الاثنين، 2 فبراير 2015



بسم الله الرحمن الرحيم

العلاقة بين هيئة النزاهة وقاضي التحقيق
القاضي
رحيم حسن العكيلي

         مفوضية النزاهة العامة ( هيئة النزاهة ) هي إحدى جهات ثلاث لملاحقة الفساد في الدولة العراقية ، وهي ديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين والهيئة المذكورة ، التي أسست بالقانون التنظيمي الصادر عن مجلس الحكم استنادا للصلاحية التي منحها إياه المدير الاداري لسلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة بالأمر المرقم (55) لسنة 2004 وقد منحها (أي الهيئة) القانون المذكور سلطة التحقيق في القضايا وإحالتها على المحاكم لاتخاذ الإجراءات الجنائية بشأنها ، وقد رسم القانون علاقتها بقاضي التحقيق في القسم الرابع منه وعلى الشكل الأتي :-
1.  للهيئة صلاحية التحقيق في أي قضية فساد وقعت في الماضي ابتداء من 17/ تموز/1968 لغاية نفاذ قانونها في 27/ كانون الثاني/2004 عن طريق محققيها ، ولها أن تعرض على قاضي التحقيق المختص تلك الأوراق التحقيقية بواسطة احد محققيها من الدرجة الأولى ، وعلى قاضي التحقيق التعامل مع محقق المفوضية ( الهيئة ) من الدرجة الأولى كما يتعامل مع محقق المحكمة التابع له ، ويكون للمفوضية ( الهيئة ) في هذا النوع من الجرائم صفتان ، الأولى صفة المحقق الذي يباشر التحقيق في القضية تحت إشراف قاضي التحقيق المختص والثانية إنها طرف في القضية ، فعليها ملاحقتها بموظف حقوقي باعتبارها من أطرافها إضافة الى محققها الذي يباشر التحقيق فيكون لها ما لإطرافها وعليها ما عليهم ، إلا إنها في ضوء النصوص الحالية طرفا في القضية ولكن ليس لها حق الطعن في قرارات قاضي التحقيق ، فينبغي إعطائها حق الطعن في قرارات قاضي التحقيق وإلا لما كان للقول بأنها من أطراف القضية أية قيمة ، فالنصوص الحالية لا تمنح المفوضية ( الهيئة ) هذا الحق رغم اعتبارها من أطراف القضية إذ حددت المادة 249/ أ من قانون أصول المحاكمات الجزائية من لهم حق الطعن بقرارات قاضي التحقيق وهم الادعاء العام والمتهم والمدعي المدني والمسؤول مدنيا والمشتكي حصرا ، فلا تدخل المفوضية ( الهيئة ) .
2.  للهيئة صلاحية التحقيق في جميع قضايا الفساد التي تقع بعد نفاذ قانون تأسيسها بواسطة محققيها تحت إشراف قاضي التحقيق المختص ، ويتوجب بالقاضي أن يتعامل مع محقق الهيئة كتعامله مع المحقق التابع لمحكمته في تلقي الأوراق التحقيقية منه واتخاذ ما يلزم بشأنها من قرارات وفق القانون ، ولكن ليس للهيئة في هذه القضايا سوى صفة المحقق بخلاف القضايا التي وقعت قبل نفاذ قانون تأسيسها إذ لها فيها صفتان كما ذكرنا .
3.  للهيئة الحق باستلام اخبارات قضايا الفساد التي تدخل في اختصاصها سواء كانت تلك الاخبارات تتعلق بجرائم وقعت قبل أو بعد تأسيسها شريطة أن لا تكون وقعت قبل 17/ تموز / 1968 ، بما فيها الاخبارات المغفلة أي التي لا يعرف المخبرون عنها عن انفسهم ، فهي بذلك جهة من جهات تلقي الاخبارات عن الجرائم والتحقيق فيها تحت إشراف قاضي التحقيق ، فهي في هذا أشبه في عملها بمراكز الشرطة في حدود الجرائم التي تدخل في اختصاصها . ولا يملك قاضي التحقيق صلاحية سحب التحقيق من محقق الهيئة في أيا من الحالات المذكورة آنفا وتسليمها الى احد محققي المحكمة أو مركز الشرطة ، إنما قد يكون له حق الطلب من رئيس الهيئة أو من مدير عام دائرة التحقيقات فيها إبدال المحقق بآخر من محققي الهيئة ، لان القول بخلاف ذلك يتعارض مع ما للهيئة من حق اختيار التحقيق في القضايا ووجوب احترام هذا الخيار من قاضي التحقيق وفقا لما هو مشروح في الفقرة (5) أدناه.
4.  إذا باشر قاضي التحقيق إجراءات التحقيق في قضية من قضايا الفساد التي تدخل في اختصاص الهيئة عن طريق مركز الشرطة أو محققي المحكمة ، فقد اوجب عليه القانون أن يبلغ مدير الشؤون القانونية في الهيئة بذلك ، ويطلع الهيئة بسير التحقيق أولا بأول بناءا على طلبها . فيكون للهيئة في هذه الحالة متابعة هذا النوع من الدعاوي عن طريق طلب المعلومات عنها من قاضي التحقيق دون إرسال ممثل قانوني عنها لملاحقة القضية لأنها ليست طرفا فيها إلا إذا كانت من قضايا الفساد الواقعة بين 17/ تموز / 1968 وتاريخ نفاذ قانون المفوضية ( الهيئة )  في 27/ كانون الثاني /2004 لأنها تعد طرفا فيها كما اشرنا في الفقرة (1) أعلاه ، وإلا فان القول بخلاف ذلك (أي القول بوجوب إرسال ممثل قانوني) يجعل الهيئة تتقمص دور الادعاء العام رغم إنها لاتمتلك مقومات دوره في مثل تلك القضايا ، وفي ذلك إهدار وتشتيت لجهود موظفي الهيئة من القانونيين في أمور لم ينص القانون على وجوب ملاحقتها بممثل قانوني بل اكتفى بمتابعة سير التحقيق فيها أولا بأول بطلب من الهيئة فقط وفقا لما تنص عليه الفقرة (5) من القسم الرابع من القانون النظامي الصادر من مجلس الحكم استنادا للأمر 55 لسنة 2004 ، إضافة الى أن الهيئة مهما اتسعت ومهما بلغ عدد موظفيها فلا يمكن ملاحقة قضايا الفساد في عموم العراق ، ولو انشأت فروع لها في المحافظات ، خاصة وانه لا مبرر لمثل ذلك الإجراء مع وجود ممثلي الادعاء العام في المحاكم وعدم وجود النص القانوني الموجب للأخذ به.
5.  أعطى القانون للهيئة صلاحية اختيار أن تتولى التحقيق في ( قضية الفساد ) المعروضة على قاضي التحقيق والتي باشر التحقيق فيها بواسطة مركز الشرطة أو محققي المحكمة ، وعلى قاضي التحقيق إرسال ملف القضية كاملا إليها والتوقف عن التحقيق فيها ، إذ تتولى المفوضية ( الهيئة ) ذلك بواسطة محققيها ، أما تحت إشراف نفس القاضي أو تحت إشراف قاضي آخر وفق ما ترتايه الهيئة . ولكن يشترط في ذلك أن تكون القضية من قضايا الفساد التي تدخل في اختصاص المفوضية ( الهيئة ) ، فإذا قام نزاع بين الهيئة وقاضي التحقيق في تكييف الواقعة ودخولها أو عدم دخولها في اختصاص الهيئة (أي باعتبارها قضية فساد من عدمه) فان القانون لم يضع حلا صريحا لذلك ، إلا إن الأمر فيما يتعلق بقضايا الفساد السابقة على تأسيس الهيئة فقد يبدو في الظاهر محلولا بان القانون جعل الهيئة طرفا في القضية فيكون لها حق الطعن في قرار قاضي التحقيق أمام محكمة الجنايات التي يتبعها ، ولهذه الأخيرة القرار الفاصل في النزاع ، إلا إن ذلك قد يصطدم بتعداد من يحق له الطعن تمييزا في قرارات قاضي التحقيق بموجب الفقرة ( أ ) من المادة (249) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بدلالة المادة (265/ أ) من القانون المذكور وهم الادعاء العام والمتهم والمشتكي والمدعي المدني المسؤول مدنيا فقط ، ولا يمكن إدخال المفوضية ( الهيئة ) في أيا  منهم ، كما انه قد يصطدم بما تنص عليه الفقرة (ج) من نفس المادة بدلالة الفقرة (ج) من المادة 265 منه التي منعت الطعن على انفراد في القرارات الصادرة في مسائل الاختصاص والقرارات الإعدادية والإدارية وأي قرار أخر غير فاصل في الدعوى إلا إذا ترتب عليها منع السير في الدعوى واستثنى من ذلك فقط قرارات القبض و التوقيف وإطلاق السراح بكفالة أو بدونها ، فقرار قاضي التحقيق في تكييف الواقعة تحت نص عقابي معين ورفض طلب المفوضية ( الهيئة ) بالتوقف عن التحقيق وإرسال ملف الدعوى ليس من القرارات التي تقبل الطعن فيها على انفراد . لذلك فلا نجد في النصوص الحالية أي حل للموضوع، ويتطلب الأمر إصدار تعديل للقانون النظامي المؤسس للهيئة بإعطائها حق الطعن في قرارات قاضي التحقيق في حالتين:-
أ‌.   في حالة ما إذا كانت طرفا في الدعوى لتفعيل دورها كطرف حقيقي وليس مجرد متابع لأحول له ولاقوه ، وهي تكون طرفا في الدعوى إذا كانت قضية الفساد الجاري التحقيق فيها وقعت بين تاريخ نفاذ قانون تأسيس المفوضية ( الهيئة ) و تاريخ 17/تموز/1968 .
ب‌. في حالة وقوع نزاع بينها وبين قاضي التحقيق حول التكييف القانوني لقضية الفساد ودخولها في اختصاص الهيئة من عدمه ، فقد يكيف قاضي التحقيق جريمة التزوير وفق المادة 289 من قانون العقوبات وهي من المواد التي لا تدخل في اختصاص المفوضية ( الهيئة ) ، في حين ترى الهيئة إن الجريمة مما ينطبق وإحكام المادة (290) من قانون العقوبات الداخلة في اختصاصها ، فإذا طلبت منه إرسال ملف القضية إليها والتوقف عن التحقيق فيها فلن يستجيب لأنه كيف الفعل تحت مادة لا تدخل في اختصاص الهيئة . فلا بد من إعطاء الهيئة حق الطعن أمام محكمة الجنايات في قراره لفض النزاع بين الطرفين.
6.  وقد يقع أن تقدم الشكوى أو الإخبار بشان قضية فساد الى قاضي التحقيق مباشرة أو عن طريق احد مراكز الشرطة التابعة له أو عن طريق احد محققي المحكمة ، وتقدم أيضا الى هيئة النزاهة ، فيجري في نفس القضية تحقيقين احدهما من قبل الجهات العامة تحت الإشراف المباشر لقاضي التحقيق  والثاني من قبل هيئة النزاهة ، ففي هذه الحالة ينبغي تطبيق حكم المادة (54) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 بان تحال الأوراق التحقيقية الى الجهة التي قدمت إليها الشكوى أو الإخبار أولا ، سواء كانت الهيئة أو أي جهة من الجهات التابعة لقاضي التحقيق ، إلا إن تلك القاعدة مقيدة بحق الهيئة في أن لها الأفضلية في اختيار مباشرة التحقيق بنفسها طبقا لإحكام البند (5) من القسم (4) من القانون التنظيمي المؤسس للمفوضية ( للهيئة ) ، فإذا اختارت المفوضية ( الهيئة ) مواصلة التحقيق فلا تطبيق لحكم المادة (54) الأصولية المشار إليها بل يجب إيداع الأوراق التحقيقية جميعا وتوحيدها لدى هيئة النزاهة لإكمال التحقيق فيها بواسطة محققيها.
ولا بد من الإشارة الى أن الإخبار الذي يقدم الى المفتش العام لا يلحق بحالات الإخبار أو تقديم الشكوى التي تثير مبررات تطبيق المادة (54) الأصولية ، لان المفتش العام لا يعد من جهات تلقي الاخبارات عن الجرائم  ولا من جهات التحقيق الجزائي فيها ، لذا فان التحقيق الذي قد يجريه أي مفتش عمومي في وزارة لايتعارض مع أي تحقيق قد يباشره قاضي التحقيق أو هيئة النزاهة  ، لأنه ليس إلا تحقيق إداري غايته كشف التجاوزات أو الجرائم ثم تقديم الاخبارات عنها للجهات التي تملك السلطات التحقيقية.

وعلى العموم فان دور المفوضية ( الهيئة ) ينتهي باعتبارها جهة تحقيق بصدور القرار الفاصل بالقضية من قاضي التحقيق وفق المادة (130) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أما برفض الشكوى وغلق الدعوى نهائيا أو بالإفراج عن المتهم أو بإحالته على المحكمة المختصة ، أي إن مهمتها في هذه الحالة تنتهي مع انتهاء دور قاضي التحقيق في القضية وتعود مع عودة دوره فيها ، في حالة إعادتها إليه لأي سبب بعد الإحالة أو نقض قراراته من جهة طعن مختصة ، أما دور الهيئة باعتبارها طرف في القضايا التي وقعت الأفعال المكونة لجرائمها قبل نفاذ قانون المفوضية ( الهيئة ) وبعد 17/ تموز/1968 فلا ينتهي إلا بانتهاء جميع ادوار الدعوى الجزائية واكتساب القرار أو الحكم الصادر فيها درجة البتات.




القاضي
رحيم حسن العگيلي





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق