الاثنين، 28 مايو 2012


بلد بلا ارقام ... نريد حقائق                                                                                           
                                                                                             
لم يمر ببال احد الصحفيين الاجانب وصفا للعراق حينما سأل عنه - بعد عودته من زيارة اليه - سوى انه قال :- ( لقد جئتكم من بلد بلا ارقام ) .
الارقام والاحصاءات والاستبيانات وسيلة لكشف الحقائق ومعرفة حجم الظواهر سواء اكانت سلبية ام ايجابية ، وهي وسيلة هامة من وسائل الشفافية التي يرفع شعارها الكثيرون في العراق وهم لا يعرفون معناها ، ولا يطبقون الا ما يخالفها ، حتى  حينما يعلنون بعض الارقام الجزئية فهي بقصد اخفاء الحقائق الكلية او بقصد الايحاء بغير ما يتكلم به الواقع ، اي يعطون جزء الحقيقية التي تلائم رغباتهم ويخفون باقي الحقيقة .
وبدون الارقام والاحصاءات ، والحقائق التي تدل عليها ، لايمكن اتخاذ قرارات او التوصل  الى تحليلات بنتائج صحيحة ، فلابد لصانعي القرار في دولة او مجتمع ما من قاعدة رقمية واحصائية يستندون اليها لبناء قرارهم عليها ، والا كان قرارا عشوائيا لا اساس له من الواقع  .
ويبني الباحثون دراساتهم وبحوثهم على الحقائق التي يستنتجونها من تلك الارقام والاحصاءات لتكون لها قيمة واقعية ولتكون قناة لايجاد الحلول المناسبة لكل المشاكل والمعضلات والعقد .
والشفافية انجع وسائل الوقاية من الفساد وبدونها لا يمكن ان يكافح الفساد مهما كانت الاجراءات شديدة وحازمة ، وهي بحد ذاتها مانع قوي ضد الفساد متى ما تم الالتزام به بطريقة جدية .
اما نحن في العراق فاننا بلد لا تؤمن سلطاته والقائمين عليها لا بالارقام ولا بالاحصاءات ولا بالحقائق ، كما لا تؤمن بحق الشعب في الاطلاع عليها ، فهي لا تعتني بجمعها ، ولعلها تخاف من ذلك ، فأذا جمعتها فان رؤسائها يظنون انها معلومات سرية لا يجوز الاطلاع عليها ، وليس من حق الشعب معرفتها ، لذلك يجهدون انفسهم على اخفائها ، ويعاقبون من يصرح بها للناس او للاعلام ، ويمنعون الدارسين والباحثين من الاطلاع عليها . او يتعمدون تجمعيها واعلانها بطريقة ملتبسه غير واضحة لا تعطي اي مؤشر مهم ولا يمكن ان يستنتج منها المتلقي اي حقائق مفيدة . او يتعمدون اعلانها في وقت متأخر حينما تنتهي صلاحياتها واهميتها كمعلومة .
في حين ان الارقام والاحصاءات حق للشعب - قبل المسؤول - سواء اظهرت نتائج ايجابية او نتائج سلبية ، وليس من حق احد اخفائها عن الناس ، فالحق في الحصول على المعلومات حق دستوري ، ودائما ما يفرض الحق من جانبه الاخر واجب على السلطات هو توفير هذه الارقام والاحصاءات بعد جمعها بالطرق المناسبة .
وبما ان المعلومات والارقام والاحصاءات عن الاجراءات والاعمال الحكومية والظواهر الاقنصادية والاجتماعية وغيرها حق للناس فيتوجب بالناس فرضها على المسؤولين والسلطات ، من خلال تحديد طريقة تجميع المعلومات والارقام ، وتحديد المعلومات والارقام المطلوبة ، وتحديد وقت الاعلان عنها كشهري او سنوي او نصف سنوي في ضوء طبيعتها ، وتحديد طريقة نشرها ، لكي لا تعطي فرصة للتلاعب سواء في نوعية المعلومة المطلوبة ولا وقت اعلانها ولا طريقتها .
فهل جمعت سلطاتنا شئ من تلك الارقام والاحصاءات والمعلومات ؟ واذا جمعته هل اعلنته للشعب (صاحب الحق في الاطلاع عليها ) ؟ واذا كانت اعلنته فهل كان بطرق مناسبة وكافية ام بطرق لا تصل الى غالبية الشعب ؟ واذا كانت قد اعلنته فهل اعلنته جزئيا او بطريقة ملتبسه بما يناسب اغراضها وبما يتلائم مع ما تريد ايحاءه للناس دون الحقائق الكاملة ؟ وماذا فعلنا – نحن الشعب والاعلام - للوصول الى حقنا في الاطلاع على الحقائق والارقام والاحصاءات ؟
ولنأخذ مثالا واحدا ، وسنتبعه بامثلة اخرى في مقالات لاحقه .
اذ تعقد الحكومة الاتحادية والسلطات المحلية في المحافظات الاف العقود العامة سنويا في اطار الموزانة الاستثمارية والتشغيلية ، وتتضمن تلك العقود مخالفات لا بداية لها ولا نهاية ، وسرقات ونهب للاموال العامة بطرق واساليب لا يمكن ان يتصورها بشر، كما تتضمن عدم عدالة ولا انصاف في التعامل مع المحافظات في الاستفادة منها ، بسبب عدم الشفافية في الاعلان عن المعلومات المتعلقة بها ، فلا احد يعرف على وجه القطع  كم هي عدد هذه العقود ، وما هي مضامينها، وماذا اشترت بها الحكومة او المحافظة ، وكم هي مبالغها ، واين مواقعها تحسبا للوهمية في العقود التي لها وجود على الورق ولا وجود لها على ارض الواقع .
 وكم عدد تلك العقود لكل محافظة في اطار كل وزارة للوقوف على مدى العدالة في توزيع الثروات ، وما هي طرق احالة تلك العقود ، فكم عقد احيل بالمناقصة العامة ، وكم منها احيل بالمناقصة بمرحلتين ، وكم منها احيل بالدعوة المباشرة ، وكم احيل منها بالعطاء الواحد ، ولماذا استعملت الطرق الاستثنائية المشبوه في احالة العقود بدل طرق المنافسة الكاملة , ومن هي الشركات او المقاولين الذين احيلت اليهم ، ومن هم اصحاب تلك الشركات ، ولماذا تتكرر احالة عقود الدولة الى شركة او مقاول ما بطريقة غير تنافسية مشبوهه .
 وكم عدد العقود التي احيلت بلا كلف تخمينية خلافا للقانون ، ولماذا، وكم عدد العقود التي احيلت باقل من الكلف التخمينية ، وكم عدد العقود التي احيلت باعلى من الكلف التخمينية ، ولماذا ، وكم هي العقود التي احيلت الى اوطأ العطاءات ، وكم هي العقود التي احيلت الى شركات او مقاولين عطاءاتهم اعلى من اوطأ العطاءات ، ولماذا .
 وماهي مدد التنفيذ ، وكم عقد نفذ منها خلال مدد التنفيذ المتفق عليها ، وكم عقد تم تمديده وما هي اسباب التمديد ، وما هي مدد التمديد ، وكم هي الغرامات التاخيرية ، وكم هي المبالغ التي استوفيت منها ، وكم هي المبالغ التي اعفيت الشركة او المقاول من دفعها ، ولماذا ، وكم هي مقدار السلف التي دفعت للشركة او المقاول وكم هو مقدار التنفيذ في مقابل السلف التي تدفع لهم .
ان الاعلان عن تلك الحقائق والارقام والاحصاءات بشكل  بسيط وواضح للمتلقي العادي بطريقة ربع او نصف سنوية وسنوية سوف يظهر للناس كيف انفقت اموالهم وماذا فعلت بها السلطات المركزية والمحلية كما يظهر للناس من هي الجهات التي تخرق القوانين ومن هي الجهات التي لا تلتزم بقواعد التنافس الصحيح في احالة مناقصاتها ، ومن هي الجهات التي تبالغ في اسعارها ، ومن هي الشركات او المقاولين الذين تحال اليهم دائما عقود الحكومة ، كما تظهر مدى الانصاف في احالة العقود ومبالغها على صعيد المحافظات ، فلابد ان يعرف الناس كم عقد ابرمته مثلا وزارة البلديات لمصلحة محافظة البصرة او الانبار وكم عقد ابرمته لمصلحة محافظة ذي قار او ديالى ، وكما هي مبالغها لكل محافظة .
كما ان تجميع تلك المعلومات تعطي صورة واضحة لاصحاب القرار عن طبيعة العقد والمشاكل والمخالفات التي ترتكب في اطار احالة العقود العامة  ، وطبيعة الاختناقات والمعضلات التي تواجه تنفيذها ، كما انها تحدد لهم مسارات الفساد والتواطئ فيها ، لكنني اجزم ان اصحاب القرار لدينا غير مهتمين بذلك ، لان قراراتهم تستند الى اسس اخرى ومعطيات غير ما تكشفه الحقائق والارقام والاحصاءات  الواقعية .  
                                                                                                                 القاضي
                                                                                                          رحيم حسن العكيلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق