الاثنين، 28 مايو 2012


معايير تمييز الفساد الكبير
                                                       
                                                               القاضي
                                                              رحيم حسن العكيلي

قسم المختصون المختصون الفساد الى اصناف مختلفة ، كتقسيمه الى فساد مالي وفساد اداري ، وتقسيمه الى فساد سياسي وفساد اقتصادي وفساد اجتماعي ، وكذلك تقسيمه الى فساد كبير واخر صغير ، وغالبا ما تدعى الهيئات المعنية بمكافحة الفساد الى ملاحقة الفساد الكبير على حساب ملاحقة الفساد الصغير ، فما هي معايير تمييز الفساد الكبير عن الفساد الصغير ؟
ان معايير كثيرة تصلح لاعتمادها في تمييز الفساد الكبير ، كالاتي :-

1-  قيمة الفساد :- فكلما كانت القيمة المالية للفساد كبيرة عد الفساد كبيرا ، فتعد جريمة الرشوة او الاختلاس فساد كبير اذا كان مبلغها كبيرا ، وبخلافه تعد فساد صغير ، بغض النظر عن كونها مرتكبه من موظف كبير ام صغير ، فأذا ارتشى او اختلس وزير مبلغ صغير من المال عد الفساد صغيرا ، اما اذا اختلس او ارتشى موظف صغير بمبلغ كبير عد الفساد صغيرا ، الا ان هذا المعيار يواجه صعوبات كبيرة في حالات الفساد الذي يصعب تقدير قيمته ، مثل ان تكون الرشوة المطلوبة فعلا جنسيا ، فلا يمكن تقدير قيمة لمثل هذا النوع من الرشوة ، وكذلك الحال مع افعال الحاق الضرر باموال الدولة عمدا او اهمالا ، وحالات تعيين الاقارب .
2-  منصب الموظف المتهم بالفساد :- فيعد الفساد كبيرا اذا كان مرتكب الفساد موظف يشغل درجة عليا في السلم الاداري كالوزير ووكيل الوزارة وعضو مجلس النواب ، ويعد الفساد صغيرا اذا كان مرتكبه موظف في الدرجات الدنيا من السلم الاداري . بغض النظر عن صغر قيمة الفساد او ضخامته ، ويعد هذا المعيار من اكثر المعايير سهولة ووضوحا في التطبيق  الا انه يحتاج الى وضع ضوابط واضحة لتحديد الوظائف الكبير من الوظائف الصغيرة وهذه لها اسس ومعايير مختلفة . فيمكن عد من يشغل الوظائف الاشرافية او القيادية موظفين كبار ، في حين يعد الموظفون الذين لا يشغلون مناصب قيادية او اشرافية موظفين صغار ، وقد يصار الى اعتماد معايير تستند الى طريقة التعيين في تحديد الموظفين الكبار كأن يعد من يعين بمرسوم جمهوري موظف كبير ، او ان يعتمد على حهة التعيين فيعد الموظف كبيرا اذا ما تدخلت السلطة التشريعية في تعيينه او التصديق على تعيينه ، وقد يصار الى التمييز بينهم بالاستناد الى اهمية وخطورة الدور الذي يلعبونه فلا يعد المحقق من الموظفين الكبار في ضوء الضوابط المذكورة انفا الا انه يعد من الموظفين الكبار في ضوء معاير خطورة الدور الي يمارسه الموظف العام .
3-  اهتمام الرأي العام :- فتكون القضية من قضايا الفساد الكبير متى ما كانت محل اهتمام الرأي العام ، بغض النظر عن كون مرتكب الفساد موظف كبير ام موظف صغير ، وبغض النظر عن انها بمبالغ كبيرة ام صغيرة .
4-  اهمية القطاع :- فيكون الفساد فساد كبير اذا ما استهدف او وقع في القطاعات البالغة الاهمية للدولة ، كالفساد الذي يقع  في القطاع النفطي في البلدان النفطية لانه نبض الحياة الاقتصادية في البلاد ، او الفساد الذي يقع في قطاع العدالة او التربية او الصحة .
5-  اثار الفساد :- فيعد الفساد كبيرا متى ما كانت اثاره خطيرة على المجتمع  بغض النظر عن كبر المبالغ التي وقع بها او اهمية منصب الموظف الذي جاء به ، فيعد تسريب الاستاذ الجامعي للاسئلة الامتحانية من صور الفساد الكبير لاثره الخطير على التعليم ، ويعد ارتشاء القاضي ولو بمبلغ صغير فساد كبير بخلاف ارتشاء موظف اداري ما ولو كان موظفا كبيرا بمبلغ كبير .
6-  انتشار الفساد كظاهرة عامة :- كالرشوة بمبالغ صغيرة التي يتداولها صغار الموظفين من المواطنين في المؤسسات التي تقدم خدمات مباشرة كالجهات المختصة باصدار جوازات السفر واجازات السياقة ودوائر التسجيل العقاري ودوائر المرور والبلديات وغيرها ، فان مثل هذه الصور تعد من قضايا الفساد الصغير الا انها تعد فساد كبير وفقا لهذا المعيار لانتشارها انتشارا كبيرا حتى اضحت تعد ظاهرة خطيرة .
7-  تحصن الفساد:- اذ تعد بعض صور الفساد محصنة ضد الملاحقة القانونية لظروف سياسية او اجتماعية كالفساد الذي يرتكبه بعض كبار المتنفذين في البلاد ، ككبار السياسيين وشيوخ العشائر وزعماء الطوائف ، فيعد الفساد الذي يرتكبه هؤلاء من الفساد الكبير .   
8-  الفساد المشرعن :- فبعض صور الفساد تأتي به القوانين مثل القوانين التي بالغت في رواتب كبار موظفي الدولة ومنح رواتب تقاعدية مبالغ بها بلا سنوات خدمة كافية ، واعطاء امتيازات كبيرة غير مستحقة للوزراء و لاعضاء السلطة التشريعية وغيرها . فيعد الفساد الذي تشرعنه القوانين فساد كبير .
9-  التجريم :- الفساد اما ان يكون مجرما او غير مجرم ، فالتأخر عن الدوام الرسمي يعد من صور الفساد ، الا انه فساد غير مجرم ، اما الرشوة والاختلاس فهما فساد مجرم بنصوص عقابية صريحة . فيكون الفساد المجرم فساد كبير اما الفساد غير المجرم فانه فساد صغير . الا ان التجريم وعدمه قد ينظر اليه من جهة القوانين العقابية الداخلية ( الوطنية ) ، وقد ينظر اليه بالاستناد الى ما دعت اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد الى تجريمه من الافعال باعتباره من جرائم الفساد ، اذ ان بعض صور الفساد لا تجرمه القوانين الوطنية كالرشوة في القطاع الخاص او الاختلاس في القطاع الخاص الا انهما مجرمان حسب الاتفاقية .
10-                       الفساد في المشاريع الكبرى :- فما يقع في اعداد او احالة او تنفيذ المشاريع الاستراتيجية الكبرى يعد من قضايا الفساد الكبير .
11-         فساد الانتخابات :- فشراء الاصوات وتزوير النتائج وعدم شرعية مصادر اموال الدعاية الانتخابية وغيرها مما يعد من اخطر قضايا الفساد لانه متعلقة بتزوير ارادة الشعب واهدار مبادئ النظام الديمقراطي .
12-         اهمية المؤسسات :- كالفساد الذي يقع في السلطات او الجهات ذات الطبيعة الرقابية كالسلطة التشريعية او السلطة القضائية ، فالرشوة للقضاء ولو كانت بمبالغ صغيرة هي اكثر خطورة من أي شكل اخر من اشكال الرشوة ، واستغلال النفوذ في قبل النواب هو اخطر صور استغلال النفوذ لانه يقع من اشخاص يشغلون المناصب في اقوى السلطات الرقابية .
13-         الممارسات المولدة للفساد :- فبعض صور الفساد لا تقف عن حد كونها فساد بل تكون اساسا لمظاهر فساد اعمق واكبر ، فتعاطي موظف ما رشوة للاسراع بمعاملة معينة يعد من صور الفساد التي لا تؤسس لفساد اخر ، الا ان التعيين في المناصب القيادية على اساس المحسوبية والمنسوبية والحزبية والطائفية ، دون النظر الى معايير النزاهة والكفاءة ، فساد يؤسس لفساد اخر بطريقة اعمق وبصور اكثر ، فحينما يعين غير النزيه او غير الكفوء في المناصب الهامة فذلك تمهيد لصور فساد اخطر واكبر . فيكون الفساد الممهد لصور فساد اخرى هو فساد كبير .
14-         مدى توفر الادلة :- فيعد فعل الفساد فساد كبير اذا ما قامت بشأنه ادلة اقوى من افعال اخرى ، ويعد فساد صغير اذا كانت الادلة ضده ضعيفة ولا تصلح لملاحقة مرتكبيه .

هذه اهم معايير تمييز الفساد الكبير ، وهي تصلح جميعا لاعتمادها ، ولو انها يصعب جمعها تحت معيار واحد . ويمكن الاعتماد على بعضها في ميدان العمل التحقيقي في ملاحقة جرائم الفساد .

                                                                                  القاضي
                                                                           رحيم حسن العكيلي                                                                   
                                                                               اب / 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق