مقارنة مختلة بين الدستورين العراقي والمصري الجديد
الحلقة الاولى :- حرية التعبير والتظاهر السلمي
القاضي
رحيم حسن
العكيلي
اختصر الدستور العراقي
الاشارة الى حريات :- 1- التعبير 2- الصحافة والاعلام. 3- الاجتماع والتظاهر
السلمي في مادة واحدة ، بسطرين ، في ( 36 ) كلمة فقط ، اكتفى بها مع اختصار مخل
شديد ، مما عرض الحريات الثلاث لخطر شديد وتحديات جدية كبيرة ،هي المادة ( 38 ):-
( تكفل الدولة ، بما لايخل بالنظام العام والاداب :- اولا :- حرية التعبير عن
الرأي بكل الوسائل . ثانيا :- حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر .
ثالثا :- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي ، وتنظم بقانون . )
اما الدستور المصري
الجديد فأنه عالج المواضيع الثلاث - التي عالجها الدستور العراقي بمادة واحدة - في
خمس مواد تضمنت ( 255 ) كلمة تعادل ستة اضعاف النص العراقي ، وبطريقة مختلفة تماما
، كفل بموجبها تلك الحقوق والحريات وضمن عدم التعدي عليها او تعطيلها ، فنص في
المادة ( 45 ) على حقي ( 1- حرية الرأي او الفكر . 2- حرية التعبير عن الرأي )
بقوله :- ( حرية الفكر مكفولة ، ولكل انسان حق التعبير عن رأيه بالقول او الكتابة
او التصوير او غير ذلك من وسائل التعبير . )
ونص في المادة ( 47 ) على
الحق بالحصول على المعلومات باعتباره حق متفرع عن الحق فــــــــــــي التعبير
بقوله :- ( الحصول على المعلومات والبيانات والاحصاءات والارقام والوثائق والافصاح
عنها وتداولها حق تكفله الدولة لكل مواطن ، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق
الاخرين ولا يتعارض مع الامن القومي . وينظم القانون قواعد ايداع الوثائق العامة
وحفظها ، وطريقة الحصول المعلومات ، والتظلم من رفض اعطائها ، وما قد يترتب على
هذا الرفض من مساءلة . )
وعالج في مادة مستقلة
اخرى حرية الصحافة والاعلام بقوله :- ( حرية الصحافة والطباعة وسائر وسائل الاعلام
مكفولة ، وتؤدي رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي
العام والاسهام في تكوينه وتوجيهه في اطار المقومات الاساسية للدولة والمجتمع
والحفاظ على الحريات والواجبات العامة ، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين
ومقتضيات الامن القومي ، ويحظر وقفها او غلقها او مصادرتها الا بحكم قضائي .
والرقابة على ما ما تنشره وسائل الاعلام محظورة ، ويجوز استثناءا ان تفرض عليها
رقابة محددة في زمن الحرب او التعبئة العامة . )
وعالج في المادة ( 49 )
منه حرية اصدار الصحف بقوله :- ( حرية اصدار الصحف وتملكها ، بجميع انواعها ،
مكفولة ، بمجرد الاخطار لكل شخص مصري طبيعي او اعتباري . وينظم القانون انشاء
محطات البث الاذاعي والتلفزيوني ووسائط الاعلام الرقمي وغيرها ).
وفي المادة ( 50 ) منه
عالج الاجتماع والتظاهر السلمي بقوله :- ( للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة
والمواكب والتظاهرات السليمة ، غير حاملين سلاحا ، ويكون ذلك بناء على اخطار ينظمه
القانون . وحق الاجتماعات الخاصة مكفول دون اخطار ولا يجوز لرجال الامن حضورها او
التصنت عليها . )
ودعونا نقارن باختصار شديد بين احكام الدستورين في ( حرية
التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي ) فقط في هذا المقال ، لنعود في مقال اخر
لمقارنة احكام الدستورين في حرية الصحافة والاعلام وفي مواضيع اخرى .
واهم الفروق بين
الدستورين في تناول حق التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي هي :-
1-
ان الدستور العراقي قيد (
حرية التعبير) و( حرية الاجتماع والتظاهر
السلمي ) بقيدين مطاطيين خطيرين هما ( النظام العام ) و ( الاداب ) . والمعروف ان مثل هذين القيدين هما مقتل
للحريتين او الحقين المذكورين ، حينما تستغلهما السلطة التنفيذية لتعطيل حرية
التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي ، فما اسهل من الادعاء بان ممارسة تلك الحقوق
قد تجاوزت الاداب او خرقت النظام العام ، خصوصا وان هذين المفهومين ( النظام العام
والاداب ) مصطلحين مطاطيين لم يتمكن احد - لحد الان - من تحديد مفهوم واضح لهما
ابدا . في حين لم يقيد الدستور المصري الجديد لا حرية التعبير ولا حرية الاجتماع
والتظاهر السلمي باي قيد مطلقا ، فهما حقان مطلقان يمارسهما الناس بلا خوف من ان
يدعي ( تنفيذي باغ ) او ( قاض ذليل تابع ) بان هناك تجاوز لحدود الحق في التعبير
او لحدود الحق في الاجتماع او التظاهر السلمي .
2-
قطع ( الدستور المصري
الجديد ) كل جدال ونقاش في كون الاجتماع والتظاهر السلمي يحتاج الى ( اذن ) باقامة
الاجتماع او التظاهر السلمي من السلطات ، ام انه لا يحتاج الا الى ( اخطار ) بهما
فقط ، فنص على ان اقامتهما لا يحتاج الا الى ( اخطار ) فقط ، وليس للسلطات –
بالتالي – حق منع احد من اقامة اجتماع عام
او خاص او تظاهرة سليمة لاي سبب مهما كان ، ولا يجوز للسلطة التشريعية ولا
لرئيس الوزراء ولا لرئيس الجمهورية ان يمنع احد من اقامة اجتماع عام او تظاهرة
سليمة ، ولا يمكنهم اصدار قانون او قرار او امر بمنع ذلك باي حال من الاحوال وتحت
اية حجة من الحجج .
بينما ترك الدستور
العراقي الامر سائبا ، لذا فأن السلطة التنفيذية وتابعيها في مجلس النواب يصرون
على النص في ( مشروع قانون تنظيم حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي ) - الذي
كان معروضا على مجلس النواب في فترة سابقة - بمنع اقامة اي اجتماع او تظاهر السلمي
الا بأذن من الجهات الادارية المختصة ، ولهذه الجهة الادارية - بتحكم مزاجي كامل
لا ضوابط ولا اسس - الحق في الاذن او رفض اعطاء الاذن ، فهي سترخص من الاجتماعات
والتظاهرات التي تحلو لها وتمنع من لا يروقها اقامتها او تقييد عليها من حيث
المكان او الزمان .
فيكون حق الناس في التعبير عن مطالبهم وارائهم
عن طريق الاجتماع والتظاهر السلمي مرهون بارادة اداري واحد ، اي ان الدستور العراقي ترك ارادة
الشعب - مصدر السلطات - مرهون بمزاج حزبي فاشل لا احد يعلم كيف وضع في منصبه . في
حين حمى الدستور المصري حق الشعب في التعبير والاجتماع والتظاهر بطريقة لا يمكن ان
يدخل منها ( باغ ) ليمنع الناس من التعبير
عن مطالبهم بالتظاهر او الاجتماع .
وكان من اهم اخطر اثار
اغفال الدستور العراقي النص على هذه المسائلة ان قامت السلطة التنفيذية بتقييد
الحق في الاجتماع والتظاهر السلمي بقرار من رئيس مجلس الوزراء ، فمنع اقامتها الا
بأذن مسبق رغم انه لا يملك ذلك ، ثم جاءت باشد انواع القيود صرامة على حرية
التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي في مشروع القانون المشار اليه .
3-
ان الدستور العراقي جاء
بصياغة توحي بان حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي انما هما منحة من الدولة بقوله
في بداية النص ( تكفل الدولة ... ) في حين جاء الدستور المصري بصياغة اكثر وعيا
لطبيعة الحقين المذكورين ولم تجعلهما كأنهم منحة من الدولة بل نص :- بأنها (
مكفولة ) . فلم يربطهما بالدولة ، لانهما حقين اصليين للانسان لا تتفضل الدولة
بمنحهما ، بل هما اقدم واسمى واعلى منها .
4-
نص الدستور المصري بطريقة
رائعة على الحق في الحصول على المعلومات في المادة ( 47 ) منه المذكورة اعلاه ،
باعتباره حق متفرع عن الحق في حرية الرأي والتعبير ، في حين اغفل الدستور العراقي
النص عليه ، مما جعله في مهب الريح ، ولا اظن ان طبقتنا السياسية الموقرة قد تعترف
لنا به ابدا ، لانها عدوة الشفافية والمكاشفة ، ولا يجيد معظم رجالاتها الا
الاعمال التي تؤدى في الظلام وخلف الاسوار العالية .
5-
الا ان الدستور المصري
تضمن عيبا واحد - تجنبه الدستور العراقي - هو ان الدستور المصري منح الحق في
الاجتماع والتظاهر السلمي والحق في الحصول على المعلومات ( للمواطنين ) فقط ، في
حين ان الحق في الحصول على المعلومات والحق في الاجتماع والتظاهر السلمي حقين من
حقوق الانسان الاصلية فلابد من كفالتهما لكل انسان على اقليم الدولة سواء اكان
وطني ام اجنبي .
القاضي
رحيم حسن
العكيلي
25 / 12 / 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق