نظرة نقدية
في قانون مكافحة الاتجار بالبشر العراقي
القاضي
رحيم حسن
العكيلي
صدر في العراق قانون ( مكافحة الاتجار بالبشر) رقم 28
لسنة 2012 الذي جرم بموجبه - لاول مرة في العراق – فعل الاتجار بالبشر ([1])
، فكان خطوة هامة في طريق المساهمة في الجهود الدولية للوقوف بوجه هذه الظاهرة
الخطيرة ، الا ان القانون يظل من صنع البشر ولابد ان تظهر فيه بعض مواضع الخلل ،
وسنتعرض هنا للعيوب في تعريف الاتجار بالبشر فقط ، ونعود في مقال لاحق الى عيوب
القانون الاخرى .
اذ عرفت المادة ( 1 / اولا ) من القانون ( الاتجار
بالبشر ) بقولها :- ( يقصد بالاتجار بالبشر لاغراض هذا القانون تجنيد اشخاص او
نقلهم او ايوائهم او استقبالهم بوساطة التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من
اشكال القسر او الاختطاف او الخداع او استغلال السلطة او باعطاء او تلقي مبالغ
مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة او ولاية على شخص اخر بهدف بيعهم او استغلالهم
في اعمال الدعارة او الاستغلال الجنسي او السخرة او العمل القسري او الاسترقاق او
التسول او المتاجرة باعضائهم البشرية او لاغراض التجارب الطبية ) .
وهذا التعريف مأخوذ من التعريف الوارد في المادة ( 3 )
من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالاشخاص وبخاصة النساء والاطفال المكمل
لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ( بروتوكول باليريمو
- ايطاليا ) لسنة 2000 التي نصت :-
( لاغراض هذا البروتوكول :- أ- يقصد بتعبير الاتجار بالاشخاص
:- تجنيد اشخاص او نقلهم او تنقيلهم او ايواؤهم او استقبالهم بواسطة التهديد
بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال او الخداع
او استغلال السلطة او استغلال حالة استضعاف ، او باعطاء او تلقي مبالغ مالية او
مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص اخر لغرض الاستغلال .
ويشمل الاستغلال كحد ادنى – استغلال دعارة الغير او سائر
اشكال الاستغلال الجنسي او السخرة او الخدمة قسرا ، او الاسترقاق ، او الممارسات
الشبية بالرق ، او الاستعباد او نزع الاعضاء .).
الا انه اجرى عليه ست تعديلات خطيرة هي :-
اولا :- رفع لفظ ( التنقيل ) الوارد في التعريف الدولي من تعداد الافعال المكونة
للجريمة ، واكتفي بافعال ( التجنيد والنقل والايواء والاستقبال ) ، في حين ان
اللفظ المرفوع ( التنقيل ) له معنى غير ( النقل) الواردين في النص العراقي والدولي
، ويواجه انواعا من الافعال لا يستوعبها
لفظ ( النقل ) ، تتعلق بمسؤولية الناقلين او اصحاب وسائل النقل كالسفن والطائرات
والحافلات وغيرها.
ثانيا :- رفع ( استغلال حالة الاستضعاف ) الواردة في النص الدولي ، من تعداد طرق قهر او اجبار الضحايا ، واكتفى بـ
( التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال
او الخداع او استغلال السلطة او باعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة
شخص له سيطرة على شخص اخر . )
رغم ان العبارة المرفوعة تعالج حالة الاشخاص الذين يجدون
انفسهم تحت السيطرة في الاعراف والممارسات المشابة للرق ، وهي حالة موجودة في
العراق، ويعاني منها بعض النساء ، من الضحايا لاعراف عشائرية تقليدية متخلفة .
ثالثا :- رفع حالتين هامتين من حالات الاستغلال هي (
الاستعباد ) و ( الممارسات الشبية بالرق ) الواردة في التعريف الدولي ، رغم انهما من حالات
استغلال البشر الخطيرة والتي نعاني في مجتمعاتنا صور منها ، كمنح النساء تعويضا
الى قبيلة او عشيرة اخرى ( الفصلية ) و( زواج الشغار ) الذي يعطي الرجل فيه ابنته
او اخته الى اخر ليتزوجها في مقابل اخذه بنته او اخته ليتزوجها بلا مهر ، وهو
الزواج المعروف في العراق باسم ( الزواج كصة بكصة ) .
ويعتبر من قبيل ( الاعراف والممارسات الشبية بالرق ) -
حسب نص المادة ( 1 ) من الاتفاقية التكميلية لابطال الرق وتجارة الرقيق والاعراف
والممارسات الشبية بالرق لسنة 1956 – ما يأتي :-
1-
اسار الدين ، وهو ارتهان المدين بتقديم خدماته الشخصية
او خدمات شخص تابع له ضمانا لدين عليه ، اذا كانت القيمة المنصفة لهذه الخدمات لا
تستخدم لتصفية الدين ، او ان تكون مدة تلك الخدمات او طبيعتها غير محددة .
2-
القنانة :- وهو شخص يكون ملزما – عرفا او قانونا او
اتفاقا – بان يعيش ويعمل في ارض شخص اخر ، بعوض او بدزن عوض ، لكن دون ان يملك
حرية تغيير وضعه .
3-
الوعد بتزويج امرأة او تزويجها فعلا دون ان تملك حق
الرفض ، لقاء بدل مالي او عيني يدفع لابويها او للوصي عليها او لاسرتها او لاي شخص
اخر .
4-
منح الزوج او اسرته او قبيلته حق التنازل عن زوجته لشخص
اخر لقاء ثمن او عوض اخر .
5-
توريث المرأة الى شخص اخر اذا ما مات زوجها .
6- اي عرف او ممارسة تسمح
لاحد الابوين او كليهما او للوصي بتسليم طفل او مراهق دون الثامنة عشرة الى شخص
اخر ، لقاء عوض او بلا عوض ، بقصد استغلال الطفل او المراهق او استغلال عمله .
رابعا :- ابدال لفظ ( نزع الاعضاء البشرية ) المستخدم في
النص الدولي بلفظي ( المتاجرة باعضائهم البشرية او لاغراض التجارب الطبية ) ، وهو اتجاه منتقد لان اللفظ الدولي اوسع بكثير من النص
العراقي ، لان النص العراقي حصر الامر في هدفين الاول هو المتاجرة بالاعضاء ،
والثاني التجارب الطبية ، فيخرج – بالتالي - اي شكل من اشكال نزع الاعضاء البشرية لاي
غرض اخر غير المتاجرة او التجارب الطبية ، مثل ان يختطف ثري مراهق لاخذ عضو منه
لزرعه في جسد ابنه ، او لاغراض نزع بعض اعضائه لأكلها او لاستخدامها في السحر
والشعوذة ، فذلك لا يعد من اشكال المتاجرة بالبشر وفقا للنص العراقي ، في حين اان النص الدولي يستوعب كل تلك الفروض
.
خامسا :- حصر هدف الجناة في ( الاستغلال ) في ثمان اغراض فقط ،على خلاف النص الدولي
الذي ذكرها على سبيل المثال لا الحصر .ويعد ذلك اخطر تعديل اجراه القانون العراقي على التعريف
الدولي ، حينما اكتفى القانون العراقي بثمانية انواع من انواع الاستغلال هي :- 1-
اعمال الدعارة 2- الاستغلال الجنسي 3- السخرة
4- العمل القسري 5- الاسترقاق 6-التسول 7- المتاجرة باعضائهم البشرية 8-
لاغراض التجارب الطبية ، في حين ان النص الدولي لم يحصر اصناف الاستغلال ، بل
اطلقها تحت مسمى ( الاستغلال ) وضرب عليها امثلة فقط .
ومعنى ذلك هو ان
النص العراقي وقع بخطأ خطير حينما حصر ( الاستغلال ) في ثمانية صور فقط ، فأذا
وقعت جريمة الاتجار بالبشر بكامل اركانها الا ان الجناة كانوا يريدون استغلال
الضحية في غرض لا يدخل في الاغراض الثمانية التي ذكرها النص العراقي ، فأن فعلهم
لا يعد جريمة ( اتجار بالبشر ) وفقا للقانون العراقي ، بخلاف النص الدولي الذي لم
يحصر اغراض الاستغلال بتعدادها ، بل اطلق لفظ ( الاستغلال ) وضرب عليه امثلة فقط .
سادسا :- خلل التعريف فيما يتعلق بالاتجار بالاطفال :- اذ اوجب النص الدولي بموجب الفقرة ( ج ) من المادة (
3) من برتوكول باليريمو لسنة 2000 ان يعتبر تجنيد طفل او نقله او تنقيله او ايواؤه
او استقباله لاغرض الاستغلال اتجارا بالاشخاص حتى اذا لم ينطو على استعمال وسائل
القسر والاكراه او الاحتيال ، في حين ان القانون العراقي اغفل ذكر ذلك ، وذلك يعني
ان جريمة الاتجار بالاطفال لا تتحقق - طبقا للنص العراقي - الا اذا كان هناك تهديد
بالقوة او استعمالها او اختطاف او احتيال او خداع ...الخ . في حين يتوجب عدم
اشتراط ذلك في الاتجار بالاطفال ، خصوصا مع الاطفال الصغار جدا كالرضع ، الذين
يتصور وقوع جريمة الاتجار بهم دونما حاجة الى التهديد بالقوة او استعمالها او
الاحتيال او الاختطاف ... الخ كالاطفال الرضع الذين قد يجدهم الجناة في الشوارع او
بين يدي من وجدهم مرمين تخلصا من العار او من تكليف التربية والاعالة . وهذا عيب
خطير اخر في القانون العراقي .
ان هذه التغييرات الخطيرة في تعريف الجريمة عن النص
الدولي سيؤثر تأثيرا واضحا في النظرة الى استجابة العراق لالتزاماته الدولية بموجب
اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبرتوكول باليريمو لسنة 2000 المكمل
لها ، كما انه سيؤثر في سلامة تطبيق النص على مجموع الافعال التي تشكلها جريمة
الاتجار بالبشر فيخرج افعال خطيرة منها ،
وسيؤدي ذلك بالنتيجة الى اخراج بعض ضحايا الاتجار بالبشر من المشمولين بالرعاية
التي نص عليها القانون لعدم عد ما يقع عليهم كـ ( جريمة اتجار بالبشر ) فيحرمون من
الاستفادة مما جاء به القانون لضحايا الاتجار بالبشر كالعناية الصحية والمساعدة
المالية والمشورة القانونية والمسكن وغيرها .
هذه العيوب الستة وردت في فقرة واحدة من مادة واحدة هي
الفقرة ( اولا ) من المادة ( 1 ) من
القانون المكون من ( 14 ) مادة فقط ، ولنا عودة في مقال لاحق لباقي عيوب القانون .
القاضي
رحيم حسن العكيلي
ايار /
2012
[1] - حسنا فعل المشرع
العراقي حينما استعمل لفظ ( البشر ) في تسمية ( جريمة الاتجار بالبشر ) بدل من لفظ
( الاشخاص ) في تسمية الجريمة الذي اعتادت
الاتفاقيات الدولية على استعماله ، لان لفظ الشخص في القانون يشمل ( الاشخاص
المعنوية كالشركات )الى جانب ( الاشخاص
الطبيعية ) ، في حين ان لفظ البشر ينحصر معناه بالانسان كشخص طبيعي فقط . الا انه
عاد فاستعمل لفظ ( الاشخاص ) بدل ( البشر ) داخل التعريف .
أستاذ رحيم العكيلي...المحترم
ردحذفمعك المحامي د. ليث عبد الرزاق الأنباري، كان لي الشرف الترافع قبل حضرتك في محكمة بداءة الكرادة؛ وأحمد الله أن وجدت وسيلة للتواصل مع حضرتك، جنابكم لا تستحقون ما جرى، ونسأل الله أن نراكم في العراق وانتم بأفضل حال.
تحياتي ودعائي