واقع
القضاء العراقي وافاق اصلاحه ( 2 )
قضاء
مقهور وعدالة منحرفة
القاضي
رحيم
حسن العكيلي
كان احد النواب
يتولى ملفا يزعج حكومة المالكي كثيرا ، ومن اجل اسكاته رتب له ( 12 ) ملف ( 4 /
ارهاب ) ، وحينما تم اختياره ليكون رئيسا لاحد السلطات في العراق اغلقت - نفس
المحكمة التي رتبت التهم له - القضايا ضده في اقل من ساعة ونصف ، وحينما رفض احد
القضاة التصديق على قرارات غلق تلك القضايا ، طلب منه ان يأخذ اجازة ليعطي فرصة
لاحلال قاض محله للتصديق على القرارات ، وحينما رفض ، صدر في اليوم التالي امر
نقله الى محكمة اخرى .
وكانت قد فتحت
قضية ضد احد النواب الذي عملوا في فضح الفساد بضغوط سلطوية ، فتدخلت – بعد ان ضعف
العدو – الجهة السياسية التي ينتمي اليها النائب المتهم لغلق القضية ، فكان جواب
القاضي المعني :- نعم سنغلقها لكن اريد وعدا منه ( اي من النائب المتهم ) بان لا
يلاحقني عن قراري بابعاده من الانتخابات .
هذه واقعتين
قريبتين حدثت قبل اقل من ثلاثة اشهر ، تعطي التصور عما حصل ويحصل في القضاء منذ
عام 2006 .
يقول احد
القضاة العاملين في محاكم الجنايات :- اننا مضطرون لان نتحول من قضاة نحكم بالحق
الى محامين نبحث عن ادلة وفجوات للافراج عن المتهم اذا كان محميا او نافذا او قويا
سواء اكان قويا بالشر او قويا بالقتل او قويا برعاية السلطة ، فنخفف عنه الاجراءات
التحقيقية ، ثم نجد له المخرج للافراج عنه ، ولو كان مجرما خطيرا او فاسدا متورطا
، واذا سدت كل الابواب بوجهنا فنخفف عنه العقوبة لادني حد ممكن .
اما المتهم
الضعيف – ولا زال الكلام لعضو الجنايات - فأننا لا نكتفي بتطبيق القانون بحقه بل نتشدد
ضده في الاجراءات والعقوبات ، ليس لاحقاق الحق وتطبيق القانون ، ولكن من اجل تغطية
الفجوة التي تظهر لدينا من مجاملة الاقوياء ، فحينما نعجز عن الحكم بالاعدام على الارهابيين
ونخفف عقوبتهم - خوفا من قتلنا من قبل زملائهم او بسبب الضغوط التي تمارس علينا من
مراجعنا القضائية - فأننا نبحث عن مساكين غير محمين لنقسو عليهم فنحكم عليهم بالاعدام
لسد الثغرة التي تظهر في الاحصاء الرسمي لعدد المحكومين بالاعدام لدينا قياسا على
غيرنا من المحاكم .
ويقول باننا
نتلقى عشرات رسائل التهديد على هواتفنا حينما نحاكم ارهابيا مهما ، فنضطر الى
التخفيف من العقوبات والاجراءت ضده ...والا فما اسهل من قتلنا او قتل او خطف ابنائنا او عوائلنا ، ما دمنا
واياهم بلا حماية حقيقية .
ويسترسل فيقول
:- ان المشكلة والضغوط لا تنتهي عند هذا الحد لان قراراتنا يجب ان تتطابق مع زغبات
الجهات الامنية والعسكرية فحينما نصدر حكما ولا يعجب تلك الجهات ، تجد عشرات الكتب
تهل علينا من رئاسة مجلس القضاء الاعلى والاشراف القضائي ورئاسة الادعاء العام
تشكك بنزاهتنا وبسلامة اجراءتنا مجاملة لللادارات الامنية ، ويبدأ التحقيق معنا
ونتحول - بلحظة - من قضاة الى متهمين ، وكأننا حينما اصدرنا قرارا لا يعجب الجهات
الامنية فاننا ارتكبنا احد الموبقات الكبرى . لذا فنحن مشتتون بين ارضاء الجهات
الامنية لكي نتجنب تقاريرها ( التي لا تختلف عن تقارير البعث )، وبين تجنب تنفيذ
الارهابيين وغيرهم من المجرمين لتهديداتهم بنا وبأبنائنا وعوائلنا ، اما القانون
فلا شأن لنا به ، الا حينما نتعامل مع الضعفاء فقط .
ويبدو واضحا - من
وصف زميلي - ان كل هم القضاة اليوم هو
ايجاد توازن بين رغبات الامنيين والعسكر لتجنب اعتراضاتهم وتقاريرهم ، وبين تجنب الاخطار
والتهديدات التي يمثلها الاهاربيين والقتلة والمجرمين ، وبين تجنب ضغوط المتنفذين
والمحميين من السلطة ، وبين ضعف وجبن وتخاذل وانبطاح الادارات القضائية في مجلس
القضاء الاعلى التي تضغط على القضاة باتجاهات تحرف العدالة وتفقد القضاة استقلالهم
من اجل مجاملة اهل السلطة والنفوذ ، والويل والثبور لكل قاض يمتنع عن تنفيذ اوامر
القائد القضائي الضرورة او احد افراد زمرته .
اما اقوياء السلطة
، فهولاء يتساهل معهم القضاء ولا يتخذ الاجراءات بحقهم او يجد المخارج لهم لاسباب
كثيرة منها :- تجنب الاصطدام بهم وتوقي شرهم ، او تنفيذا لضغوط الادارة القضائية
العليا لحرف العدالة تنفيذا لارادات سياسية او تحقيقا لغايات شخصية ، او من اجل
استجلاب علاقات شخصية مع اهل السلطة بمجاملتهم على حساب القانون ، او الحصول على
مميزات منهم كتعيين بعض الاهل والاقارب في الوظائف او الحصول على قطع اراضي ، او
توفير نفوذ ما ..وغيرها .
فمن هو المسؤول
عن قهر وافساد العدالة ، وترك قضاتها بلا حماية واضعافهم الى هذا الحد الكارثي ؟؟؟
هذا جانب صغير
من ظروف العدالة في العراق .. ولا تتصوروا ان عدالة قد تتحقق يوما ما في العراق في
ظل عصابة قضائية خطيرة استولت على السلطة القضائية ( حامية الحقوق والحريات
والدستور والقانون ) واذلتها واخضعتها لسلطة المال والسياسة ، واهانة قضاتها وجعلت
الكثير منهم ادوات تلفيق وظلم وقهر واعتداء وانتهاكات لحقوق الانسان ، او ادوات
زيف ومنح صكوك البراءة للمجرمين والفاسدين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق