تحليف الممثل القانوني اليمينامام المحاكم الجزائية
تصر بعض محاكم الجزاء ( تحقيق وجنايات وجنح ) على تحليف الممثل القانوني
للوزارات ودوائر الدولة المختلفة اليمين قبل تدوين اقواله في كل الدعاوى الجزائية
التي يحضر فيها امامها كوكيل عن دائرته . فهل يتوجب - فعلا – تحليف الممثل
القانوني اليمين ، وهل من حق الممثل القانوني الامتناع عن حلف اليمين ؟ وما هو
الاثر المترتب على امتناعه عن حلفها ؟ فهل يلاحق كما يلاحق الشاهد اذا ما امتنع عن
حلف اليمين ؟
يحضر الممثل القانوني امام المحاكم الجزائية باعتباره وكيلا عن شخص معنوي
عام ، فصفته في الدعاوى دائما هي انه ( وكيل ) عن ذلك الشخص المعنوي العام ،
والاصل عدم جواز تحليف الوكيل يمين الشاهد ، ولو عد ما صدر عنه – بصفته تلك -
اقرارات او ادعاءات او شهادات ضد الغير او لمصلحتهم .
ورغم ان صفة الموظف الحقوقي عن الشخص المعنوي العام تظل ( وكيلا ) في كل
الحالات ، الا ان مركز الشخص المعنوي العام في تلك الدعاوى الجزائية قد يتغير ،
فقد يكون مدع مدني ، وقد يكون مشتكي .
فتكون صفة الشخص المعنوي العام مشتكي اذا كان هو المجنى عليه فيها ،
والمجنى عليه هو من تقع عليه الجريمة سواء وقعت على جسمه او ماله او سمعته او
اعتباره ، كأن تختلس او تسرق اموال الوزارة ، فتكون الوزارة هي المشتكي في الدعوى
الجزائية ، والاصل ان المشتكي يحلف اليمين حين تدوين اقواله ولو لم تكن له شهادة
على الحادث ، تحوطا من احتمال التلفيق والكذب بشأن وجود الجريمة اصلا ، فقد يدعي شخص
ما بأن داره سرقت الا انه لم يسرق اصلا .
الا ان تحليف المشتكي اليمين تنحصر في الاشخاص الطبيعية والمعبرين عن ارادة الاشخاص المعنوية الخاصة ، دون
الاشخاص المعنوية العامة ، اذ ان الشخص المعنوي العام – مثله مثل الشخص المعنوي
الخاص - شخص افتراضي لا وجود له واقعيا – كشخص – فلا يمكن تحليفه اليمين ، ولا يصح
تحليف المعبر عن ارادته ( اي عن ارادة الشخص المعنوي العام ) كالوزير او مدير عام الشركة العامة او رئيس
الهيئة اليمين ايضا ، لان المعبر عن ارادة الشخص المعنوي العام هو موظف عام ، ولا
يحلف الموظف العام حين قيامه بواجبه كمعبر عن ارادة الشخص المعنوي العام يمين
الشهادة .
وبما ان تحليف الشخص المعنوي العام متعذر عمليا ، ولا يصح تحليف المعبر عن
ارادته ، فلا يحلف وكيله ( الموظف الحقوقي ) ايضا ، لانه ( اي الموظف الحقوقي / وكيل
الشخص المعنوي العام ) - شأنه شأن اي ( وكيل لمشتكي ) سواء اكان شخص طبيعي او
معنوي خاص – لا يحلف يمين الشاهد حين سماع اقواله ، ولو تضمنت اقرارات او ادعاءات او شهادات ضد
الغير او لمصلحتهم ،.
والحقيقة ان وكيل الشخص المعنوي
العام ( الموظف الحقوقي ) - كغيره من الوكلاء - حين تدوين اقواله امام المحكمة الجزائية
، انما يقوم بنقل ما زود به من معلومات وطلبات الى المحكمة ، فهو اقرب – في هذه
النقطة - الى الرسول منه الى شئ اخر ، وقد لا يكون متيقنا مما زود به من معلومات
فقد يذكر ( اي الممثل القانوني ) لقاضي التحقيق بان اموال دائرته اختلست الا انه
ينقل عنها ما تدعيه ، وقد لا يكون متيقنا من ان اختلاسا قد وقع فعلا ، لذلك تكون
الحكمة من وراء تحليف يمين الشهادة منعدمة في حالته ، فهذه انما يقصد منها التحوط
ضد الكذب والتلفيق من خلال التأثير على ارادة الحالف عن طريق هذه اليمين ، وهذه لا
تقوم في الموظف الحقوقي وكيل الشخص المعنوي العام لانه – غالبا – لا يعلم الحقيقة
، بل ينقل ما زودته به دائرته من معلومات .
لذا فلا اساس قانوني ولا مبرر عملي لتحليف ( الموظف الحقوقي / وكيل الشخص
المعنوي العام ) اليمين امام المحاكم الجزائية ولو كانت تدون اقواله باعتباره وكيل
عن ذلك الشخص المعنوي العام بصفته مشتكي .
وكذلك الحال اذا ما كانت صفة الشخص المعنوي العام مدع بالحق المدني فقط ،
حينما يلحقه ضرر مباشر من الجريمة ، دون ان تقع الجريمة عليه مباشرة ، كوزارة
التربية في جريمة تزوير الشهادة الدراسية وتقديمها الى وزارة الصحة والتعيين فيها
بالاستناد اليها ، او كمفوضية الانتخابات في جريمة شراء اصوات الناخبين ، او دائرة
الموظف المرتشي في جريمة رشو او ارتشاء موظفها ، و كوزارة الداخلية في جريمة
انتحال صفة ضابط فيها ، اوهيئة النزاهة في
جريمة انتحال صفة محقق عندها ، فهذه الجرائم لم تقع على اموال او سمعة او اعتبار
الشخص المعنوي العام مباشرة ، الا ان ضررا قد يلحق به او بالمصلحة التي يحميها او
يدافع عنها ، فيحق له التدخل في الدعوى بصفة مدع بالحق المدني ، والمدعي بالحق
المدني في الدعوى الجزائية لا يختلف – في مركزه القانوني – عن المدعي امام المحاكم
المدنية ، فهو مدع بحق ما ، ولابد ان يطالب بامر ما غير ايقاع العقوبة الجزائية ،
فقد يطالب بالتعويض او رد المال او نشر معلومة او غيرها ، وهو يخضع – كمدع – لنفس
القواعد التي يخضع لها المدعي امام المحاكم المدنية بالنسبة الى تحليفه يمين
الشاهد حول ما يدعيه ، فلا يجوز اجبار المدعي على ان يحلف على صحة ما يدعيه ، الا
طبقا لقواعد توجيه اليمين الحاسمة او اليمين المتممة او يمين الاستظهار او يمين
الاستحقاق ، وهذه لا يجبر الخصم على ان يحلفها ، بل له ان ينكل عن حلفها ، بخلاف
يمين الشاهد ذات الصفة الاجبارية .
وهذه قاعدة عامة في كل من يحمل صفة المدعي المدني سواء اكان شخص طبيعي او
معنوي ، فلا يحلف المدعي المدني في الدعوى الجزائية يمين الشهادة مطلقا ، ولا يحلف
وكيله قطعا ، وبالتالي لا يصح تحليف الموظف الحقوقي وكيل الشخص المعنوي العام
اليمين حين تدوين اقواله بصفته وكيل عن المدعي بالحق المدني .
والنتيجة النهائية ان تحليف الموظفين الحقوقيين باعتبارهم وكلاء عن الاشخاص
المعنوية العامة في الدعوى الجزائية سواء بصفتهم مشتكين او مدعين بالحق المدني لا
اساس له من القانون ولا من الواقع ، ولا تقف خلفها حكمة معتبره ، ويصح للموظف
الحقوقي الامتناع عن حلف اليمين ، ولا يصح ملاحقته عن امتناعه عن حلفها مطلقا .
اما اذا كان للموظف الحقوقي - وكيل الشخص المعنوي العام - شهادة عن الجريمة
،كأن يكون شاهد السارق وهو يكسر باب الدائرة او شاهده وهو يهرب باموالها ، او شاهد
زميله وهو يخفي موجودات المخزن الذي بعهدته في اسفل سيارته لاختلاسها ، فيتوجب –
في مثل هذه الحالة - التفريق بين صفته كشاهد وبين صفته كوكيل عن المشتكي او عن
المدعي بالحق المدعي ، فتدون اقواله بصفته وكيل عن الشخص المعنوي العام - سواء
اكان مشتكي او مدعي بالحق المدني - دون تحليفه اليمين ، ثم تدون اقواله بصفته
الشخصية كشاهد ويحلف حينها يمين الشهادة ، ولكن ليس بصفته الممثل القانوني للدائرة
بل بصفته شاهد عادي شأنه شأن اي شاهد اخر .
القاضي
رحيم
حسن العكيلي
سددكــــــــــم الله في خطاكـــــــــــــــم كل التوفيق لكم سيــــــــــادة القاضي....
ردحذفاحسنت استاذ على التوضيح
ردحذف