الأحد، 1 أبريل 2012

شركات متنفذة
بقلم القاضي رحيم حسن العكيلي



يقف وراء الفشل في تقديم الخدمات ، وعدم ظهور اثار ملموسة للاموال الكبيرة التي ترصد للمشاريع والاعمار في العراق في السنوات الماضية اسباب كثيرة ، منها الوضع الامني والفساد وعدم نمو قدرات القطاع الخاص العراقي بما يكفي لتنفيذ مشاريع كبرى ، وعزوف الشركات الكبرى والمستثمر الاجنبي عن الدخول الى العراق ، وضعف قدرات القطاع العام في ادارة مشاريعه وتنفيذها بطريقة ملائمة ، وغيرها . الا ان الفساد يظهر كأنه السبب والتحدي الاكبر وراء كل ذلك ، وقد اختفت خلفه كل الاسباب والتحديات الاخرى ، حتى اضحى يبدو كأنه السبب الاوحد لدى الناس ، بسبب كثرة التركيز عليه دون الاسباب والتحديات الاخرى .
الا انه ( اي الفساد ) يظل سبب مهم ومؤثر ، وله صور ومظاهر خطيرة ، لعل اهمها ، وقوف متنفذين ( سياسيين او غير سياسيين ) خلف الشركات التي تتنافس على العقود والمشاريع ، وهي في هذا ثلاثة اصناف :-
الاول :- ان تكون الشركات عائدة لمتنفذين ومسجلة علنا بأسمائهم او اسماء ازواجهم او اقاربهم ، او هم مدرائها المفوضون .
الثاني :- ان تكون تلك الشركات عائدة لهؤلاء المتنفذين في الحقيقية ، الا انها مسجلة باسماء اشخاص اخرين واجهيين ، يعملون فيها لمصلحة المتنفذين ، وليس لهم سوى ادارتها لمصلحة اولئك المتنفذين .
الثالث :- ان لا تكون للمتنفذين ملكية في تلك الشركات ، لكنهم يدعمونها في مقابل عمولات ورشاوى يتعاطونها منها .
وهذا رتب مظاهر خطيرة للفساد في المشاريع والعقود العامة ، اهمها ما يأتي :-
1- ان تحال العقود او المشاريع على تلك الشركات باضعاف قيمتها الحقيقية ، فاما ان يبالغ في تقدير كلفها التخمينية ، او ان تحال بلا تقدير كلف تخمينية ، فقد يحال عقد تقدر كلفته التخمينية بـ ( 137 ) مليار دينار ، بمبلغ ( 277 ) مليار دينار .
2- احالة العقود على تلك الشركات بطرق لا تؤمن الحد المقبول من المنافسة ، اما بطريق الدعوة المباشر او العطاء الواحد ، او بطرق ملتوية كثيرة ، تتحايل على القوانين وتخرقها ، منها طريق اظهار القطاع العام في الواجهة وكأن العقود او المشاريع محالة بعهدة شركات القطاع العام ، ولكنها في الحقيقية تحال من خلفها الى شركات خاصة مسنودة من احزاب او جهات متنفذة معينة .
3- ان تستلم المشاريع على اساس انها نفذت بطريقة سليمة ، رغم ان الشركات نفذتها بطريقة لا تتطابق مع معايير الجودة ، او غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها . وتكون النتيجة فشل تلك المشاريع او عدم تحقيقيها للغاية منها .
4- استلام سلف كبيرة او مبالغ مقدمة ، لا تتلائم مع مقدار التنفيذ الفعلي ، وترك المشروع بلا تنفيذ ، ودون اي تقدم على ارض الواقع ، في حين تستغل الشركة او المقاول السلف او المبالغ التي استلمها من اموال الدولة ، في التجارة او في المصارف وغيرها.
5- عدم اتخاذ اي اجراءات قانونية حقيقية ضد تلك الشركات او المقاولين المتلكئين او المتأخرين في تنفيذ المشاريع ، والاكتفاء بتجديد المدد لها والاعفاء من الغرامات التأخيرية ، دون مسوغات قانونية حقيقية .
وهذا قد يفسر العدد الكبير من الشركات العراقية التي سجلت لدى مسجل الشركات بعد عام 2003 ، فقد بلغ عدد الشركات العراقية المسجلة عام 2003 ( 8374 ) شركة فقط ، في حين بلغت في 31 / 12 / 2010 ( 49239 ) شركة عراقية اي بزيادة فاقت خمسة اضعاف عدد الشركات المسجلة لغاية نهاية عام 2003، وهذا ينطبق على مكاتب وفروع الشركات الاجنبية التي كانت ( 194 ) مكتب وفرع في عام 2003 فقط ، الا انها اصبحت في نهاية عام 2010 ( 807 ) مكتب وفرع شركة اجنبية .
ان القسم الاكبر من الفساد الكبير في العراق اليوم هو الابن الشرعي للجمع بين صفات ( السياسي والتنفيذي والمقاول ) لدى ثلة من الطبقة السياسية في الحكومة وخارج الحكومة وفي المحافظات و مجالس المحافظات ، وهو اخطر صور تعارض المصالح ، التي تقف القوانين والانظمة الادارية المعمول بها حاليا عاجزة عن معالجته ، وايقاف هدره للمال العام ، واستنزاف موارد الدولة ، وتعطيل خططها ومشاريعها .

القاضي رحيم حسن العكيلي

        29 / 4 / 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق