واقع القضاء وافاق اصلاحه
( 1 )
انعدام الشفافية في
القضاء ظلم ، تآمر ، امية ، او فساد
القاضي
رحيم
حسن العكيلي
ينظر الكثير من القضاة في
العراق بتوجس وشك وريبة الى منح المتهم او محاميه صورة من الاوراق التحقيقية
الخاصة به ، رغم انه حق بديهي له ، واحد اركان محاكمة عادلة .. فلماذا يتعمد القضاة
السرية والتعتيم ومنع الخصوم من اخذ نسخ من الدعاوى والاجراءات والادلة ؟
حصل ان قدم ضابط تحقيق مطالعة
لقاضي تحقيق الارهاب بان مخبرا سريا يدعي
بان مئات الاشخاص ارهابيون ، وارفق قائمة
بهم وبما يفعلون ، فاصدر القاضي امر بالقبض ضد الاشخاص الواردة اسمائهم في القئمة
المرفقة التي تبدا بـ ( فلان الفلاني ) وتنتهي بـ ( فلان الفلاني ) وفق المادة ( 4
ارهاب ) ، رغم ان المخبر يدعي بان تهمة اخرهم كانت انه ( كلب ابن كلب ) ... ولا شك ان ( الكلب ابن الكلب ) اربعة
ارهاب من الدرجة الاولى حالما يعتقل ويتم ادخال عصا في مؤخرته !!!
وفي قضية اخرى يعترف متهم
– تحت التعذيب - بانه قتل اثنين من اقاربه ، لكن اقاربه ياتون لاحقا احياء ، الا
ان قاضي التحقيق يحيل المتهم موقوفا الى محكمة الجنايات ، فيساله زميله العضو في
محكمة الجنايات لماذا لم تفرج عن هذا المسكين وهو منذ ستة اشهر بالتوقيف ، فرد
القاضي بانه يخشى ان يساءل اذا افرج عنه ، وفضل ابقاءه موقوفا واحالته للجنايات
لتتولى هي الافراج عنه لانه لا يتحمل مسؤوليته .
تلك الواقعتين تعطي صورة
عن اسباب انعدام شفافية القضاء ، فهل يتصور بان قاض متورط بمثل تلك الكوارث ان
يزود المتهم بصور من الاوراق التحقيقية ؟؟
وهل يسمح قاضي متورط
بمؤامرة مفبركة ضد متهم بتزويده او محاميه بنسخ منها ؟ وهل يتصور من
قاضي اخذ رشوة وانحرف بالحق لمصلحة الراشي ان يسمح بفضح امره ؟ وهل يمكن لقاضي لا
يعرف بديهيات القانون ان يطلع الاخرين على مقدار جهله واميته ؟
لقد بالغ الكثير من قضاء
التحقيق في العراق في السنوات الاخيرة في تبني السرية في اجراءات التحقيق الى حد
انعدمت الشفافية فيه بشكل كامل ، حتى اضحى
العراق هو البلد الوحيد الذي يخفي عن المتهم اجراءات التحقيق ويمنعه من الوصول
للادلة التي ترتب ضده ، وذلك نابع عن الوهم عند الكثير من القضاة بامكانية منع
المتهم من الاطلاع على اجراءات وسير التحقيق .
وغالبا ما يرفض قضاة التحقيق
ومحاكم الجنايات والجنح منح صور من الاوراق التحقيقية لاطراف القضية بضمنهم المتهم
، وهو امر يمارس فيه بعض القضاة مزاجية عالية وتعالي وتحكم غير مبرر وجهل مطبق
بابسط مبادئ القانون وبالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة ، اذ لا حق لهم مطلقا
في رفض منح صور من الاوراق التحقيقية للمتهم ، لان بديهيات حق الدفاع المقدس تفرض منح
صور من الادلة الجرمية له ولمحاميه من اجل
تمكينهما من اعداد دفاعه عن نفسه ، والا اختلت واحدة من اهم معايير المحاكمة
العادلة .
ان من اهم معايير سلامة
وعدالة المؤسسات القضائية في العالم هو مقدار الشفافية فيها ، خصوصا شفافية
الاجراءات الجزائية ، الا ان القضاء
العراقي فقد شفافيته الجزائية بالكامل ، ويقف خلف ذلك اربعة اسباب رئيسية هي :-
1-
التآمر :- اذ مارس بعض
القضاء ادارة ملفات جزائية مفبركة لتصفية الخصوم لمصلحة جهات سياسية ، او لاغراض
شخصية ، او استجابة لاوامر الادارة القضائية العليا ، والتي تعقبها محاكمات سرية
زائفة لاصدر احكام ليس فيها من القانون الا صدورها باسم الشعب زيفا وافتراءا . لذلك
يرفض القضاة اعطاء صور من تلك الدعاوى لانها ليست دعاوى بل مؤمرات .. والمؤمرات لا
تعطى نسخ منها .
2-
الظلم :- فحينما ينحرف
القضاء ويصبح اداة ظلم وقهر ، فانه سيتجه الى التعتيم ومنع الاطلاع ، لابقاء
قراراته واجراءاته الظالمة طي السرية .
3-
الفساد :- لان الفساد
يضطر القاضي الفساد الى حرف القانون لمصلحة الجهة التي يبغي خدمتها ، فيحرص –
بالتالي - الى اخفاء انحرافه بالقانون لمصلحتها ، فيمنع اعطاء صورة من الاوراق
التحقيقية لمنع انكشاف فساده وانحرافه .
4-
الامية :- فجهل بعض
القضاة وعدم معرفتهم بابسط احكام ومبادئ القانون يجعلهم مرعوبين من كشف الاخطاء والكوارث
القانونية التي يرتكبونها , مما يجعل حريصين على منع خروج اوراقهم الى العلن .
ولذلك اسباب اخرى غير تلك الاسباب الرئيسية الاربعة ،
الا ان الامر اصبح ظاهرة لا يمكن السكوت عنها ، بعد ان انتشر التحكم والمزاجية
والتعالي والامية والجهل والفساد والمظالم في اروقة القضاء والمحاكم بسبب سياسة
ادارة قضائية ظلمت القضاة واهملتهم وافقدتهم هيبتهم وصادرت استقلالهم و حريتهم في
التعبير والرأي وحولتهم الى ادوات لحسم عشوائى مستعجل لمنازعات الناس ، حتى تحول
القضاء من اداة للعدل الى اداة للظلم ومن حامي للحريات الى معتد عليها .
ان فرض الشفافية الكاملة في المؤسسة القضائية واطلاق
حريات التعبير والرأي للقضاة ومنحهم استقلالهم الكامل خصوصا عن الادارة القضائية
العليا وقطع يدها من التدخل في شؤون حسمهم للمنازعات التي ينظرونها ، تعد واحدة من
اهم متطلبات اصلاح القضاء العراقي الذي يمر باكبر نكبة تعرض اليها منذ فجر البشرية
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق