة القاضي بالسلطة القضائية ليس علاقة تبعية ولاعلاقة خضوع ، فلا رئاسات في السلطة القضائية ، اذ ان كل قاضي رئيس وليس عليه رئيس .
[2] - اما  من لا يتبنى الفصل بين السلطات كالفقه الشرقي الاشتراكي فانه لا يؤمن بالقضاء كسلطة مستقلة لانه يرى ان الفصل بين السلطات يعتبر اخطر اسفين يتأذى منه المجتمع وتضار به مصالحه . انظر في تفصيل ذلك :- عبد الوهاب الازرق – هل القضاء سلطة مستقلة – بحث منشور في مجلة العدالة الاماراتية – العدد الحادي عشر – السنة الثالثة – يوليو – 1976 – ابو ظبي – ص42 .
[3] -  عبد الوهاب الازرق – هل القضاء سلطة مستقلة – مصدر سابق - ص42 .
[4] - د . رمزي سيف – قانون المرافعات المدنية والتجارية وفقا للقانون الكويتي – 1974 – جامعة الكويت – كلية الحقوق والشريعة – مطابع مقهوي – الكويت – ص26 .
[5] -ساندرا داي اوكونور / عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية – اهمية استقلال النظام القضائي – ورقة عمل قدمت في المنتدى القضائي العربي في المنامة البحرين – 15 ايلول سبتمبر / 2003 .
[6] - د . فتحي والي –  الوسيط في قانون القضاء المدني – 1987 – دار النهضة العربية – مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي – القاهرة – ص160 .
[7] - احمد مهدي الديواني – السلطة القضائية – بحث منشور في مجلة العدالة الاماراتية – العدد الرابع عشر – السنة الرابعة – ابريل / 1977 – ابو ظبي – ص77 .
[8] - د . رمزي سيف – قانون المرافعات المدنية والتجارية وفقا للقانون الكويتي – 1974 – ص 26 .
[9] - د. فتحي والي – الوسيط في  قانون القضاء المدني – مصدر سابق – ص160 .
[10] - ان رواتب القضاة قبل عام 2003  كانت في مقدارها اقل منها حاليا ، الا ان قيمتها الحقيقية الشرائية اكبر منها بكثير ، وهي مقارنة بمستوى رواتب موظفي الدولة كانت كبيرة جدا قبل عام 2003 فلا يزيد رواتب كبار الموظفين دون الوزراء عن خمسين او مائة الف دينار في حين يبلغ راتب القاضي من الصنف الاول ( 676 ) الف دينار ومن الصنف الرابع ( 456 ) الف دينار، في حين ان روتب القضاة حاليا تعادل تقريبا رواتب صغار الموظفين في بعض المؤسسات التي تمنح موظفيها مخصصات خاصة ، اذ تعادل او تزيد رواتب موظفي مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية وديوان مجلس النواب وهيئة النزاهة  وغيرها ممن يشغلون الدرجة الاولى رواتب القضاة من الصنف الثاني والثالث من القضاة .
[11] - د . فتحي والي – الوسيط في قانون القضاء المدني – مصدر سابق – ص163 .
[12] - د . رمزي سيف – قانون المرافعات المدنية والتجارية وفقا للقانون الكويتي – مصدر سابق – ص28 .
[13] - د . فتحي والي – الوسيط في قانون القضاء المدني -  مصدر سابق – ص163 و164 .
[14] - د . رمزي سيف – قانون المرافعات المدنية والتجارية وفقا للقانون الكويتي – مصدر سابق – ص28 و29 .
[15] - د. عيد محمد القصاص – الوسيط في المرافعات المدنية والتجارية – ط1 – 2005 – دار النهضة العربية – القاهرة – ص54 .
[16] - د. فتحي والي – الوسيط في قانون القضاء المدني – مصدر سابق – ص162 .
[17] - فاروق الكيلاني – استقلال القضاء – ط1 – 1977 – دار النهضة العربية – القاهرة – مطبعة دار التأليف – ص149 و150 .
[18] - د . عيد محمدالقصاص –  الوسيط – مصدر سابق – ص55 .
[19] - د ز فتحي والي – الوسيط في قانون القضاء المدني – مصدر سابق – ص162 .
[20] - فاروق الكيلاني – استقلال القضاء – مصدر سابق – ص151 .
[21] - نصت المادة ( 19 ) من قانون استقلال القضاء الاردني لعام 1972 :- ( يجري ترفيع القضاة بقرار من المجلس واردة ملكية على اساس الاهلية والكفاءة ضمن الدرجة الواحدة المستمدين من التقارير الواردة عنهم والعقوبات التأديبية المفروضة عليهم ومن واقع اعمالهم  وفي حالة التساوي يرجح الاقدم . ) .
[22] - نصت المادة ( 45 ) من قانون التنظيم القضائي :- ( ... ثانيا :- يرقى القاضي من صنف الى اخر بقرار من مجلس العدل ... ثالثا :- يستعين مجلس العدل في تقدير اهلية القاضي للترقية بالمطالعات المبينة في الفقرتين اولا وثانيا من هذه المادة ، وبالتقارير السنوية المرفوعة من رؤسائه وبتقارير المشرفين العدلين والبحث القانوني المقدم من قبله ، والاحكام التي بذل القاضي في اصدارها جهدا طيبا او ضمنها اراء قانونية تؤيد متابعته للنشاط الفقهي والقضائي ويصدر قراره برقيته اذا كان اهلا لها ، وبخلافه تؤجل ترقيته لمدة لا تقل عن ستة اشهر بقرار مسبب يبلغ اليه . )
[23] - المستشار الدكتور عادل محمد جبر احمد شريف – حماية القاضي وضمانات نزاهته – دراسة مقارنة – دار الجامعة الجديدة للنشر – 2008 – ص160 .سيبان جميل مصطفى الاتروشي – مبدأ استقلال القضاء – رسالة ماجستير قدمت الى مجلس كلية القانون / جامعة الموصل – 2003 .ص
[24] - نصت المادة ( 91 ) من قانون المرافعات المدنية :- ( لا يجوز للقاضي نظر الدعوىفي الاحوال الاتية :- 1- اذا كان زوجا او صهرا او قريبا لاحد الخصوم الى الدرجة الرابعة . 2- اذا كان له او لزوجه او لاحد اولاده او احد ابويه خصومة قائمة مع احد الطرفين او مع زوجه او احد اولاده او احد ابويه . 3- اذا كان وكيلا لاحد الخصوم او وصيا عليه او قيما او وارثا ظاهرا له او كانت له صلة قرابة او مصاهرة للدرجة الرابعة بوكيل احد الخصوم او الوصي او القيم عليه او باحد اعضاء مجلس ادارة الشركة التي هي طرف في الدعوى او احد مديريها . 4- اذا كان له او لزوجه او لاصوله او لازواجهم او لفروعه او ازواجهم او لمن يكون هو وكيلا عنه او وصيا او قيما عليه مصلحة في الدعوى القائمة . 5- اذا كان قد افتى او ترافع عن احد الطرفين في الدعوى او كان قد سبق له نظرها قاضيا او خبيرا او محكما او كان قد ادى شهادة فيها . )
[25] - نصت المادة ( 93 ) من قانون المرافعات المدنية :- ( يجوز رد القاضي لاحد الاسباب الاتية :- 1- اذا كان احد الطرفين مستخدما عنده او كان هو قد اعتاد مؤاكلة احد الطرفين او مساكنته او كان قد تلقى منه هدية قبيل اقامة الدعوى او بعدها .2- اذا كان بينه وبين احد الطرفين عداوة او صداقة يرحج معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل . 3- اذا كان قد ابدى رأيا فيها قبل الاوان . )
[26] - نصت المادة ( 94 ) من قانون المرافعات المدنية :- ( يجوز اذا استشعر الحرج من نظر الدعوى لاي سبب ان يعرض مر تنحيه على رئيس المحكمة للنظر في اقراره على التنحي . )
[27] - نصت المادة ( 97 ) من قانون المرافعات المدنية :- ( يجوز نقل الدعوى من محكمة الى اخرى بقرار من محكمة التمييز اذا تعذر تشكيل المحكمة لاسباب قانونية او كان في رؤية الدعوى ما يؤدي الى الاخلال بالامن او لاي سبب اخر تراه محكمة التمييز مناسبا . )
[28] - نصت الفقرة ( ب ) من المادة ( 55 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية :- (  يجوز نقل الدعوى من اختصاص قاضي تحقيق الى اختصاص قاضي تحقيق اخر بامر من وزير العدل او قرار من محكمة التمييز او من محكمة الجنايات ضمن منطقتها اذا اقتضت ذلك ظروف الامن او كان النقل يساعد على ظهور الحقيقة . ) ونصت المادة ( 142 ) من القانون المذكور :- ( يجوز نقل الدعوى من اختصاص محكمة جزائية الى اختصاص محكمة جزائية اخرى بنفس درجتها بامر من وزير العدل او بقرار من محكمة التمييز او محكمة الجنايات ضمن منطقتها اذا اقتضت ذلك ظروف الامن او كان النقل يساعد على ظهور الحقيقة . )  واصبحت صلاحيات وزير العدل او وزارة العدل بموجب جميع القوانين المتعلقة بالقضاء تشير الى مجلس القضاء او رئيس مجلس القضاء وفقا لنص القسم ( 7 ) من مذكرة سلطة الاتئلاف لموقتة المنحلة رقم 12 لسنة 2004 .
[29] - نصت المادة ( 46 ) من قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 :- ( أ- مع مراعاة احكام المادة ( 36 ) من هذا القانون يجري النقل خلال عطلة المحاكم من كل سنة ولا ينقل الحاكم او القاضي او نائب الحاكم الا بعد قضاءه مدة لا تقل عن اربع سنوات في مركز وظيفته الا اذا كان هذا المركز من الاماكن التي يستحق فيها مخصصات محلية فتكون المدة سنتين ، ويجوز النقل في كلتا الحالتين قبل انتهائها عندما تقضي الضرورة بذلك على ان تبين الاسباب في قرار المجلس . ) أي مجلس القضاء .
[30] - نصت المادة ( 7 ) من قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 :- ( لا تنظر المحاكم في القضايا المدنية والتجارية والشرعية خلال عطلة المحاكم ما لم تكن مستعجلة وتعطل المرافعات فيها من اليوم الاول من شهر تموز الى الخامس عشر من شهر ايلول من كل سنة وتعين القضايا المستعجلة خلال هذه المدة ببيان يصدره وزير العدل . ) .
[31] - فاروق الكيلاني – استقلال القضاء – مصدر سابق – ص143 و144 .
[32] - نصت المادة ( 47 / خامسا ) من قانون التنظيم القضائي :- ( يعين رئيس محكمة التمييز بمرسوم جمهوري بناء على اقتراح وزير العدل من بين نواب رئيس المحكمة . ) .
[33] - نصت المادة ( 47 / رابعا ) من قانون التنظيم القضائي :- ( يعين نائب رئيس محكمة التمييز بمرسوم جمهوري بناء على اقتراح وزير العدل من بين قضاتها الذين امضوا مدة لا تقل عن ثلاث سنوات فيها . ) .
[34] - نصت المادة ( 22 ) من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 :- ( اولا :- يعين الرئيس ونائب الرئيس والمستشار والمستشار المساعد بمرسوم جمهوري  بصورة مباشرة . )
[35] - نصت المادة ( 1 ) من قانون مجلس شورى الدولة :- ( يؤسس مجلس يسمى ( مجلس شورى الدولة ) يرتبط اداريا بوزارة العدل ... ) .
[36] - نصت المادة (  3  )من قانونالاشراف العدلي رقم 124 لسنة 1979 :- ( اولا :- تشكل في وزارة العدل هيئةللاشراف العدلي ترتبط بوزير العدل ... ثانيا / أ :-  يختار الوزير رئيس الهيئة من بين قضاة الصنف الاول ... ويتم تعيينه بمرسوم جمهوري ... ) .
[37] - نصت المادة ( 47 / ثانيا ) من قانون التنظيم القضائي المعدلة بالقانون رقم 9 في24 / 1 / 2000 :- ( يعين رئيس محكمة الاستئناف بمرسوم جمهوري بناء على اقتراح وزير العدل من قضاة الصنف الاول الذين امضوا مدة لا تقل عن سنتين في هذا الصنف من بين نواب رؤساء محاكم الاستئناف او من المديرين العامين  لدوائر مركز وزارة العدل واجهزتها . ) . وكان قبل التعديل يعين بقرار من مجلس العدل بترشيح من وزير العدل .
[38] - نصت المادة ( 2 ) من امر ( اعادة تشكيل مجلس القضاة ) رقم 35 لسنة 2003 :- ( 1- يقدم المسؤولون الذين يشغلون المناصب التالية خدماتهم للمجلس بصفتهم اعضاء فيه :- رئيس محكمة التمييز / رئيس المجلس .نواب رئيس محكمة التمييز . المدير العام لمجلس شورى الدولة .المدير العام لجهاز الادعاء العام . المدير العام لجهاز الاشراف القانوني . مدير عام الادارة اذا كان من يشغل هذا المنصب قاضيا او مدع عام . )
[39] - ساندرا داي اوكونور / عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية – اهمية استقلال النظام القضائي -  ورقة عمل قدمت في المنتدى القضائي العربي في المنامة البحرين 15 ايلول سبتمبر / 2003 .
[40] - هاشم الشبلي – وزير العدل العراقي الاسبق – تطوير نظام العدالة الجنائية في العراق – وثائق مشروع التخطيط الاستراتيجي للعدالة الجنائية في العراق ج3 – 2007 – تجميع د . محمود شريف بسيوني والقاضي خالد محي الدين . ص104 – دار النهضة العربية – 32 ش عبد الخالق ثروت – القاهرة .
[41] - المستشار الدكتور عادل محمد جبر احمد شريف – حماية القاضي وضمانات نزاهته –  ص159 .
[42] - هاشم الشبلي – المصدر السابق – ص104 .
[43] - القاضي مدحت المحمود – القضاء في العراق – دراسة استعراضية للتشريعات القضائية في العراق – ط2 – 2010 – مطابع شركة مجموعة العدالة للصحافة والنشر .ص 70 . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق