الاثنين، 28 مايو 2012

     مهام غير سياسية                            
                                                                                                                        
                                                                            
وجدت الانظمة القانونية المتحضرة المؤمنة بالقيم الديمقراطية وجوب اخراج مهام خمس من التجاذبات والصراعات والاغراض السياسية ، وايداعها بيد مهنيين مختصين مستقلين محايدين ، فكأن الشعب يريد الاحتفاظ بتلك المهام لنفسه ، ولا يريد منحها للقادة السياسيين ، لانهم الاخطر عليها حينما يتولون السلطة ، فالسلطة مفسدة ، وهي تغري بالتفرد والاستحواذ على كل شئ والغاء الاخر ، لذلك اخذ الفكر والانظمة الديمقراطية المتقدمة بضرورة رفع يد السياسيين خصوصا  (الممسكين منهم بالسلطة ) عن اشياء او واجبات او وظائف تعد الاسلحة  الاخطر بيدهم ( اي بيد الممسكين بالسلطة ) ضد الشعب والمعارضة والرأي الاخر ، تلك المهام  هي :-
1-     نزاهة وحياد ومهنية الانتخابات . ( مفوضية الانتخابات )
2-     حرية التعبير والاتصالات والاعلام . ( هيئة الاعلام والاتصالات )
3-     مراقبة مراعاة حقوق الانسان . ( مفوضية حقوق الانسان )
4-     مراقبة التصرف بالمال العام وملاحقة سراقه ومختلسيه . ( هيئة النزاهة )
5-     السياسية النقدية وسعر الصرف . ( البنك المركزي )
 فلابد من اخراخ اداة تداول السلطة ( الانتخابات ) من يد السياسيين خصوصا الممسكين منهم بالسلطة التنفيذية ، لانهم قد يزورنها لمصلحتهم للبقاء الدائم بالسلطة ،  وتضرب – بالتالي - قاعدة تداول السلطة في مقتل ، فالانتخابات هي ملك للشعب ، لانه يعبر بها عن ارادته في مواجهة الطبقة السياسية ، فلا يجوز له التنازل عنها او تخويله لاحد ، لانها اداته في المساءلة الانتخابية للطبقة والقادة السياسيين ، فلابد من حرمانهم ( اي السياسيين ) نهائيا من التدخل في حياد ونزاهة ومهنية الانتخابات او التأثير عليها باي شكل من الاشكال .
اما الاعلام والاتصالات فانها الاداة الاهم لممارسة حرية التعبير والحق بتلقي المعلومات ونقلها ونشرها وتداولها وفرض الشفافية في مفاصل الدولة والمجتمع ، واخطر الجهات على هذا الحق هي الطبقة السياسية الممسكة بالسلطة ، فقد تلجأ السلطة الى حجب حرية التعبير باغلاق الصحف والمجلات والفضائيات والاذاعات ، وتغلق الاتصالات بين الناس لتحقيق اغراض ما ضد ارادة الشعب كما فعلت حكومة حسني مبارك في مصر اثناء ثورة المصريين الاخيرة ، فحرية التعبير والاعلام حق خالص للشعب لابد ان يحتفظ به لنفسه ، ويخرجه من يد ( الطبقة السياسية ) خصوص الممسكين بالسلطة منهم لانهم الاخطر على هذا الحق ، ويودع ادارتها الى مهنيين مختصين محايدين غير مسيسين يضمنون تنظيم العمل وممارسة تلك الحقوق دون سلبها او التأثير عليها سلبا باي شكل  من الاشكال .
كذلك ( مراقبة ) احترام حقوق الانسان ، فغالبا ما يلجأ الممسكون بالسلطة الى انتهاك حقوق الانسان متى ما تعارضت تلك الحقوق مع مصالحهم ، بل قد يلجئون الى تلك الانتهاكات متى شعروا بخطر ما على نفوذهم السياسي او مناصبهم ، فيلقون بالمعارضين في السجون ، ويسومونهم سوء العذاب ، او يصفونهم جسديا ، ويعطلون حرية التعبير  ، وحق التظاهر ، وغيرها من الانتهاكات ، والحقيقة ان انتهاكات حقوق الانسان هي ليست في غالبها الا تعدي ( الممسكون بالسلطة ) على افراد الشعب وحقوقهم ، لذلك توجب ان تبقى ( اي مراقبة حقوق ) بيد الشعب فيحتفظ بها لنفسه ،  يمارسها بادوات مستقلة محايدة لا تأثير للممسكين بالسلطة عليها .
وكذلك يتوجب اخراج ( مراقبة ) التصرف بالمال العام وملاحقة المفسدين وسراق المال العام من ايدي السياسيين خصوصا الممسكين بالسلطة التنفيذية منهم ، لان المال حصن واداة للتشبث والبقاء بالسلطة ، وقد تتنافس الطبقة السياسية على سرقة المال العام لتتقوى به على غيرها في التنافس المحموم على المناصب والانتخابات ، ومن غير المنطقي ان تتحكم الطبقة السياسية بالمال العام ، وتراقب نفسها في ذلك ، فالرقابة وملاحقة المفسدين يجب ان تكون للشعب بادوات من المهنيين المختصين المستقلين المحايدين غير المسيسين ، ولا تأثير للطبقة السياسية كلها عليهم في اعمالهم  .
اما استقلال السلطة التي تضع ( السياسية النقدية ) وتدير امور سعر الصرف ، فأن التعارض بين مقتضيات ( السياسة المالية ) التي تضعها وتنفذها الحكومة ، وبين ( السياسة النقدية ) واثر كل منهما على الاخر ، ومقتضيات الحفاظ على سعر مستقر للصرف ، والحفاظ على احتياطي الشعب  دون ان تستولي عليه الحكومة لتنفيذ ( سياستها المالية ) ، التي قد تهدف الى تحقيق اغراض سياسية او انتخابية ضيقة ، الا انها قد تضر بالاقتصاد وبحقوق الاجيال ، هذه وغيرها هي الضرورات التي توجب ادارة ( السياسية النقدية ) بشكل مستقل عن الحكومة ، وان تودع بايدي فنيين مهنيين مستقلين لايد  للحكومة عليهم وعلى اعمالهم .
لذلك فقد اودعت تلك المهام الخمسة في الانظمة القانونية الديمقراطية المتقدمة الى جهات مستقلة استقلالا كاملا ، ومنعت الطبقات السياسية من التدخل او التأثير في اعمال المهنيين الذين يديرونها ، وهذا ما فعله دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، حيث اودع تلك الوظائف الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان وهيئة النزاهة وهيئة الاعلام والاتصالات والبنك المركزي العراقي وهي جميعا هيئات مستقلة استقلالا كاملا ، يفترض عدم تدخل جميع السلطات والجهات في الدولة  والطبقات السياسية والحزبية في عملها .
ان الهيئات المستقلة هي الضمانة الحقيقة لبناء ديمقراطي صحيح ، وهي المصد الاول لمنع قيام دكتاتورية حزب او فرد او جماعة ، وهي الاساس لقيام دولة يحكمها القانون ، ولكنها لا يمكن ان تقوم بتلك المهام الا اذا ضمن لها استقلالها الكامل ، وان تقوم علاقاتها مع غيرها على اساس التنسيق والتعاون والتكامل وليس على اساس خضوعها او ارتباطها باية جهة اخرى .
                                                                                                   القاضي            
                                                                                            رحيم حسن العكيلي                                                                                      
                                                                                              30 / 4 / 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق