كلمتين في الدستور انتجت دكتاتورية جديدة
في العراق
القاضي
رحيم حسن العكيلي
كلمتان اثنتان في المادة ( 78 ) من الدستور العراقي
النافذ ( 1- المسؤول التنفيذي المباشر . 2- القائد العام للقوات المسلحة ) كانت هي
النافذة المفتوحة التي سرق منها دكتاتورنا الجديد ادوات استبداده وتسلطه ،
وابتلاعه للدولة كلها بمساندة قرارات مخالفة لابسط المبادئ الدستورية اصدرتها (
المحكمة الاتحادية العليا ) .
فكيف كان ذلك ؟ اليكم الدليل ...
صلاحيات رئيس مجلس الوزراء في الدستور العراقي النافذ
ثلاثة انواع ، معظمها صلاحيات بسيطة وغير مؤثرة الا اللفظين المذكورين فقط .
وتلك الصلاحيات هي :-
اولا :- صلاحية الدعوة :- وهي واحدة فقط تتعلق بدعوة مجلس النواب للانعقاد في
جلسة استثنائية من اجل مناقشة موضوعات
بعينها .
ثانيا :- صلاحيات الطلب :- وهي صنفين :-
الصنف الاول :- طلبات منفردة :- وهي طلب تمديد الفصل
التشريعي لمجلس النواب بما لا يزيد على ثلاثين يوما لانجز المهمات التي تستدعي ذلك
.
الصنف الثاني :- طلبات مشتركة :- 1- طلب الموافقة على
اعلان الحرب وحالة الطوارئ .2- طلب حل مجلس النواب .
وهذان الطلبان لا يحق لرئيس مجلس الوزراء تقديمهما الا
بالاشتراك مع رئيس الجمهورية او بموافقة رئيس الجمهورية . اما الطلبات المنفردة
فهذه لرئيس مجلس الوزراء تقديمها بمفردة دون اشتراك مع احد او بموافقة احد .
ثالثا :- صلاحيات التوصية :- وهي اثنان فقط هما :- 1- التوصية لرئيس الجمهورية
لاصدار العفو الخاص .2- التوصية لرئيس الجمهورية لمنح الاوسمة والنياشين وفقا
للقانون .
رابعا :- الصلاحيات الفعلية :- وهي نوعين :-
النوع الاول :- صلاحيات تحتاج لموافقة مجلس النواب ، وهي :-
1-
تسمية اعضاء وزارته خلال مدة اقصاها ثلاثون يوما من
تاريخ تكليف رئيس الجمهورية له وعرضها على مجلس النواب هي والمنهاج الوزاري من اجل
نيل الثقة .
2-
اقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب .
النوع الثاني :- صلاحيات اصلية ، وهي :-
1-
الصلاحيات المستنتجه من كونه المسؤول التنفيذي المباشر
عن السياسة العامة للدولة .
2-
الصلاحيات المستنتجة من كونه القائد العام للقوات
المسلحة .
3-
ادارة مجلس الوزراء وترأس اجتماعاته .
فصلاحيات رئيس مجلس الوزراء في الاصناف الاصلية الثلاث
الاولى ( الدعوة والطلب والتوصية ) تعد صلاحيات بسيطة جدا وغير موثرة ، لانه لا
يملك فيها سلطة اتخاذ القرار انما يتنظر القرار اما من مجلس النواب او رئيس
الجمهورية .
اما صلاحياته المهمة فهي النوع الاخير ( الصلاحيات الفعلية ) وقد لا يعد النوع الاول
منها بنفس مستوى الخطورة لانه - من جهة اولى - يحتاج الى موافقة مجلس النواب ،
ولان الصلاحية الاولى ( تسمية الوزراء والمنهاج الوزاري) – من جهة ثانية – هي
صلاحية يمارسها رئيس الوزراء قبل توليه منصبه فعليا لانه لا يزال رئيس مجلس وزراء
مكلف ولم يمنح الثقة بعد .
فلا يبقى من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الا الثلاث
الاخيرة وهي ادارة وتراس مجلس الوزراء ، وكونه المسؤول التنفيذي المباشر ، وكونه
القائد العام للقوات المسلحة .
اما ادارة مجلس الوزراء وترأس اجتماعاته فهي( واجب
اجرائي ) محض لا اثر ولا اهمية له من الناحية الواقعية .
فلم يبق من صلاحياته الا كارثتين اثنتين هما الصلاحيات
المستنتجة من منصبي :- 1- المسؤول
التنفيذي المباشر و 2- القائد العام للقوات المسلحة .
وهذان منصبان وليسا صلاحيتين ، والفرق بين الامرين كبير
لان الصلاحية فعل يمارسه من منحه القانون سلطة الاتيان به، اما المنصب فأنه وظيفة
يتوجب بالقانون تحديد مهامها وصلاحياتها ، الا ان واضعي الدستور – بذكائهم غير
المحدود – لم يبينوا ما هو معني هذين
المنصبين وما هو حدود صلاحياتهماوما هي مهامها .
فما هو المقصود بـ ( المسؤول التنفيذ المباشر عن السياسة
العامة للدولة ) ؟؟
لقد مدت المحكمة الاتحادية العليا هذا الكلام الغامض الى
فرض ارادة رئيس مجلس الوزراء ليستولى على الدولة كلها بضمنها السياسة التشريعية
والهيئات المستقلة فاضحى صاحب المال والقوة بل والتشريع ايضا ، فابتلع دور مجلس
النواب بكلمة فضفاضة لا معنى لها .
وما هو المقصود بالقائد العام للقوات المسلحة وما هي
صلاحياته؟ وما هي مهامه ؟ وما هي علاقته بوزير الدفاع وما هي علاقته بوزير الداخلية؟ وكيف توزع
الصلاحيات بينهما؟ وهل ينبغي ان يكون هناك قيادة عامة للقوات المسلحة ؟ ام ان
قيادته للقوات المسلحة مباشرة وكيف تكون
القيادة المباشرة ؟
هذا الابهام المضحك- المريب في هذين اللفظين ، وما لحقه
من عجز مجلس النواب عن اصدار قوانين تحدد مفهومهما وحدودهما وصلاحياتهما وطبيعة
علاقة شاغلهما بغيره ، هي الثغرة التي نفذت منها الكتاتورية الجديدة .
ولعبت قرارات المحكمة الاتحادية العليا الدور الاكبر في
تنمية وتضخيم واستغلال هذين المنصبين لتوسع اطار سلطات وصلاحيات رئيس مجلس الوزراء
– بلا اساس لا في الدستور ولا في القانون - مما مكنه من التمدد على سلطات وصلاحيات
مجلس النواب واهدار مبدأ الفصل بين السلطات ، وبالتالي التغول عليه ومصادرة دوره
بالكامل لمصلحة رئيس مجلس الوزراء .
فاهلا بكم مجددا في دولة القائد الضرورة .